الأنموذج الإسلامي التركي
حميدي العبدالله
منذ صعود حزب العدالة والتنمية في تركيا ووصوله إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع عام 2002، ولا سيما بعد نجاح سياسته في إنهاء خصومات تركيا التاريخية مع جيرانها، وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي بمعدلات نمو تراوحت بين 6 و 8 في المئة سنوياً، ترسّخ انطباع بأنّ تركيا ترسم أنموذجاً في العالم الإسلامي يكذّب المقولات الغربية التي تؤكد أنّ العالم الإسلامي لا يستطيع أن يطبّق أساليب الحكم الديمقراطية، وتوالت الكتابات والتحليلات والتصريحات التي تتحدّث عن «الأنموذج التركي».
لكن لا يبدو اليوم ثمة من سيظلّ يتحدّث عن هذا الأنموذج، ليس لأنّ نتائج الانتخابات التي جرت في 7 حزيران الجاري، أطاحت به بعد سقوط حزب العدالة والتنمية وفشله في الحصول على الأغلبية المطلقة التي ظلّ عليها منذ عام 2002 وحتى 7 حزيران 2015، وكانت تخوّله تشكيل الحكومة بمفرده، فالسقوط بدأ استناداً إلى ثلاثة تطورات سبقت الانتخابات التركية ونتائجها:
جنوح حزب العدالة والتنمية إلى الزعامة الفردية واستئثار زعيمه رجب طيب أردوغان بكلّ مقاليد السلطة في الحزب والدولة، وإبعاد كلّ منافسيه عن زعامة الحزب، ومن لا يكون ديمقراطياً في حزبه، ولا يسمح بتداول الزعامة داخله لن يكون ديمقراطياً على مستوى المجتمع ويسمح بتداول السلطة. وفعلاً هذا ما حدث فبدأ أردوغان وحكومته شنّ حملة قمع ضدّ معارضيه تجلت بإلقاء القبض على عشرات الصحافيين والقضاة ورجال الشرطة، ولا سيما أولئك الذين ساهموا في كشف فضائح الفساد التي تورّط بها أردوغان، أو أقرباء له، بينهم نجله بلال، ولم يكتف بذلك، بل حوّل الحديث عن حلّ المسألة الكردية إلى مجرد حملة علاقات عامة تخدم سعيه لإحكام قبضته على السلطة من دون تحقيق أي مطلب من مطالب الأكراد، كما أنّ الفساد الذي كان عنوان معارك حزب العدالة والتنمية الانتخابية السابقة التي أوصلته إلى السلطة استشرى على نحو كبير تحت حماية أردوغان شخصياً، وتحوّل مشروع تركيا الديمقراطي، إلى مسعى للدفاع عن جماعة «الإخوان المسلمين» في البلاد العربية والعالم الإسلامي، بدلاً من احترام إرادة غالبية الشعوب التي ترفض برنامج ورؤية هذه الجماعة المغرق بالرجعية.
تحوّلت علاقات تركيا من جديد مع دول الجوار إلى علاقات عدائية، ولا سيما مع سورية والعراق، وتجميد سياسة الانفتاح والمصالحة مع أرمينيا واليونان، ولم تبق لتركيا أيّ علاقات حسنة مع دول الجوار، بما في ذلك علاقتها مع إيران التي شهدت توتراً ملحوظاً على خلفية مواقف أردوغان وحزب العدالة والتنمية في سورية والعراق.
انعكس تدهور علاقات تركيا مع جيرانها تدهوراً اقتصادياً واضحاً، برزت مؤشراته في تراجع معدلات النمو وانخفاض سعر الليرة التركية أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.
انتخابات 7 حزيران ونتائجها هي حصيلة عملية ومنطقية لهذه السياسات، وهي التي ساهمت في تقويض «الأنموذج الإسلامي التركي» الذي راهن عليه الغرب، وراهنت عليه شرائح كثيرة في الوطن العربي والعالم الإسلامي.