فعالية دمره… نظرة استراتيجية
هاني جودة
ليس غريباً أن يتقدّم أبناء بلدة دمره المحتلة بفعالية مميّزة وفريدة وذات خصوصية منذ النكبة التي ألمّت بشعبنا عام 1948. هذه الفعالية نفذت وللمرة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ خصص أهالي بلدة فلسطينية مهجرون فعالية باسم قريتهم، فيما ينفذون نشاطاً نضالياً قرب السياج الشمالي لقطاع غزة، بمحاذاة قرية دمره المحتلة. وحضر الفعالية جمع غفير من أبناء البلدة ومخاتير ووجهاء وشخصيات وطنية، شكلوا بحضورهم نموذجاً للحنين وطليعة عمل منظم ربما ستأخذ به القيادة السياسية الفلسطينية في نضالها في ملف العودة والقرار الدولي 194.
هذه الفعالية شكلت نموذجاً يحتذيه مخاتير البلدات الفلسطينية المحتلة وأبناؤها، بل أتوقع أن تقوم هذه البلدات بتنفيذ أنشطة مشابهة كالتي بادرت إليها دمره ونفذتها ضمن مشروع نضالي أرادت أن يكون متزامناً مع ذكرى النكبة 15 أيار من كلّ عام.
خلقت بلدة دمره بذلك نظرة استراتيجية لتحوّل طبيعة العمل والنشاط النضالي الداعم لحق العودة، والذي يتعمّد الاحتلال جعله مطلباً مستحيلاً كونه إذ يخلّ بالمعادلة الديمغرافية للأرض المحتلة. وجدت دمره أنّ الحلّ الوحيد هو البحث عن بدائل تعتمد على القانون الدولي والنضال المشروع والاعتصام والحراك السلمي النضالي الذي يبدأ من تحريك أبناء البلدات الأخرى كافة للعمل المنظم سنوياً، لإبرازأسماء البلدات والقرى الفلسطينية بصوت أقوى من الأكاذيب التي تروّج لها حكومة الاحتلال وآلتها الإعلامية، والتي جعلت الهولوكوست أعظم محرقة ومجزرة في التاريخ الحديث، وبذلك أرغمت ألمانيا على دفع ما يُسمّى بالتعويض حتى يومنا هذا، وتتغاضى المسمّاة الشرعية الدولية والمجتمع الدولي عن قرارات دولية أقرّت لقضية اللاجئين، وأهمها القرار الدولي 194 الذي نصّ على عودة اللاجئين بوضوح، لذا يرى أهالي بلدة دمره بعيونهم أنّ فعاليتهم ستكون تحوّلاً استراتيجياً في دفعة الصراع والدفاع عن حق العودة كاملاً، ضمن برنامج استراتيجي واضح المعالم نختصره بالآتي:
1 – جعل فعالية بلدة دمره مقدمة لاستنهاض وطني شامل لأجل حق العودة.
2 – تحشيد المؤسسات الإعلامية المحلية والإقليمية والدولية لفضح سياسة الاحتلال التي لا تزال تتجاهل القرارات الدولية المتعلقة باللاجئين.
3 – وضع قضية اللاجئين والعودة والتعويض على سلم الأولويات الوطنية للمؤسسات الوطنية كافة في الداخل والخارج.
4 – اللجوء إلى المحاكم الدولية كافة ذات العلاقة لرفع دعاوى قضائية مختلفة ضدّ الاحتلال ومتابعة هذه الدعاوى من جهات عربية وأجنبية حليفة.
5- تعتبر بلدة دمره أنّ التفريط في حق العودة ضمن مقولة «الكبار يموتون والصغار ينسون» جريمة تاريخية لن يغفرها التاريخ ولا الأجيال.
تكمن النظرة هذه في منحيَيْن كانا سبباً في تكوين منهجية جديدة، أولهما أنّ المجتمع الدولي أوصل الفلسطينيين إلى درجة اللا أمل في قراراته التي باتت بلا جدوى منذ النكبة وحتى الآن، وأن الانحياز الأعمى من جانب الدول الكبرى للاحتلال جعل مسألة إرجاع الحقوق الفلسطينية مسألة صعبة في ظلّ إمعان الاحتلال بالإرهاب الفكري والاقتصادي والسياسي والعسكري، وثانيها أنّ أبناء بلدة دمره والبالغ عددهم في وقتنا الراهن أكثر من 25 ألفاً، يملكون قدرات بشرية هائلة، ولديهم نسبة متعلمين تصل إلى 95 ، وبينهم الكاتب والباحث والعالم والطبيب والمهندس، وجميعهم متمسكون بقيادة قانونية وعرفية واحدة منذ النكبة، ومجمعون على الإصرار التام على العودة إلى ديارهم، مع الأمل بالتوفيق لأبناء البلدات الأخرى بأن يسيروا على نهج دمره في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني حتى تتحقق كامل الأهداف.