تقرير
كتب جدعون ليفي في صحيفة «هاآرتس» العبرية:
هذا وصف لشاهد عيان. مراسل «غارديان» في «إسرائيل»، بيتر بومونت، الذي جلس في ذلك اليوم بعد الظهر على شرفة فندق الصحافيين ـ «الديرة» ـ في غزة، وشاهد ما يحدث: «بعدما بدأ الدخان يتلاشى، أصبح في الإمكان مشاهدة أربعة أجسام صغيرة تركض وأقدامها تتعثّر على طول الجدار. على بعد 200 متر، ومن خلف الدخان، كان واضحاً أنهم أطفال. وقد لوّحوا بأيديهم وصرخوا باتجاه الصحافيين الذين شاهدوهم. ومرّوا من أمام الخيام الملوّنة على الشاطئ، التي يستظلّ تحتها المستجمّون أيام الهدوء. عندئذٍ سقطت القذيفة الثانية، ومَن أطلقها صوّب النار على ما يبدو باتجاه من بقي على قيد الحياة. الصحافيون وقفوا على الجدار وصرخوا: هم مجرد أولاد. لقد حاولوا الهرب وتجاوز المسافة الصغيرة بين الشاطئ والمكان الآمن في الفندق. وخلال 40 ثانية، أصبح الأولاد الذين كانوا يلعبون الغميضة بين قوارب الصيادين… أمواتاً».
لقد كانوا أولاداً بين 9 و11 سنة. اسماعيل وعاهد، زكريا ومحمد، جميعهم من عائلة بكر. وأضيف إليهم ثلاثة آخرون أصيبوا إصابة بالغة، واثنان منهم كانا أولاداً. كانت أعمار الأولاد أقلّ من أعمار الفتيان اليهود الثلاثة، طلاب المعهد الديني، الذين قتلوا في الضفة، والذين بسببهم خرجت «إسرائيل» إلى الحرب ضدّ غزة. كانوا أربعة صيادين صغار يلبسون السراويل القصيرة، وظهروا أصغر من عمرهم. في الجنازة، لم تستطع والدة زكريا تقبيل وجه ابنها: لأنه كان مشوّهاً.
المتحدث الأخلاقي بِاسم الجيش أبدى أسفه، واتّهم «حماس» بقتل الأولاد بوساطة «استخدامهم». فـ«حماس» هي التي أرسلتهم ليلعبوا على الشاطئ، والطيار الذي ضغط على القابس ـ يبدو أن الإطلاق كان من الجوّ ـ غير مسؤول عن هذا الأمر.
مرت خمسة أشهر، وأمر النائب العسكري العام بفتح تحقيق جنائي. جيش القانون أو لا جيش القانون. «ثمّة اشتباه معقول بأنّ الإطلاق لم يتم بحسب الشروط المتّبعة في الجيش». ما هي الشروط؟ من الصعب معرفة ذلك الآن. ما هو واضح أنها تشمل قتل الأولاد. مرّ نصف سنة آخر وتبيّن أن قتل الأولاد تمّ بحسب الشروط والتوجيهات لدى الجيش لدرجة لا تستوجب محاكمة أحد. ولو محاكمة انضباطية، لا بل ثمّة إهمال. كل شيء كان بحسب الأصول. هكذا يجب أن يتصرّف الجيش الإسرائيلي في المستقبل أيضاً. بكلمات أخرى: كلّ التحية للجيش الإسرائيلي، كل التحية لقاتلي هؤلاء الأولاد. فقد تصرّفوا كما هو مطلوب منهم تماماً. هم فخر الشعب».
كان يفترض أن يطلب الجيش إجراء تحقيق بالذات في هذه الحالة التي كان لها صدى دولي، وتسبّبت بضرر كبير لـ«إسرائيل». وكان يفترض أن تثبت «إسرائيل» من خلال ذلك أن لا حاجة إلى لاهاي وغولدستون أو أي محكمة أخرى. لكن يتضح أن الجيش هو الجيش: هذا التحقيق يؤدّي إلى حيث تؤدّي كل التحقيقات في جرائم الحرب ـ إلى سلة القمامة والتبرئة المسبقة وعدم محاكمة قاتلي الأولاد.
الجيش لا يستطيع ولا يريد التحقيق مع ذاته، ولا صلة له بالحفاظ على القانون، باستثناء حالات أكل «سندويش غير حلال» في القاعدة العسكرية أو ظهور جندي بالزيّ العسكري في برنامج تلفزيوني. «إسرائيل» التي تُعرَف، بأدواتها المتطوّرة، لون الملابس الداخلية لمن تقتلهم، تزعم أن الجيش «الإسرائيلي» لم يميّز أنهم أولاد.
احتفلت «إسرائيل» في الاسبوع الماضي بإنجاز دعائيّ: من خلال الضغط، تراجع مرة أخرى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، وتنازل عن إدراجها في القائمة السوداء للدول التي تمسّ بالأولاد بطريقة منهجية ومتواصلة. «إسرائيل» تمسّ بالأولاد؟ ماذا دهاكم. هذا لا يشمل الأولاد الـ500 الذين قتلتهم «إسرائيل» في «الجرف الصامد»، وبالطبع لا يشمل دم كل من زكريا واسماعيل، محمد وعاهد الذين قتلوا بحسب الشروط، ودمهم يصرخ الآن من رمال غزة.