… إلى الجبل دُر
د. نسيب أبو ضرغم
لا تجوز مقاربة المذبحة التي وقعت بحق الموحدين في إدلب، خارج السياق العام للمخططات القديمة الحديثة للصهيونية، لجهة تقسيم سورية الطبيعية، المخططات التي أعادت كونداليزا رايس إظهارها إبان حرب تموز 2006 بصيغة «الشرق الأوسط الجديد».
لم يبدأ «الربيع العربي» إلا ليصل إلى محطته الشامية، وهي المحطة الأساس والمفصلية في المشروع اليهودي لسورية الطبيعية.
وفي هذا الإطار، لم يعد القول جديداً في أنّ صورة «الشرق الأوسط الجديد» هي صورة فسيفسائية مذهبية واتنية دامية. وهذه الصورة مولودة في عقل اليهودي منذ ما قبل نجاحه في اغتصاب فلسطين.
إنّ أول محاولة جدية لإظهار بعض الصورة الفسيفسائية، كانت عقب حرب 1967 النكبة الثانية ، حينما أخذت «إسرائيل» تتصل بعدد من الشخصيات الدرزسة لتعرض عليها مشروع الدولة. وكان دور الرفيق اللواء نور الدين كنج أساسياً في إفشال تحرير هذا المشروع لدى دروز الجولان، إضافة الى رفضه من قبل القيادات الدرزية في حينه.
وطوي آنذاك مشروع الدولة الدرزية، ولكن «إسرائيل» وإنْ توقف تنفيذ مشاريعها فهي لا تنهيها، ذلك أنّ تلك المشاريع تشكل مصلحة استراتيجية للمشروع الصهيوني، وبالتالي فإنّ أمر إنهائها يعني إنهاء للاستراتيجية الصهيونية، وهذا طبعاً مستحيل.
إنّ المذبحة التي وقعت بحق دروز إدلب، كانت ذات رسائل تعدّت حدود الشهداء والمحيط في إدلب، كانت رسائلها موجهة إلى جبل العرب، الذي شكل بموقفه المبدئي والثابت بالوقوف إلى جانب الدولة والجيش السوري، خللاً جيو – سياسياً وجيو – استرتيجياً في مشروع التقسيم بشكل عام، ومشروع إقامة الدولة الدرزية بشكل خاص.
فالجبل بموقعه الجغرافي يتوسط المسافة بين الجولان المحتلّ والزرقاء في الأردن حيث يقيم ما يقارب الخمسين ألفاً من الدروز، والذي يشكل جزءاً من الدولة الدرزية المخطط لها صهيونياً.
إذن، لا بدّ من إسقاط جبل العرب في المشروع المناهض للدولة في سورية، أي بالانضمام إلى ما يُسمّى «بالثورة السورية»، وبالتالي تصبح المنطقة الممتدّة من الجولان إلى الزرقاء في الأردن متواصلة وخاضعة لـ»إسرائيل».
إنّ موقف جبل العرب الثابت، عطل قيام هذه الخطة، وبالتالي كان لا بدّ من توجيه رسالة دموية إلى جبل العرب عبر دروز إدلب، والرسالة تقول:
أمامكم حلان: سكين التكفيريين أو الدولة الدرزية.
ومن هنا نستطيع أن نفسّر التلازم بين المذبحة في إدلب والهجوم على مطار الثعلة وتهديدات «داعش» من الشرق.
و»إسرائيل» عادة لا تنفذ أجندتها بالاستفتاء الشعبي الحرّ، بل بفرض الأمر الواقع بقوة السلاح، والسلاح متوفر، وهو التكفيريون.
من خلال هذه القراءة، أصل إلى محصلة تقول:
إنّ المشروع اليهودي المشار إليه لن يتوقف، سوف يظهر هنا وهناك وبأشكال ومسمّيات مختلفة، ولكنه يبقى على مضمونه الواحد الذي لا يتغيّر.
ومن الضرورة بمكان الربط بين ما يجري في محيط جبل العرب وما تقوم به «إسرائيل» من شقّ طرقات في منطقة شبعا.
وفي هذا السياق، هناك جغرافيتان أساسيتان لقيام الدولة الدرزية، هما جبل العرب والبقاع الغربي. البقاع الغربي الذي استماتت «إسرائيل» عام 1982 لاحتلاله، ولم تستطع بفعل صمود الجيش السوري وبخاصة في معركة السلطان يعقوب. لماذا؟ لأنّ هذه الجغرافية تتحكم بمداخل دمشق، وهي الآن تصل ما بين الجولان والشوف. وهي إضافة إلى ذلك، تقطع تواصل البقاع مع الجنوب، وتصبح قادرة على قطع تواصل الجنوب مع بيروت. من هنا، تبدو أبعاد ما جرى في إدلب، وما سيجري في المستقبل.
إنّ معركة صمود جبل العرب، تساوي معركة صمود دمشق، معركة وحدة سورية. جبل العرب بوصلة بقاء الدولة والشعب والأرض موحدين، فإلى الجبل دُر، كلّ القوى يجب أن تحمي هذه الحلقة الأساسية، وتبقيها قلعة تسقط عند حجارتها السوداء المخططات السوداء.
جبل العرب الذي ستشتدّ عليه وطأة التكفيريّين بإيعاز يهودي، والذي في الوقت ذاته سيسمع عروضاً بحمايته على لسان دروز «إسرائيل»، وصولاً إلى إرضاخ الجبل للمعادلة التي أشرنا إليها – سكين «داعش» و»النصرة» أو الدولة.
إنّ المعركة الأساسية في بقاء سورية موحدة، هي معركة جبل العرب، فَلْتُعُدّ العدّة الكاملة لها، ولا يستسلهنّ أحد تهديدات «النصرة» و»داعش» وسواهما، لأنها في الأساس تهديدات «إسرائيلية» تصبّ في خانة المشروع التقسيمي الذي ترعاه «إسرائيل».
كيف يمكن أن نفسّر هذا التنسيق والتزامن بالهجوم على الجبل من الجنوب والشرق، عبر الخصمين، «النصرة» و»داعش»؟
وما الذي وحّدهما غير المعلّم الواحد؟
إذا أردنا وحدة الأرض والشعب والدولة في سورية، علينا تحصين الجبل، وإذا أردنا بقاء لبنان موحّداً، علينا تحصين الجبل.
المنطق الاستطرادي يوصل إلى القول بأنّ ضغطاً عسكرياً سيستمرّ على الجبل، وأنّ تمدّداً «داعشياً» و»نصراوياً» سيتمّ من تلال شبعا باتجاه الغرب، خصوصاً بعد أن اقتربت ساعة حسم منطقة الزبداني وبقية الجرود في الجانب الشرقي من السلسلة الشرقية.
المعركة اليهودية مركبة الأهداف:
– ضرب المقاومة وتقطيع أوصال خطوطها شمال – جنوب بيروت جنوب .
– التأسيس لقيام كيان درزي بالقوة والفرض.
– تمزيق النسيج الاجتماعي لمجتمعنا القومي.
– تعميم نموذج التقسيم والتقاسم على كامل سورية الطبيعية
وكلّ ذلك يسقط، إذا صمد جبل العرب، وهو صامد صامد.