جعجع وعون… ما الذي تغيّر؟
يوسف المصري
منذ نحو شهرين قال الجنرال ميشال عون لصديق مشترك له مع الدكتور سمير جعجع: «لقد مللت حوار الورق مع «الحكيم»، لماذا لا يأتي لنتحدّث على فنجان قهوة»؟
أظهر ردّ جعجع حينها أنه لا يزال يعتقد بأنّ الظرف لم ينضج بعد. قال: «ماذا سأفعل عند الجنرال طالما أن لديه مطلباً وحيداً مني وهو أن أدعم ترشحه للرئاسة».
بعد شهرين على هذه الواقعة، فإنّ السؤال هو عن ماهية هذا السرّ الحاسم الذي أقنع جعجع بأنّ الوقت صار مناسباً لترك حوار الورق مع عون، والذهاب إليه ليحاولا التفاهم وجهاً لوجه؟
مطلون على مسار تفكير جعجع في الآونة الأخيرة، يرجّحون أن ما يكمن وراء ذهابه إلى الرابية هو فكرة سادت في معراب مؤخراً، ومنشؤها نصيحة خارجية قالت له إنه يستطيع ضمن الظروف المسيحية الراهنة أن يجعل نفسه لو أراد الشخصية الوحيدة التي تملك إمكانية تحريك المياه الآسنة داخل بركة الاستحقاق الرئاسي الراكدة. بمعنى آخر، إنه الشخصية الوحيدة التي في يدها رمي حجر لتحريك مناخ هذا الملف، بغضّ النظر عما إذا كان الأمر سيؤدّي إلى نتائج عملية لخطوته هذه. فالمهمّ أن يكسب صورة أنه صانع مناخ الانتخابات الرئاسية وليس بالضرورة صانع فخامة الرئيس، وأضافت النصيحة أن هذه الصفة فيما لو اكتسبها سيكون لها مردود مسيحي إيجابيّ عليه.
ويبدو أن جعجع اقتنع بضرورة أخذ دوره هذا، وإنجاز مبادرة على هذا الصعيد، فكان قراره بتجاوز كلّ حذره والذهاب للقاء عون.
ذهاب جعجع لا يعني تسليمه بترشيح عون للرئاسة، تضيف المصادر عينها، بل المعنى الذي قصده هو إعادة تحريك ملف الرئاسة وحصر نادي أقطاب طباخيه المسيحيين به وبعون فقط.
ولكن السؤال عينه يستمرّ مطروحاً في محافل أخرى، وذلك حول كيف يمكن للقاء عون – جعجع أن يسيل على مستوى التوصل لإنتاج تسوية تنتج بدورها فخامة الرئيس العتيد؟
في الشكل هناك إجابة عن هذا السؤال، تفيد بأنّ عون وجعجع اتفقا خلال اللقاء على آلية لانتخاب رئيس، قوامها إجراء استفتاء مسيحي لتحديد المرشحين الأقوياء، ولكن لم يتفق الرجلان على آلية هذا الاستفتاء، علماً أنّ مصادر قريبة منهما قالت إنه ربما يُصار إلى محاكاة طريقة انتخابات الرئاسة الأميركية التي تنص آليتها على أن ينتخب الرئيس الناخبون الكبار في كلّ ولاية، وليس المواطنون الأميركيون. بكلام آخر ربما يتمّ إعداد لائحة بأسماء هيئات وشخصيات تشكل مفاتيح انتخابية مسيحية ويجري استفتاؤها.
على أن هناك مصادر قريبة من مناخ تفاعل حسابات جعجع في هذه المرحلة، تنصح بأن يتمّ رصد توقيته المفاجئ لزيارة الرابية انطلاقاً من اعتبارات أخرى لديه، تتسم بأنها أعمّ وأوسع أفقاً وذات صلة بتغييرات ظهرت داخل الوضعين الدولي والإقليمي مؤخراً، ومرجّح أن تكون لها انعكاسات على لبنان.
أبرز هذه الاعتبارات تتحدّث عن معلومات حملها من الولايات المتحدة مؤخراً إلى بيروت أقطاب في 14 آذار، وتجزم هذه المعلومات بالتالي:
أولاً: إدارة أوباما لا تضع «فيتو» على عون رئيساً للجمهورية، وهي باتت أقرب إلى المساعدة في ملف الرئاسة اللبنانية، وعرضت عملياً أن تتكلم مع إيران لتسهيل انتخاب الرئيس اللبناني، شرط أن يبدي اللبنانيون أنفسهم تفاهماً على اسمه.
ثانياً: الاتفاق الأميركي – الإيراني حول برنامج الأخيرة النووي ماض إلى خاتمته السعيدة في نهاية الشهر الجاري، أو كأبعد حدّ حتى نهاية تموز المقبل، وعلى الجميع التأقلم مع هذا الواقع.
ثالثاً: تضع أميركا لعبة الكرّ والفرّ العسكرية المكثفة منذ شهر فوق الميدان السوري في خانة أنها تخدم فكرة إضعاف سورية لإرغامه على المجيء إلى طاولة المفاوضات بشروط سياسية متواضعة. وضمن هذا الهدف أيضاً، تضع عودة ثنائية لافروف ـ كيري إلى العمل المشترك على الملف السوري.
رابعاً: زوار أميركا خلال الشهر الماضي لم يسمعوا – على غير العادة – خلال محادثاتهم المغلقة مع المسؤولين الأميركيين أية لغة هجومية ضدّ حزب الله، بل إن واشنطن شجعت الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله بوصفه يدعم أمرين أساسيين تريدهما بشدة إدارة أوباما: تحييد لبنان أمنياً عن الأزمة السورية، وتشجيع مناخ الاعتدال في لبنان كسبيل لتحصينه سياسياً وأمنياً.
خامساً: تجزم واشنطن بأنها لن تسمح لـ«إسرائيل» بالقيام بأيّ عمل ضدّ لبنان يهزّ استقراره ويعقد الأمور أكثر فوق ساحته.
والتوقع السائد هو أن يكون جعجع عمل على توظيف هذه المعلومات في خدمة صياغة قراره بالذهاب إلى عون ليبكّر مسار التفاهم معه، وليضعه على سكة بناء سياق محاصصة تسمح له بأن يكون شريكه في تقاسم حصة المسيحيين داخل كعكة النظام اللبناني في المرحلة المنظورة المرشحة لأن تدخل المنطقة خلالها عهد التسويات الكبرى من العراق إلى سورية وصولاً إلى لبنان مروراً باليمن.
وثمة ملاحظة تبرز ذاتها على صعيد توقيت زيارة جعجع لعون، وهي أنّ لقاءهما جرى في الوقت ذاته الذي كان فيه الموضوع اللبناني يطرح في الرياض في خلوة ولي العهد محمد بن نايف مع الرئيسين تمام سلام وسعد الحريري. يشي هذا التوقيت برسالة للمجتمعين من أكبر مكوّنين في الساحة المسيحية، تقول إنّ تفاهمهما ممكن، والمطلوب أخذه في اعتبار القرار الإقليمي حينما يقارب الملف الداخلي اللبناني ابتداء من ملف البحث عن حلّ للرئاسة الأولى الشاغرة، وصولاً إلى وضع المسيحيين داخل خريطة استكمال تطبيقات دستور الطائف في مرحلة بدء التسويات الكبرى في المنطقة.