«مجلس التعاون الخليجي في مثلث الوراثة والنفط والقوى الأجنبيّة»… كتاباً نقديّاً
ثائر الحكيم
«مجلس التعاون الخليجي في مثلث الوراثة والنفط والقوى الأجنبية»، كتاب مثير يعالج بالتحليل والتوثيق والنقد، الأسباب الكامنة وراء فشل بلدان مجلس التعاون الخليجي في تحقيق التنمية والأمن عبر أكثر من أربعة عقود. وهو يُرجع هذا الفشل إلى وقوع هذه المنطقة في مثلث مفرغ، أضلاعه هي النظم السياسية الوراثية التي تمتلك ثروة نفطية باهظة، وتفتقد الرقابة المجتمعية، وتعتمد على القوى الأجنبية.
كتبه الدكتور يوسف خليفة اليوسف، ونشره «مركز دراسات الوحدة العربية». ويستخدم الكتاب أسلوباً تحليلياً ووصفياً، وينقسم إلى خمسة أقسام موزّعة على تسعة عشر فصلاً.
القسم الأوّل بمنزلة الكشف عن واقع مكوّنات التنمية في بلدان المجلس الذي استطاع الاستبداد، مسخّراً الثروة النفطية، ومدعوماً من القوى الخارجية، أن يجعلها لبْناتٍ هشَّة لا يمكن أن يقوم عليها صرح تنموي أو أمني. إذ إنّ النظم السياسية التي تحكم بلدان المجلس «نظم وراثية» تركز السلطة والثروة في يد أسرة واحدة على أساس الوراثة، لا على أساس الجهد والكفاءة. وهذا يعني أنّ هذه البلدان ليست فيها مواطنة موحّدة، يتساوى في ظلها جميع أبناء المجتمع، إنما فيها مواطنة من الدرجة الأولى لأبناء الأسَر الحاكمة، وأخرى من الدرجة الثانية لباقي أبناء المجتمع. ويبيّن الكاتب أن هذا النمط من النظم السياسية، نظام لا صلة له بالشورى الإسلامية التي لها ضوابطها، ولا يمكن اعتباره نظاماً قبيلياً، إذ إنّه يفتقد التوازن والتكافؤ التي يتصف بها النظام القبلي. ويؤكّد أنّ هناك ضرورة لأن تتجاوز هذه البلدان النظام الوراثي، وتبحث عن بديل له يتم التوافق عليه في السنوات المقبلة، حتى يحدث التغيير السلمي المنشود.
أمّا القسم الثاني من الكتاب فيبيّن كيف أدّى ضعف مكوّنات التنمية في بلدان المجلس إلى إضعاف الموقف التفاوضي لهذه البلدان، وعدم تمكّنها من اتباع سياسات نفطية تحفظ ثروات المنطقة من شتى صور الاستغلال التي مارستها، وما زالت تمارسها إلى حدّ أقل شركات النفط العالمية، ومن ورائها حكومات الدول الغربية. إذ يسلّط الضوء على اختلال موازين القوى في الساحة النفطية منذ اكتشاف النفط في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، بين شركات متمرّسة في الصناعة ولديها المعارف والمهارات والتقنية وتدعمها حكومات استعمارية قويّة، وبين حكومات منتجة للنفط تفتقد الحدّ الأدنى من المساءلة والعمل المؤسسة والانفتاح على مجتمعها. ويؤكّد الكاتب أن سياسات تسعير النفط وإنتاجه ظلّت تحكمها كذلك العلاقة غير المتكافئة بين البدان المنتجة والشركات العالمية. وهذا يعود إلى الطبيعة الاستبدادية لحكومات البلدان المنتجة، الأمر الذي جعلها أكثر رضوخاً للضغوط الخارجية، وأقل قدرة على توحيد مواقفها مع بقية أعضاء منظمة «أوبك».
في القسم الثالث، يُظهر الكاتب الإخفاق التنموي لهذه البلدان بسبب غياب الرؤية التنموية الموحّدة لدى كلّ من الحكومات والشعوب، وهو ما نتج منه كثير من الفساد والهدر، ومحدودية النجاح في ما يتعلق يتنويع الهياكل الإنتاجية، وبإعداد المواطن الخليجي المنتج الذي يمكن أن تمثل مهاراته مصدراً للدخل يكون بديلاً للنفط في حال نضوبه. فيؤكّد الكاتب على أنّ هناك أزمة موارد بشرية في هذه البلدان، وأن هذه الأزمة هي أزمة سياسية بالدرجة الأولى، إذ إنَّ الاستعمار استطاع أن يوجد قناعة لدى حكومات المنطقة بأن زيادة وعي أبناء المنطقة وشعورهم بأنهم شركاء في هذه المجتمعات مع الأسر الحاكمة، وسعيهم إلى التواصل مع محيطهم العربي والإسلامي، ليس مرغوباً فيه، لأنه يهدد مصالح الحكومات، وكذلك الدول الاستعمارية. وكما أنّ القسم الثالث يوثق الفشل التنموي لبلدان المجلس، فإن القسم الرابع فيه تأكيد إخفاق هذه البلدان في تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة الخليج، المتمثل بإيجاد التصالح مع الدائرتين الخليجية والعربية، وتقليل الوجود الأجنبي في المنطقة. ويركّز الكاتب على أنّ مفهوم الأمن الذي ساد المنطقة منذ اكتشاف النفط لا صلة له بتحقيق الأمن والاستقرار لغالبية شعوبها، إنما هو مصطلح يقصد به الاحتفاظ بموازين القوى الحالية التي تضمن تدفق النفط إلى الغرب والحفاظ على باقي مصالحه، كأسواق السلاح، وتدفق أموال النفط إلى الأسواق الغربية، والتأكد من عدم قيام نظام إقليمي عربي فاعل، وحماية أمن «إسرائيل»، وكذلك حماية حكومات المنطقة المتحالفة مع الغرب.
أما القسم الخامس والأخير، فهو دعوة إلى تصحيح المسار الحالي لبلدان المجلس، خصوصاً بعد تطوّرات «الربيع العربي»، من خلال العمل على ثلاثة مستويات رئيسيّة، منها الإصلاحات المحلية، وتحقيق الوحدة الخليجية، وتعميق العمل العربي المشترك على كلّ المستويات، لا سيما الاقتصادية والأمنية، وتحقيق التصالح مع المحيط الإسلامي، ومنها الوجود الفاعل في دوائر صنع القرار العالمية. هذا يعني أن تصحيح المسار يتطلب استبدال مثلث الوراثة والنفط والقوى الأجنبية بمثلث آخر جوهره الحرية، والإنسان المنتج، والتكامل مع المحيطين العربي والإسلامي، والتواصل مع باقي مناطق العالم.
بعد مراجعتنا أهمّ المواضيع التي تطرّق إليها الكتاب، نرى أنّه يستحق التأمّل والقراءة أكثر من مرّة، خصوصاً أن الكاتب أحد أبناء مجلس التعاون الخليجي، ما حرّره جزئياً من تهمة الكراهية أو الحقد أو التحامل على دول مجلس التعاون. إضافة إلى أن الحيادية جيدة لدى الكاتب مع ميل قليل نحو نقد حاد لدول مجلس التعاون الخليجي، وإن كنّا نعتقد أنها تستحقه على أيّ حال.
«مركز دراسات الوحدة العربية»