جعجع: الخير في حزب الله!
روزانا رمّال
لا يذكر اللبنانيون متى كانت المرة الأخيرة التي أكد فيها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، لفريق 14 آذار خاصة ولهم عامة، أنّ مرشح قوى 14 آذار هو رئيس «القوات» سمير جعجع.
لم تتعاط قوى 14 آذار مع اسم جعجع في أي مرة على أنه الاسم الوحيد الذي يمثل الفريق، بل انقسمت في ما بينها بين تأييد لرئيس حزب الكتائب أمين الجميّل تارة أو للوزير بطرس حرب طوراً، من دون الممانعة في طرح أسماء توافقية عبّر سعد الحريري مراراً أنه يرحب بها كمخرج لحلّ الأزمة.
لم يتعاط الحريري يوماً مع ترشيح سمير جعجع في شكل جدي ولم يرسل ولو لمرة واحدة مبعوثين يجولون على الفرقاء اللبنانيين للتسويق لجعجع وبرنامجه الانتخابي المفترض أو لرؤيته للصيغة اللبنانية أو لأسباب منطقية أخرى يرى «المستقبل» انها السبب في اعتباره المرشح الأول لفريق 14 آذار.
لم يحظ المرشح الأول لـ14 آذار سمير جعجع بأدنى حقوقه المعنوية بالتمسك به، كمرشح حلف ونضال ومرحلة خاضها جعجع مع فريقه على أكمل وجه، ولم يحظ بتاتاً بأي مبادرة دولية أو إقليمية أتت بمسعى من تيار المستقبل أقوى الأفرقاء في 14 آذار، بل على العكس أشارت معلومات أوساط مقرّبة من الحريري لـ«البناء» أنّ الأخير بحث غير مرة مرشحي تسوية أبرزهم جان عبيد مع الأفرقاء اللبنانيين وخصوصاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وبعضهم مرشحون طرحوا أصلاً من قبل بري وجنبلاط فخاض الحريري النقاش في حظوظهم وبنى حساباته، كلّ هذا جرى في وقت كان الحريري يطلق تصريحات تؤكد دعم سمير جعجع كمرشح 14 آذار الأساسي. وخلال سؤال الحريري في جلساته الخاصة عن جعجع كان يردّ: «مستحيل أن يقبل فريق 8 آذار وخصوصاً حزب الله بجعجع».
وعليه ينسجم الحريري مع الواقع، فلا يعلي سقف اعتماده على كون جعجع مرشحاً رئاسياً جدياً، ولا يرسل مبعوثين لجسّ النبض في هذا الإطار، والأهم أنّ الحريري ليس بصدد بذل أي جهد للتمسك بجعجع، على الإطلاق، وهو بذلك يؤكد أنّ أي أمل يعتري جعجع قبل غيره بالرئاسة هو ضرب من الخيال لا يقبل به لا جنبلاط ولا الجميل ولا غيرهما أولاً، قبل موقف 8 آذار المحسوم، والأصح يبقى أنه لو أراد الحريري التمسك فعلاً بجعجع لفعل ومن دون بحث الأسباب التي قد تكون خاصة به أو سياسية تتعلق بتكريس جعجع زعيماً مسيحياً ترى قوى 14 آذار أن لا مصلحة من تتويجه على أفرقائها وبينهم من هم أصلاً مختلفون معه تاريخياً وخصوصاً حزب الكتائب.
ولكن، هل يدرك جعجع، بعد مرور كلّ هذا الوقت، أنّ ترشحه لم يكن سوى «صورة» في الظاهر وتعطيلاً في الباطن للاستحقاق الرئاسي ريثما يتم الاتفاق على مرشح تسوية يسعى إليه الحريري داخلياً وإقليمياً بأي شكل لأنّ فيه ما فيه من أفضلية عند الحريري تمنع بروز زعامة مسيحية قادرة على لعب دور مستقبلي إقليمياً ودولياً كحيثية قد تخرج عن وصاية الحريري في أي وقت تراه مناسباً؟ هل يعرف جعجع ذلك، وهل يرتضيه أم أنه يعرف وهو جزء من هذا الدور؟
الأكيد أنّ جعجع يعرف جيداً أن ما يحتاجه للوصول إلى سدة الرئاسة هو تمسك مماثل بأدنى حدّ بتمسك 8 آذار وحزب الله تحديداً بترشح العماد ميشال عون للرئاسة ويعرف أنه يفتقد دعم فريقه أولاً لطموحه الرئاسي.
تهاجم قوى 14 آذار اليوم حزب الله وحلفاءه في 8 آذار بسبب تمسكهم بمرشح وحيد وهو العماد ميشال عون وقد جاء آخر تصريح استفزازي في هذا الإطار بالنسبة إليهم، على لسان نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم الذي قال إنّ أمام الفريق الآخر خيارين: إما انتخاب عون رئيساً للجمهورية أو الفراغ إلى أجل غير مسمّى.
ما لا يعرفه جعجع هو أنّ تمسك حزب الله بعون هو مصلحة حقيقية له وهو الأمر الذي سيتحول بالصيغة اللبنانية إلى الأمل الوحيد بوصول رئيس قطب أو قائد مسيحي إلى قصر بعبدا، وعليه يجب على جعجع استشعار مخاطر إمكانية أن يتخلى حزب الله عن ترشيح عون، وحراكه نحو الرابية ليس سوى أحد أوجه تيقنه من أنّ خوض اللعبة المسيحية لا يمكن أن يكون بمعزل عن القادة المسيحيين، حتى ولو سهلت الوصاية الإقليمية له من السعودية وغيرها الطريق بالسماح بالحوار واللقاء بعون الذي لا يمكن أن يحظى من دون التوافق معه بأي شكل من الأشكال بكرسي الرئاسة يوماً.
أما اليوم، بالنسبة إلى جعجع فإنّ الخير في ما يفعله حزب الله بالتمسك بعون رئيساً.