مفاوضات جنيف اليمنية: طبخة بحص
حميدي العبدالله
يراهن الكثيرون على احتمال أن يسفر مؤتمر جنيف عن واحد من أمرين، الأمر الأول: اتفاق بين الأطراف المتصارعة يقود إلى إنهاء الحرب الدائرة الآن في اليمن، وإذا تعذّر تحقيق هذا الاتفاق الشامل التوصل إلى وقف لإطلاق النار يواكب جولات جديدة من المفاوضات والحوار سواء في جنيف أو عواصم أخرى.
لكن من الواضح أنّ تطورات الميدان ومستوى التباعد في رؤية الأطراف المتصارعة، يجعل كلا الهدفين غير قابلين للتنفيذ.
أولاً، الاتفاق السياسي الذي يقود إلى وقف الحرب متعذّر في ظلّ إصرار كلّ من السعودية والفريق اليمني المؤيّد لها على قبول حركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي اليمني والأحزاب المؤيّدة لهما بشروط وضعها الفريق المؤيّد للسعودية، ومن بين هذه الشروط عودة عبد ربه منصور هادي رئيساً لليمن، وقبول مقرّرات مؤتمر الرياض، وانسحاب الجيش اليمني وحركة أنصار الله من المدن.
وبديهي أنّ هذه الشروط من وجهة نظر حركة أنصار الله وحلفائها شروط تعجيزية، فهي وبعد كلّ ما تعرّض له اليمن من خراب ودمار في حرب تقترب من إكمال شهرها الثالث، إذا قبلت بذلك فهذا يعني إلحاق الهزيمة بنفسها أمام أنصارها ومؤيّديها، فضلاً عن التخلي عن المصالح التي دفعتها في الأساس للقيام بما قامت به، وبهذا المعنى فإنّ جَسر الهوة بين الطرفين والوصول إلى أرضية سياسية مشتركة قائمة على التنازلات يحتاج إلى جلسات وجلسات قد تستمرّ أشهراً وحتى سنين طويلة، فهل تستمرّ الحرب طيلة هذه الفترة؟ وهل يصبح جنيف اليمني مثل جنيف السوري الذي أصبح عمره الآن أربع سنوات تقريباً؟
ثانياً، وقف الحرب، وإفساح المجال أمام المفاوضات والحوار، مهما طال أمده، دونه عقبات كثيرة، إذ أنّ وقف الحرب في ظلّ التوازن الميداني الحالي سيشكل هزيمة للسعودية وحلفائها، لأنّ الجيش اليمني وأنصار الله يسيطرون اليوم على حوالي 90 في المئة من اليمن، وبديهي في حسابات السعودية أنّ قبول وقف الحرب، سيريح أنصار الله وحلفاءهم، ولن يدفعهم إلى تقديم أيّ تنازلات في الحوار والمفاوضات، وفي ضوء هذه الحسابات، الأرجح أنّ السعودية لن تقبل بوقف الحرب الآن، لأنّ تداعيات مثل هذا القرار في اليمن وفي داخل السعودية، ستكون تداعيات خطيرة ويصعب التحكم بها.
هذا السياق الذي ينعقد فيه جنيف اليمني يؤكد أنه لن يصل إلى أيّ نتيجة، ولن يوقف الحرب، ولن يحدّ من تصاعدها، والأرجح أنه مسار يشبه مسار جنيف السوري، وبالتالي فإنّ دينامية الحرب وما تنطوي عليه من توازنات هي التي ستحدّد مستقبل اليمن ومستقبل المنطقة وليس جنيف، أو أيّ جولات أخرى يمكن أن تعقد في أماكن أخرى في المنطقة أو خارجها.
شيء واحد يمكنه أن يقطع هذه المسارات المتوقعة، يتجسّد هذا الشيء في حدوث تداعيات سياسية جراء هذه الحرب داخل المملكة العربية السعودية قد ترغمها على تغيير مقارباتها ليس للوضع في اليمن، بل على مستوى المنطقة، لكن حتى الآن هذا الشيء غير مرجح وإنْ كان متوقعاً.