الصخرة الصلداء
شهناز صبحي فاكوش
ما كانت يوماً إلا رمزاً للصلابة والمنعة والتميّز… ينضح منها الحبّ والإشراق، التفاؤل يعلو وجوه أبنائها، والإيمان بحرية الوطن غاية وأمل…
رجال حملوا إرث جدّهم، الذي هو رمز الثورة العربية الكبرى وليس السورية فحسب. فما هانوا ولا لانوا… يفرحون لأجل الشهيد، والسؤال الأهمّ دائماً هل إصابته في صدره، ليقين أنه قاتَلَ بشرفٍ، ولم يكن مهزوماً، عندها تزغرد النسوة للشهيد.
الشهادة قيمة يسعى إليها المحبّون للوطن والمدافعون عنه… وأهل السويداء الصخرة الصلداء الشامخة على جبل العرب، يتسامون بالشهادة بقدر محبتهم لتراب وطنهم… هل من جبل يحمل اسم العرب غيره على كامل جغرافيا الوطن العربي.
لم تظهر في السويداء السورية أصوات نشاز، إلا من بعض الأفراد الذين حالت دون ثرثرتهم كلمة المجتمع، الذي لا يرمي حجراً في بئر شرب منه، فالوطن الأمّ سورية لا خيار بعدها… ولا مساومة عليها، وأهل الجولان الإثبات الأكبر…
ظلّت السويداء على مدى الحرب الممتدّة لأربع سنوات ونيّف ضدّ سورية، من إرهابيّي العالم، وعملاء البلاد، وخونة الأمة، رافضة أن تكون حاضناً لأيّ من هؤلاء، ظلت نقية تحفظ وتحافظ على طهارة أرضها من أيّ شائبة.
إلا أنّ الإرهاب الذي لا يحمل هوية، ولا ينتمي إلى وطن، وليس له دين، كلما دخل أرضاً دنّسها بأقدام عناصره البغاة، وامتدّت أسلحته لتفتك بالأرواح والأنفس في قتل جماعي، حالة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً… لبثّ الرعب في النفوس وخنق كلمة الحق.
حالة مارستها المجاميع الإرهابية في كلّ المواقع التي وطئتها في سورية الغالية… قتل وتهجير وتنكيل… صورة تشابه سوقيات العثمانيين للأرمن تاريخياً، والتي طالت حينها المسلمين أيضاً… قتل همجي تمارسه مخلوقات لا تنتمي إلى الإنسانية.
بدأت براثن «داعش» و«النصرة» و ما يُدعى بـ«جيش الفتح»، وكلّ حملة الأسماء الأخرى من الإرهابيين حيث لا فرق إلا بالتسمية، بالوصول إلى القرى المحيطة بالسويداء، وأبناء الأرض البواسل يتصدّون لهم… محرّمين عليهم تدنيس أرضهم…
ولما ظلت عصية عليهم، كانت الحركة الأكثر جبناً، حيث أعمل الإرهابيون القتلة أسلحتهم على رقاب أقارب وبني جلدة أهل هذه القرى، في قلب لوز القرية الآمنة في إدلب، حيث تنتشر عناصرهم، لإرهاب أهل السويداء كعادتهم حيثما دنّسوا.
حاول الكثيرون بث سمومهم واستخدام الإعلام الأصفر، والخطاب المضلل للفصل بين أبناء السويداء وبين باقي أبناء الوطن، تحرّك تفوح منه رائحة العمالة والخزي، إلا أنّ الردّ الحااسم كان من أهلنا بني معروف الذين تشهد على مرّ الزمان مواقفهم.
وطنية وبطولة، مقارعة الاستعمار والتصدّي له واحدة من الثقافات الراسخة في سلوكهم، وإنْ كان الأمر لا يخلو من بعض الأصوات التي دائماً تحاول بث النشاز في أيّ سيمفونية وطنية جميلة لتشويهها.
الأصل الطيب والنقاء والإخلاص للوطن لهم الغلبة في النهاية… فها هو الردّ الطبيعي على جنبلاط، الذي يدسّ أنفه في محاولةٍ لنفث نار الفتنة بين أهل السويداء، محرّضاً للتمرّد على الدولة السورية، مستغلاً ما يحدث في محيطها ومجزرة قلب لوزة…
جاء الردّ بأسرع مما توقع الكائدون، فها هم أبناء وبنات السويداء يتدافعون لحمل السلاح، في حالة تأهّب كامل للدفاع عن أرضهم، وإخماد نار الفتنة ووأدها، فالأرض سورية وهم أبناؤها الأحرار، المدافعون عن حريتها ضدّ الإرهاب.
بورك الإرث الذي تركته أيها القائد سلطان باشا الأطرش، التاريخ شهد لك ويشهد اليوم لأحفادك، إنْ في السويداء أو في الجولان المحتلّ، أولئك البواسل الذين رفضوا الهوية الإسرائيلية. ومازالوا يقارعون العدو الصهيوني الذي يُغذي الإرهاب في سورية.
الجيش العربي السوري يدافع ويحارب المجاميع الإرهابية على كامل الجغرافيا السورية، وكما يحمي ظهره أبناء الوطن الشرفاء، في التصدّي وتطهير الأرض من الغزاة القتلة، في جميع محافظات القطر. كذلك أهلنا في سويداء القلب السوري.
لن يجدي التهويل ولا بث السموم هنا وهناك في محاولة للاصطياد في الماء العكر. فكما يرتفع صوت الفتنة على لسان جنبلاط ومن معه، يعلو ويتعالى صوت الحق والإباء من الرجال الوطنيين، فضيلة الشيخ جربوع وطلال أرسلان حيث لا ينتهي التاريخ.
بالروح نفدي وطناً أهزوجة يردّدها الصغار كما الكبار، والنساء كما الرجال، والشباب كما الكهول، هي في النهاية كما البداية، سوريتنا الغالية التي لا بدّ تبقى حرة عزيزة أبية، عصية على الغزاة الطامعين، مهرها غال، وحناؤها ترابها المجبول بدم أبنائها.