السويداء سورية وسورية السويداء

جمال العفلق

هي مدينة سورية تقع في أقصى الجنوب السوري، تعيش في هدوء حذر منذ بداية الحرب على سورية، اختار أهلها والعقلاء فيها الابتعاد من التحريض الطائفي على رغم كل المحاولات التي طاولتهم باللفظ في بداية الحرب، وعلى رغم عمليات الخطف التي تعرض لها أبناء السويداء والتهديدات المباشرة، إلا أنهم آثروا الصمت على الرد وهذا ليس لضعف فيهم ولا لأنهم غير قادرين، إنما أرادوا أن تبقى مدينتهم حاضنة لكل الشعب السوري وفيها ضيوف من كل الوطن السوري، اختاروا أن يعيشوا فيها وبين أهلها ومنهم مواطنون من مدينة درعا التي تحتضن اليوم جبهة النصرة والجماعات التكفيرية.

اختارها الإعلام المعادي لسورية اليوم هدفاً جديداً واختارتها الجماعات الارهابية لتكون هدفهم التالي بعد سقوط قيادة اللواء 52 منذ أيام بعملية هجوم أدارتها غرفة عمليات «موك» في الأردن وبإشراف «إسرائيلي» وسلاح أميركي نوعي وقطعان كبيرة من المرتزقة الذين دربوا في عمان وغيرها.

واشترك في هذه الحرب الإعلامية، إعلام العدو الصهيوني الذي بدأ ببث ما قال عنه قلق سياسيين على «الأقلية الدرزية»، وهو ما تناولته القنوات الأخرى والسياسيين، وأصبحت تنسج عليه ما تنسج. والسويداء وإن كان أهلها من أتباع المذهب التوحيدي، فهذا لا يعني أنهم ليسوا سوريين وليسوا مواطنين وهم أصحاب شعار الدين لله والوطن للجميع الذي أطلقه القائد العام للثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي عام 1925، فهذا نهجهم وهذه عقيدتهم الوطنية، ولدى أهل السويداء تنوع سياسي فيهم القومي وفيهم الأممي وفيهم المستقل، ولكنهم بغالبيتهم الساحقة وطنيين يرفضون ما يسمى «إسرائيل» ولا يثقون بالأردن كدولة مجاورة شاركت بالحرب على سورية.

إذاً، لماذا اليوم وبعد هذه السنوات تعود السويداء إلى الواجهة من جديد؟

أثبتت الحرب على سورية أن مشروع التقسيم المزعوم والذي صنعته أميركا وتنفذه على الأرض السورية من خلال دعمها اللا محدود للجماعات الإرهابية، أن عملية فصل الأقليات عن الوطن الأم سورية هي التي سوف يمرر مشروعها وأن هذه الأقليات يجب تطمينها بشكل أو بآخر لتصبح تابعة كل أقلية لدولة أو كيان، وبهذا تحقق إضعاف الدولة السورية وتمزق أوصالها. وخلال السنوات الأربع من الحرب على سورية فشلت الجماعات الإرهابية في الوصول إلى دمشق والطريق الذي يمكن أن يضمن وصول قطعان المرتزقة إلى دمشق لا يمكن أن يكون من تركيا عبر حلب ومدن الشمال، فالمسافة بعيدة وسوف تفقد هذه الجموع زخمها بسبب طول المسافة. والنقطة الأقرب إذن كانت عبر لبنان وسلسلة جبال القلمون. ولكن هذا الطريق قطع الآن بسبب معارك المقاومة والجيش السوري وفرار تلك الجماعات من ضربات المقاومة وهروبها إما باتجاه تركيا أو القنيطرة أو عرسال في لبنان. ولم يعد من الممكن إعادة تجميعها من جديد لتنظيمها في غزوة دمشق التي طالما سوقوا لها بإعلامهم.

اليوم بقيت بوابة الجنوب ومدينة درعا بمساحتها الكبيرة ليست فعلياً تخضع لهذه الجماعات، فأهل مدينة درعا فيهم جزء مغلوب على أمره وفيهم جزء يرفض أن يكون تحت جناح النصرة وغيرها، وهذا ما يربك الهجوم المزعوم على دمشق – لذا يجب أخذ المدينة المجاورة لدرعا وهي السويداء وبهذا يتم تشكيل قوس إرهابي يمتد من درعا غرباً باتجاه البادية السورية شرقاً مروراً بمدينة السويداء لتتمكن تلك القطعان في ما بعد من الوصول إلى ريف دمشق ومن ثم دمشق، فهي بهذا تبعد من مركز الدعم في الأردن مسافة لا تتجاوز مئتي كيلو متر فقط لا غير.

وبهذا تكتمل إحدى حلقات التقسيم المزعوم والذي تتبناه اليوم أوساط ما يسمى «إسرائيل» بأنها تريد حمايتهم وهم لم يطلبوا ولن يطلبوا، فأهل السويداء يفهمون اللعبة الصهيونية ويدركون كيف لعدو مبين مثل الصهيونية تدعم جبهة النصرة وتعالج الجرحى وتمدهم بالسلاح أن تكون رحيمة معهم؟ وكيف يأخذون الأمان من جماعة إرهابية مثل النصرة وهي التي أعطت الأمان لأخوتهم في إدلب ومنذ يومين قامت بقتل عشرين شاباً «ما أسماه وليد جنبلاط حادث فردي». في حادث فردي قتل عشرون إنساناً ماذا لو كان جماعياً؟

إن ابناء السويداء مؤمنين تماماً بوحدة الأراضي السورية وبأن مصير السوريين من الرقة إلى فلسطين المحتلة هو مصير واحد ولا يمكن فصلهم عن الوطن الأم، وهم الذين دفعوا بأبنائهم من أجل وحدة سورية وخلقوا على رغم الحصار الحياة.

وما تسوق له كل وسائل الإعلام وهذه الهجمة الشرسة على سورية عموماً وعلى السويداء خصوصاً، هو من ألعاب الحرب النفسية التي بدا فشلها واضحاً، وخصوصاً بعد معركة حماية مطار الثعلة غرب السويداء واختفاء الأصوات التي تدعوا للتخلي عن الجيش وارتفاع صوت البنادق المقاومة للهجوم.

ستبقى السويداء سورية وسورية السويداء، وأي اختلاف لن يكون إلا سياسياً وفي إطار الحوار الوطني وهذا ما شدد عليه الأمير طلال إرسلان في مؤتمره الأخير وبيانه الوطني الذي عبر فيه عن كل الموحدين في سورية ولبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى