الصعود الكردي يكتمل في تركيا
عامر نعيم الياس
منذ حرب الخليج الثانية، أو ما يعرف بحرب تحرير الكويت عام 1991، بدأ الصعود الفعلي للأكراد في المنطقة. صعود ترسّخ أكثر مع فرض مناطق حظر للطيران فوق الجمهورية العراقية، أدّت إلى بلورة شكل من أشكال استقلال الإقليم عن الدولة العراقية المركزية، ما حوّله إلى قاعدة أميركية كان لها دورها ووظيفتها في التدمير النهائي للدولة العراقية مع الاحتلال الأميركي لبغداد عام 2003. وبعده تبلور دور مختلف لما سمّي إقليم كردستان العراق الذي بات محلَّ ترحيب وتقدير دوليَّين، بالتوازي مع ذلك بروز «حزب العدالة والتننمية» في تركيا عام 2002 في ذروة الصدام بين الحكومات التركية المتعاقبة والأكراد في جنوب البلاد وجنوب شرقها، وقام بحملة تغيير في نمط إدارة الملف الكردي نحو مقاربة أكثر إنسانية لهذا الملف، في ضوء طموح الحزب إلى دخول الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، تمّ عرض القضية الكردية بشكل مختلف، وإن لم تصل الأمور إلى خواتيمها المرجوة بعد. لكن فوز «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة وحصوله على نسبة 12.94 في المئة من الأصوات، أي 79 مقعداً في البرلمان التركي، أعادا الأكراد إلى واجهة الأحداث في المنطقة ليس فقط على المستوى الداخلي التركي، إذ من المتوقع أن يضفي هذا الفوز بعداً جديداً للسياسة الكردية في تركيا، إنما أيضاً على مستوى المنطقة في ضوء التطورات التالية:
ـ الفوضى التي تلمّ في المنطقة وتحديداً في حدود ما يسمى دولة كردستان الكبرى التي تتوسط تركيا وإيران والعراق وسورية. هذه الفوضى التي منحت الأكراد قبل غيرهم فرصاً تاريخية لم ولن يفرطوا بها، لجهة عرض مظلوميتهم التاريخية والإنسانية والتبني الغربي لها، بما يعيدنا إلى عقد «الهولوكوست».
ـ الموقف الأوروبي ـ الأميركي والتحوّل في النظرة إلى الأكراد عبر حركة مستمرة منذ تسعينات القرن الماضي لتطويعهم وإخراجهم من عباءة الماركسية «حزب العمال الكردستاني» وزعيمه عبد الله أوجلان المسجون في جزيرة إيمرلي التركية. فإضافة إلى أكراد العراق ومقاربتهم المختلفة المسألة الكردية لجهة التحالفات الإقليمية والدولية، هناك أكراد سورية الذين نجحوا في فرض أنفسهم كطرف حليف لواشنطن وأوروبا، على رغم أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» ووحدات الحماية الكردية محسوبة بطريقة أو بأخرى على «حزب العمال الكردستاني» الذي لا يزال على لوائح الإرهاب الدولي. أما أكراد تركيا وتحديداً مَن دخل البرلمان التركي ونجح بتجاوز حاجز الـ 10 في المئة، فإن قاعدتهم الانتخابية في غالبيتها من الليبراليين الأكراد البراغماتيين في مقاربتهم المشروع القومي الكردي والعلاقة مع الغرب.
ـ المخطط الدولي لتفتيت المنطقة واستنزافها وتغيير حدود «سايكس ـ بيكو»، بمعنى إعادة رسم خريطة المنطقة على أسس مذهبية وبعض قومية تخصّ تحديداً قوميات الأقليات من غير العرب. هنا يبرز الأكراد وحلمهم ودولتهم باعتبارها حجر الأساس في استكمال مشروع شرعنة تأسيس كيانات قومية انفصالية مستقرة في المنطقة، تكون مرتكزاً للنفوذ الغربي في مقابل كيانات طائفية تترك لحروب الانتقام والاستنزاف.
قد يرى البعض في فكرة تأسيس كردستان الكبرى ضرباً من ضروب الخيال فهي تتوسط كلّ من العراق وسورية وإيران وتركيا، كلها كيانات معادية لإقامة دولة تقتطع أجزاءً من أراضيها التاريخية وتفتتها، لكن هذا الاحتمال كان أكثر دقةً عندما كانت الدولة المركزية حاضرة. أما اليوم، فإن الأمور تبقى مفتوحة على كافة الاحتمالات أدناها الحكم الذاتي والإنهاء التام لما يسمى الدولة المركزية في المنطقة، خصوصاً في سورية والعراق.
كاتب ومترجم سوري