«إسرائيل»… وتنامي المقاطعة الدولية

راسم عبيدات

واضح أنّ حالة كبيرة من القلق والاضطراب والخوف والارتباك تسود دولة الاحتلال وحكومتها تجاه تردّي مكانة «إسرائيل» الدولية في ضوء النداءات والمطالبات المتكررة بفرض العقوبات والمقاطعة الدولية عليها، نتيجة الاحتلال والاستيطان الاستعماري وجدار الفصل العنصري وسياسة الفصل العنصري «الأبارتهايد»، وما ترتكبه من جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني، ولم تعد «إسرائيل» تتعامل مع هذا الملف باستهتار ومن دون اكتراث، بل أصبح خطر المقاطعة الدولية لدولة الاحتلال يوازي خطر القنبلة النووية الإيرانية على دولة الاحتلال.

ولعل التطورات الأخيرة التي حصلت بمقاطعة العديد من الدول الأوروبية لمعرض للسلاح في «تل أبيب» الثلاثاء الماضي هي التي أشعلت الضوء الأحمر أمام حكومة الاحتلال، فصادرات «إسرائيل» العسكرية تقدر بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، وانتقال المقاطعة إلى تجارة السلاح، سيشكل ضربة موجعة للصناعات العسكرية «الإسرائيلية»، وكذلك طرح تجميد عضوية «إسرائيل» في «الفيفا» وانضمام الاتحاد الوطني لمجالس طلبة بريطانيا والذي يضم في عضويته 7 ملايين طالب إلى حملة المقاطعة، نتيجة ارتكاب دولة الاحتلال لجرائم حرب في حربها العدوانية الأخيرة على قطاع غزة 2014، واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة، هي التي دفعت بالاتحاد البريطاني الطلابي لمثل هذا القرار.

القلق والاضطراب «الإسرائيلي» جراء ذلك اضطر الحكومة «الإسرائيلية» إلى عقد جلسة خاصة لـ«الكنيست» البرلمان «الإسرائيلي» بكامل هيئتها، للتدارس والتباحث في كيفية التعامل مع هذا الخطر الجدي، إذ أن «الكنيست» اعتبر المقاطعة بمثابة تهديد استراتيجي لـ «إسرائيل» وليس تهديداً سياسياً فقط، وتحدث عن ذلك كل مركبات ومكونات حكومة الاحتلال المتطرفة والعنصرية من رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى رئيس الدولة ريفلين فوزيرة الثقافة والرياضة المتطرفة ريغيب فالمتطرفة شاكيد وزيرة العدل، حيث وصفوا ذلك بالتهديد الاستراتيجي وبأنه يستهدف محو دولة الاحتلال وليس تقسيم ما يسمى بأرض «إسرائيل» على رأي المتطرفة شاكيد. ولذلك دعوا الى تشكيل خلية عمل للمواجهة والتصدي لمخاطر المقاطعة، خلية يُجنّد لها ديوان رئيس الوزراء ووزارة الخارجية وكل سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج وكل وسائل الإعلام وكتاب الرأي، وكل أصدقاء دولة الاحتلال في الدول الأوروبية وأميركا، وكل المؤثرين في صناعة القرار في دولهم من رجال أعمال ورأسماليين يهود.

ولتدليل على خطورة ما يحدث ويواجه دولة الاحتلال من عزل ومقاطعة على المستوى الدولي في الجوانب الأكاديمية والثقافية والاقتصادية على وجه الخصوص،عمدت حكومة الاحتلال إلى نقل هذا الملف إلى وزارة الشؤون الاستراتيجية.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن حركة المقاطعة الدولية لـ«إسرائيل» بدأت في عام 2001، في مؤتمر ديربن الذي عقد في جنوب أفريقيا بمشاركة 1500 منظمة غير حكومية، صاغت ما عرف بوثيقة ديربن، وهي عبارة عن خطة عمل لعزل «إسرائيل» على المستوى السياسي.

الحملة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة «إسرائيل» وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها BDS تحقق نجاحات مهمة على صعيد عزل «إسرائيل» ومقاطعتها أكاديمياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً، وثمرة جهدها المتواصل وملاحقاتها ومتابعتها، وتنسيقاتها وتواصلها مع القوى ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي في خلال انطلاقتها 9/6/2005 ولغاية الآن، أنجزت ما لم تستطع إنجازه الحركة السياسية والدبلوماسية المرتبكة والمتلعثمة والمرتعشة للسلطة ومعها منظمة التحرير الفلسطينية، فنحن نتحدث من بداية العام الحالي عن 1000 مؤسسة ثقافية بريطانية انضمت لمقاطعة دولة الاحتلال، وفي شباط الماضي من العام الحالي 700 فنان، بينهم فنانون عالميون ينضمون لمقاطعة دولة الاحتلال، ناهيك عن التطور الأهم، وهو إعلان شركة سليكوم الفرنسية وقف عملها في «إسرائيل» وإنهاء تعاقدها مع شركة بارتنر «الإسرائيلية» لكونها تعمل في المستوطنات «الإسرائيلية»…الخ.

«أسرائيل» الرسمية وغير الرسمية تُجنّد للتصدي ومواجهة حملات المقاطعة، وتضخ الأموال بملايين الدولارات وتجند كل وسائل الإعلام لهذه الغاية، وفي هذا السياق نقول بأن دولة الاحتلال ولمحاربة حملات المقاطعة سنّ الكنيست عام 2011 «قانون المقاطعة» ضد كل من يطالب بمقاطعة «إسرائيل» واعترضت عليه مؤسسات حقوق الإنسان.

وصادقت المحكمة العليا «الإسرائيلية» على هذا القانون في 15 نيسان 2015 معتبرة: «أن المقاطعة لها طابع عنصري كونها تنادي بمقاطعة مؤسسات فقط لانتمائها «الإسرائيلي»».

وينص قانون المقاطعة «الإسرائيلي» على تقديم دعوى قضائية وطلب تعويضات ضد كل من يدعو إلى عدم شراء منتجات المستوطنات أو إلى عدم المشاركة في النشاطات الثقافية التي تنظم بداخلها. كما يخول القانون وزير المال بفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على كل من ينادي بالمقاطعة أو يعلن مشاركته بالمقاطعة.

واعتبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «أن الحرب ضد حملات المقاطعة ليست حرباً سياسية فقط بل هي حرب قومية».

وأطلقت الصحيفة حملة الاثنين تحت عنوان «إسرائيل» أولاً، نحارب المقاطعة»، و«تجند في معركة التصدي» وقالت إنها ستنشر خلال الشهر والأشهر المقبلة مقالات ومواضيع خاصة ضد نشطاء المقاطعة.

وفي إطار سياسة المواجهة أيضاً، فإن «إسرائيل» وآلة الدعاية الصهيونية ستتهم أي مؤيد لحركة المقاطعة بمعاداة السامية وستستخدم ذلك كشكل من أشكال الترهيب لإيقاف كل أشكال معارضتها، وتستخدم تكتيك تشويه السمعة خصوصاً ضد مؤيدي المقاطعة من الأوروبيين لشعورهم بالذنب من المحرقة النازية، ونجحت «إسرائيل» نسبيا خلال العقود الماضية باستخدام عقدة الذنب عند الأوروبيين للتواطؤ على قمع الفلسطينيين».

وأيضاً فإنها ستحاول نزع «الشرعية» عن حركة المقاطعة، والطلب من الدول الأوروبية وأميركا بمحاكمة كل من يدعو إلى مقاطعة البضائع «الإسرائيلية» أو وضع علامات خاصة على منتوجات المستوطنات، أو مقاطعتها أكاديمياً وثقافيا واقتصادياً، ناهيك عن إخراج تلك الحركات عن القانون، وكذلك على سبيل المثال قالت وزيرة الثقافة والرياضة «الإسرائيلي» ميري ريغب بأنها قررت وقف دعم أو رعاية الوزارة لأي عمل فني أو نشاط ثقافي يعتمد على أنشطة المنظمات الحقوقية والأهلية التي تعنى بمراقبة سجل حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

أما السيد عمر البرغوثي أحد مؤسسي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على «إسرائيل» فيرجع النجاحات التي تحققها حركة المقاطعة BDS لكون «الحركة ترتكز إلى القانون الدولي والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان. وترفض رفضاً قاطعاً كل أشكال العنصرية، بما في ذلك معاداة السامية وواقع ازدياد الدعم اليهودي للحركة في الغرب هو نتيجة الانسجام الأخلاقي للحركة».

واختتم باقتطاف فقرة وردت في بيان الـ BDS في إطار رفضها للمؤتمر التطبيعي الذي كان مقرراً عقدة في الحادي عشر من الشهر الجاري في فندق أفرست في بيت جالا تحت عنوان «دولتين وطن واحد».

إن انخراط فلسطينيين في مشاريع تطبيع كهذا المؤتمر، يوفّر أوراق توت لجرائم «إسرائيل» وانتهاكاتها للقانون الدولي، بغض النظر عن النوايا، ويضرب الإجماع الوطني المؤيد لمقاطعة «إسرائيل» ورفض التطبيع معها في شتى المجالات البيئية والرياضية والاقتصادية والنسوية والنقابية وغيرها. كما يضعف التطبيع حركة التضامن العالمية مع حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف.

وأوضح أن «مناهضة التطبيع هي مسؤولية جماعية وضرورة نضالية من أجل حرمان دولة الاحتلال والأبارتهايد ومؤسساتها من بعض أهم أدوات السيطرة على مجتمعنا ومُقدّراتنا، حيث تدعو اللجنة الوطنية للمقاطعة بنات وأبناء شعبنا إلى أوسع اصطفاف وطني وشعبي لمقاومة التطبيع بكل الوسائل السلمية والحضارية المتاحة، ومنها مقاطعة الشركات والمشاريع والمحال التجارية والفنادق المنغمسة في التطبيع».

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى