عربٌ في هذا الزمان

ثائر الحكيم

كم سيكون حُكم التاريخ قاسياً على عرب هذا الزمان حين يُكتب تاريخ هذه الحقبة العجفاء غداً، حين يقال إنهم لم يعجزوا فقط عن إحراز أسباب النهضة والتقدم، أسوة بغيرهم من الأمم، ولا عن بناء وحدتهم القومية وافتكاك فلسطين من الأسر الصهيوني الذي امتدّ لعقود، وإنما هم عجزوا أيضاً، وأساساً، عن حماية الشعب اليمني الشقيق الذي يُذبح بطائرات «مملكة الرمال» على مرأى ومسمع من العالم أجمع، كما كان شعب غزّة يُذبّح بطائرات العدو الصهيوني.

إنهم لا يشبهون أجدادهم – الأقربين قبل الأبعدين- الذين صنعت نخبهم فصولاً من النهضة الفكرية والأدبية، في القرن التاسع عشر، وفصولاً من الكفاح الوطني والقومي ضدّ الاستعمار الأجنبي الغربي – وقبله ضدّ الاحتلال العثماني – كأنهم لم يُولدوا من أصلاب السابقين، كأنهم لا يحملون ذاكرة تاريخية مكتنزة بالقيم الحضارية، كأنهم استمرأوا الكسل والاتكالية والسلبية، وارتضوا الخنوع والاستسلام وتجرّدوا من الهمم والنخوة.

فشل عرب هذا الزمان أن يحفظوا ميراث أجدادهم من التبديد والتبدّد، وما أبعدهم عن تاريخهم. نجد المنصف منهم، فضلاً عن المكابر، يرضى أن يخفي رأسه في الرمل ظناً أنه يخفي الحقيقة، والحرّي به أن يدعو أهله – عرب هذا الزمان – إلى محاسبة النفس على ما أتت من أخطاء، وما سلكت من مسالك مسدودة، قبل أن يحاسبها التاريخ: ذو الحساب العسير.

فليسأل كلّ عاقل، من المسؤول عن أحوالنا التي نعانيها اليوم: من ذلة أمام الاحتلال الصهيوني والهيمنة الرجعية، ومن تبعية صارخة تشدّ اقتصاداتنا إلى بلدان الميتروبول الرأسمالي، ومن تفاوت طبقي صارخ بين أهل الغنى الفاحش – وهم قلة – وبين أهل الفقر والحرمان المدقع – وهم الكثرة – ومن انهيار مخيف للأمن القومي المستباح، ومن حروب أهلية طائفية ومذهبية، ومن عنف اجتماعي وسياسي يمزق النسيج الوطني والروابط المجتمعية، ومن نزعات تكفير تدق الأسافين بين شركاء الوطن والدين…

أليس هؤلاء المترفون من أمراء دول النفط وأذيالهم في العالم مسؤولين عما وصلنا إليه مما يطول ذكره وعرضه؟ أيّ مما جعل البلاد العربية تتذيّل في قوائم الأمم المتحدة في مجالات التنمية والبحث العلمي والحريات وتوزيع الثروة…؟

ولأننا نوزّع المسؤوليات لا بدّ وأن نُنصف الحقيقة بأنّ الشعوب العربية مسؤولة بالتالي – عن تصحيح هذه الوضعية الشاذة، وإيقاف نزيفها قبل السقوط النهائي المدوّي، كلّ من موقعه وبحسب إمكاناته وما لديه من تكليف سياسي أو اجتماعي. وليس يمكن ذلك إلا بإعادة النظر في مجمل المرحلة السابقة، ومواطن الخطأ والخلل فيها، سواء في سياسات الدول في التنمية وتوزيع الثروة، وتوفير الأمن والغذاء، ومواجهة الخطر الصهيوني، ومقاومة مفاعيل التجزئة، وتحقيق الحريات، ومحاربة الفساد، ومساءلة مرتكبيه، ومواجهة العنف الداخلي والانقسامات الأهلية… أو في سياسات الأحزاب واستراتيجيات المشاركة في السلطة، وركوبها العصبيات، أو التكفير، أو الرأي المطلق، أو المنزع الاحتكاري الشمولي، أو توسل الشعبوية السهلة… أو في سياسات المعارضات واستسهال بعضها محالفة الأجنبي لإسقاط أنظمتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى