مجزرة درزية بنيران «النصرة» الصديقة!
د.نسيب حطيط
كتب النائب وليد جنبلاط في 30/3/2015 عبر «تويتر»: «التحية للثوار السوريين الذين حرّروا بصرى الشام من النظام الفاشي وعملائه والتحية للثوار الذين حرّروا إدلب». فردّت «جبهة النصرة» التحية له وارتكبت مجزرة دموية في حقّ دروز إدلب، والتي يمكن أن تستكمل بتطهير إدلب من «المشركين الدروز» وفق توصيف النصرة وتهجيرهم إلى لبنان أو تركيا، وصدق النائب جنبلاط عندما قال بضرورة عدم المبالغة في وصفها بالمجزرة، فـ«المئات يقتلون في سورية وهي حادث فردي سأعالجه باتصالاتي السياسية».
لكنّ المشكلة لا تكمن في مقارنتها بالمجازر التي ترتكبها «الثورة التكفيرية» في سورية، فالقتل جريمة ولو اقتصرت على إنسان واحد فمن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ، بل بخصوصياتها والعِبَر التي تنشرها عن منهجية وسلوكيات التكفيريين وتدحض ادّعاءات حلفائهم وأنصارهم وخصوصاً في لبنان، حيث أكدت المجزرة على الأمور التالية:
كذّبت «النصرة» كلّ الادّعاءات القائلة إنّ سياسة النأي بالنفس هي سبيل النجاة والأمان لمن يرفعون شعارها، والدليل أنّ الدروز في سورية لم يقاتلوا «الثورة التكفيرية» بل وقفوا على الحياد، وانغمس الناطق السياسي باسمهم وهو النائب جنبلاط بالانحياز كلياً لـ«الثوار» ووصفهم بالأحرار واستضاف المنشقين وهاجم النظام وسخر كلّ إمكانياته لدعمهم ومواجهة النظام بقساوة وتهوّر، ومع ذلك لم يشفع لطائفته ويحميها من سكاكين «النصرة».
أكدت مجزرة إدلب أنّ الصراع مع التكفيريين ليس صراعاً سياسياً فقط، بل جوهره عقائدي يعتمد على تكفير الجميع ممّن يعارضون فكره، وأنّ إشهار الإسلام من جديد الذي طالبت به «النصرة» ووافقها النائب جنبلاط في ذلك ودعا الدروز إلى العودة إلى الصلوات الخمس وبناء المساجد ورفع المآذن وإرسال الطلبة إلى العلوم الدينية، وقد أطاعه دروز إدلب طمعاً بالنجاة وتقبّلوا هدم خلواتهم وقبور أوليائهم والصلاة بإشراف «النصرة» والحياد بل ودعم «النصرة» ضدّ الدولة السورية… ومع ذلك ذبحتهم «النصرة» واعتقلت أطفالهم في المعسكرات وطلبت تزويج بناتهم للمهاجرين الغرباء لإثبات إسلامهم وتأمين الحياة السعيدة لـ«المجاهدين».
أكدت مجزرة الدروز في إدلب أنّ سكين «النصرة» و«داعش» سيطال جميع الطوائف والمذاهب والعلمانيين وأهل السنة المخالفين بالتدرّج الواحد تلو الآخر، وأن لا ضمانة لأحد بالبقاء آمناً، فالعلويون ابتداء ثم الشيعة وبعدهم المسيحيون والأيزيديون وما بينهما من السنة والعشائر من البونمر والشعيطات والبوفهد وغيرهم.
أكدت المجزرة أن لا ضمانات ولا تعهّدات دولية أو إقليمية من تركيا أو قطر أو الأردن، ما عدا العدو «الإسرائيلي» الذي يعالج جرحى «النصرة» ويقدّم لها الدعم المتعدّد الأشكال، ما أطاح بأوهام بعض اللبنانيين الذين يعالجون الأحداث المستجدة بذات العقلية والوسائل التي يديرون بها الحراك السياسي في لبنان مع الفارق الكبير بينهما، ما أوقعهم في الخيبة والفشل والخسائر.
لقد فضحت هذه المجزرة الكثيرين في لبنان الذين صمتوا على مجازر «النصرة» و«داعش» ضدّ العلويين واختطاف نسائهم وأطفالهم، وكذلك ما تعرّض له الشيعة في كلّ سورية، وها هم أنفسهم يذبحون الدروز في إدلب، وكأنّ القاتل ثائر في قرية وإرهابي في أخرى وفق مذهب الضحية! فأين كانت ألسنة المستنكرين عندما احتلّ التكفيريون صيدنايا ومعلولا المسيحية، وعند خطف الرهبان والراهبات وعشيرة الشعيطات ونحن نرى قوافل المعزين واتصالاتهم مع أنّ صاحب العلاقة يصف المجزرة بالحادث الفردي!
الأسوأ والمقزز أنّ الذين استنكروا لم يكن استنكارهم ضدّ القتل بقدر ما هو عتاب لـ«النصرة» وخيبتهم من الرهان عليها وهم الذين يمدحونها ويمجّدون انتصاراتها كلّ يوم نكاية بالنظام السوري الذي صنعهم في لبنان وقاتل معهم وعنهم في الجبل وبيروت وغيرهما، وحماهم في السياسة وقوانين الانتخاب وجعلهم رموزاً وزعماء وقادة وهم يطعنونه كلّ يوم… وكأنه نظام آخر تغيّر وتبدّل!
ويبقى السؤال: هل يهجّر دروز إدلب إلى لبنان للبدء بتأسيس «الإمارة الدرزية» التي تشمل دروز لبنان وسورية وفلسطين ضمن مشروع تقسيم المنطقة الذي تطرحه أميركا والعدو «الإسرائيلي» بالتزامن مع تهجير المسيحيين من لبنان وفق مرحلته الأولى المرتكزة على التهجير السياسي من الحكم والإدارة بعد مرور أكثر من عام على الفراغ الرئاسي نزولاً إلى بعض الوظائف الأساسية في الدولة؟
هذا ما تريده أميركا وحلفاؤها، لكنّ تضحيات وصمود حلف المقاومة ستتكفل بإجهاض المشروع الأميركي، وستتبخر أحلام الواهمين والطامحين، وسيبقى دروز سورية عرباً وطنيين كما كانوا وسيقاتلون مع الجيش السوري والمقاومة لحفظ وحدة سورية وشعبها حتى هزيمة التكفيريين.
سياسي لبناني