جبور: السفير الفذّ والمقدام والمؤلف والأكاديمي
دمشق ـ نيرمين فرح
بعيداً من مقرّ عمله ونشاطه اليومي المعتاد بآلاف الأميال، ومن أرض الوطن الذي قدّم وما زال يقدّم جلّ جهده في معركة الدفاع عن حقوقه وفضح مرامي أعدائه، تلقى الدكتور بشار الجعفري خبر تكريمه من رابطة عايش تأسيسها منذ التفاصيل الأولى، ليرسل الى ابنته في دمشق كلمة شكر تبدأ بمقتطفات من الكتاب المقدس «في البدء كانت الكلمة» وليقدّم اعتذاراً عن عدم تمكنه من الحضور لمشاركة محبّيه، بسبب ما وصفه «أسره» في منصبه كممثل دائم لسورية في الأمم المتحدة، وصعوبة مغادرة مقرّ البعثة رسالة فيها من اللباقة والمعرفة ما يضيف إلى المناسبة الشيء الكثير، وهو ليس بغريب عن أسلوب الدكتور الجعفري الحاضر دوماً لإضافة ما هو ثمين إلى كلامه ومواقفه.
ولعلّ المصطلح الأعمق لوصف رجل بموقع بشار الجعفري قد يصدر من الذين عايشوه منذ بداية مساره في الديبلوماسية وفي الرابطة السورية للأمم المتحدة، ليكون السفير الفذ والمقدام والمؤلف والأكاديمي، في ندوة أقامتها في الذكرى العاشرة لصدور قرار إشهارها، حيث كرّمت الدكتور الجعفري والدكتور محمد سعيد الحلبي والدكتور سهيل ملاذي.
والقى رئيس الرابطة الدكتور جورج جبور كلمة عرّف فيها بالرابطة كهيئة معنية بشؤون الوطن في كلّ أمر تتصدّى له، وتؤمن بميثاق الأمم المتحدة رغم ما يعتريه من شوائب، وتتخذ موقفاً مستقلاً من قرارات أجهزة الأمم المتحدة، مدركة أنها في العمق إنما هي هيئة سياسية قبل أيّ اعتبار آخر.
وفي سرد لبداية محاولات إشهارها أكد جبور أنّ الاقتناع رسمياً بفائدة الرابطة جاء تدريجياً مبتدئاً بمذكرة خطها قلم ديبلوماسي شاب يمثله الدكتور بشار الجعفري، كان له في أيام لاحقة أن يغدو رمزاً من رموز الوطن والعرب ومن رموز الديبلوماسية الدولية. وتابع جبور: لم يبخل الدكتور الجعفري على الرابطة بالدعم المعنوي كلما سنحت الفرصة، وزارنا مرات وكتب إلينا مرات، لذلك قرّرت الرابطة تكريمه اليوم وشكره على مسيرته الحافلة التي تستمرّ الى يومنا هذا.
أضاف: بشار السفير في المنبر العالمي الإعلامي الأعظم، كلكم عريف به، وقد صل إلى علم استاذ جامعي لبناني تولى النيابة والوزارة، هو الدكتور عصام نعمان، أنني سأتكلم عن الجعفري فتبرّع لي برسالة يصفه فيها بأنه السفير الفذ. وحين أهديت بشاراً كتابي عن الوقائع السورية وصفته بالسفير المقدام. وأثق أنّ كلاً منكم سمع في وصف الجعفري تعابير مماثلة.
وأحبّ ان أحدثكم عن السفير المؤلف، في عشرين عاماً، بين 1983 و2003، صدرت للدكتور بشار كتب أربعة هي: الجماعات المصلحية الضاغطة في الولايات المتحدة الاميركية 83 ، السياسة الخارجية السورية 1946 -1982 86 ، الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد 94 ، أولياء الشرق البعيد 2003 . اما كتابه الخامس، وقد صدر مؤخراً عن دار بيسان في بيروت، وعدد صفحاته 685 من القطع الكبير والحرف الصغير، فعنوانه: سياسة التحالفات السورية: 1918-1982. الكتاب الجديد متابعة لكتابه الثاني عن السياسة الخارجية السورية وهو في الأصل رسالته للدكتوراه. أورد المؤلف عدة أسباب لعودته إلى موضوع طرقه سابقاً. لن أذهب الى تفاصيل أسبابه لكنني ألخصها في سعي مستمرّ إلى درجة أعلى من الكمال في دقة العمل، كما أنها محاولة جادّة لبلوغ استقلالية علمية سورية في الشؤون السورية، استقلالية، فلنلاحظ، يقدّمها سوري مهنته الديبلوماسية لا الأكاديميا. دبلوماسيّ هو، وإلى ذلك أكاديمي بكلّ معيار. الهدف الاول للكتاب تبيان ثقل مقومات المجتمع السوري في صناعة السياسة الخارجية السورية. وفي بلوغ هذا الهدف يتابع السفير المؤلف التطبيق العملي لسياسة التحالفات السورية. ونتابعه فندهش لدقة الجهد المبذول وكثافته. ولا يتركنا الجعفري لندهش بما كتب. يتابع فيعدنا بمباهج مقبلة إذ يبدأ العمل قريباً على كتابين آخرين، نستكمل في الأول منهما تحليل السياسة الخارجية السورية بين العامين 1982 و2000، ونخصّص الثاني لاستعراض تاريخ سورية السياسي خلال الفترة الممتدّة بين العامين 2000 و2014.
وتخللت الحفل كلمات تعريفية عن الشخصيات المكرّمة، ومقتطفات من كتب الدكتور الجعفري، وطرح تساؤل وصف بالبريء عن عدد الديبلوماسيين المؤلفين في سورية، ودور وزارة الخارجية في جهدهم التأليفي، وأضاف: أعقد الأمل على المعهد الديبلوماسي المرتجى لتأتينا انطلاقة نوعية في التفاعل بين الديبلوماسية والبحث العلمي.
وناشد جبور مجلس الشعب السوري المنعقد الآن أن يتبنّى تشريعاً بشأن الحق في المعلومة، خدمة لإعلامنا، والاستقصائي منه بخاصة، مشيراً الى الصعوبات التي يلاقيها طالب المعلومة من الجهات الرسمية.
وعبّرت يارا الجعفري التي مثلت والدها الدكتور بشار الجعفري لـ«البناء» عن فخرها بشخصه وتكريمه على أرض سورية الأمّ التي يقدم لها جلّ جهده، شاكرة الرابطة على اهتمامها وتكريمها. وأكدت الجعفري أنها عادت مع الممثل السوري مصطفى الخاني الى سورية لتستقرّ فيها رغم كلّ الظروف التي تواجهها.
كلمة الجعفري التي نقلتها يارا الجعفري بدأت بتوجيه الشكر والتحية الى شهداء الوطن والتمني بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين وحلول السلام في سورية ككلّ، وتضمّنت تفاصيل عن علاقة الجعفري بالرابطة وأختتم اللقاء بتقديم الرابطة شهادة تقدير للسفير الدكتور بشار الجعفري من الرابطة وكلّ الحضور.
وختاماً فإنّ اسم بشار الجعفري لم يعد مقتصراً على متابعي الشأن السوري، بل طرق بكلماته الفذة آذان العالم ككلّ ليعبّر عن الصورة الحقيقية للشعب السوري.