السلطة بوصلة جنبلاط لا غير

حسين حمود

ليست لحظة غفلة التي يعيشها النائب وليد جنبلاط هذه الأيام. وهو لم يكن كذلك في كلّ مراحله السسياسية والعسكرية التي مرّ بها منذ تسلّمه قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي بعد اغتيال والده النائب كمال جنبلاط حتى صباح هذا اليوم.

فسيّد المختارة والآن كليمنصو ينظر دائماً إلى البحر الذي يطرأ على المنطقة ولا سيما لبنان، إنْ كان صاعداً من باطن الأرض أو من السماء، أو آتياً مع الرياح المستجدّة، شرقاً او غرباً، ليحجز مركباً آمناً له على لججه.

ينتابه دائماً قلق وجودي، ليس للطائفة أو الحزب، بل للعائلة، ومركزها في السلطة ومغانمها. لذا عليه السباحة مع التيار مهما كان، قريباً أو بعيداً من المبادئ التقدمية والإشتراكية. ومن أبرز إبداعاته التقدمية مثلاً تحالفه مع أنظمة الصحاري التي أعادت المنطقة إلى أعراف القبائل وأسكنت أهلها في الخيم ليحكموا بعضهم بسنن البداوة أو ما يُعرف بعصور الجاهلية، وكأن الإسلام لم يمرّ من هنا أبداً ولا أتى بحضارة أو قيم أخرجت الناس من الظلمات إلى النور.

وفي السابق كان جنبلاط في صلب حكومات ما بعد الطائف ومهما كان لون الحكومة أو رئيسها او حتى رئيس الجمهورية، ودائماً كان موالياً لا معارضاً يسارياً.

لذا فإنّ تعاطي جنبلاط مع أنظمة الصحراء في هذه المرحلة، لا يبدو غريباً أو مفاجئاً وابن لحظة غفلة أو غشاوة، فهو يرى بوضوح أنّ هذا التحالف بين التقدمية والاشتراكية مع الرجعية و الأنظمة الاقطاعية – الرأسمالية، تؤمّن له الشراكة في الحكومة والسلطة في لبنان.

وطبيعي أيضاً أن يكون جنبلاط مع متفرّعات هذه الأنظمة، من التنظيمات الإرهابية كـ»جبهة النصرة» التي نزع عنها رئيس «التقدمي» صفة الإرهاب، وبات أحد المدافعين عنها وعن اعمالها محوّلاً إياها إلى ضحية، كما فعل إثر ارتكابها مجزرة بلدة قلب لوزة في جبل السمّاق بإدلب، معتبراً أنها المجزرة مجرّد حادث فردي حصل نتيجة خطأ الشهداء لأنهم اعترضوا مهمة لمسلحي «النصرة» كانوا يقومون بها. حتى أنّ المجلس المذهبي الدرزي لم يصدر بياناً رسمياً بإدانة المجزرة أو «الحادث الفردي» الذي أسال دماء وجثثاً على الأرض.

ليس غريباً أن يكون هذا هو موقف قائد الحركة الوطنية السابق، فالقتلى لا يفيدونه في مستقبل سورية والمنطقة، بحسب اعتقاده، فـبحر التكفيريين هو السائد وعليه السباحة معه. أو دعوا «الجيوش تمرّ».

إلا أنّ حسابات جنبلاط، قد تخطئ هذه المرة أيضاً، كما حصل في السابق في أكثر من محطة ومنعطف، لكن هذا الأمر لا يهمّ عند جنبلاط، طالما أنه يملك القدرة على الدوران والاعتذار والعودة إلى الحكم. إلا إذا كان قراره جدياً بالتخلي عن العمل السياسي، وتسليم مقاليد دفة الحزب، إلى نجله تيمور الصامت حتى الآن بالرغم من مباشرته النشاط السياسي والشعبي من خلال استقبالاته للوفود السياسية والمناطقية بدلاً من والده.

جنبلاط يتقن جيداً سياسة أمراء الجبل ونهاياتها لم تكن في الغالب سعيدة، كما هي حال سياساته التي مارسها تماماً، لكن مع فارق هو أنّ الأمراء لم يفسح لهم المجال لتقديم الاعتذارات عما كان يعتقد سلاطين العثمانيين أنهم اقترفوه من مساوئ بحقهم، أما جنبلاط فمحظوظ… وبوصلته دائماً السلطة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى