«سورية قسمت… والنظام ينهار!»
هشام الهبيشان
سورية قُسّمت… والنظام ينهار أصبحنا اليوم نسمع كثيراً هذه الجملة التي يردّدها الكثير من المحللين على شاشات الإعلام على تعدّد مرجعياتها وتوجهاتها، في الوقت الذي يستكمل فيه الجيش السوري وقوى المقاومة خطط حسم المرحلة الأخيرة من تطهير جانبي الحدود اللبنانية ـ السورية من البؤر الإرهابية المتواجدة في مناطق معينة ومحدّدة في القلمون الشمالي الغربي وجرود عرسال اللبنانية، وعلى الجانب الآخر من عمليات الجيش المستقبلية يجري وبكلّ هدوء ومن دون أي ضجيج إعلامي التحضير لمعارك تحرير جسر الشغور في ريف إدلب الغربي وخان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، ومناطق أخرى في محافظة إدلب، التي ما زال الجيش السوري يحافظ على تواجد وإنْ كان محدوداً في داخلها، وخصوصاً في ريف إدلب الشمالي وريف إدلب الجنوبي.
يتزامن التحضير لمعركة محافظة إدلب مع التحضير لنقل زخم عمليات الجيش العسكرية من القلمون بعد الانتهاء من حسم معركته إلى محيط العاصمة دمشق بريفيها الشرقي والغربي لحسم جملة معارك في عمق الغوطة الشرقية والغربية لتأمين دمشق من جهة الجنوب، استعداداً لإطلاق المرحلة الثانية من عمليات تحرير بعض المناطق الاستراتيجية في الجنوب السوري، والتي بدأت مطلع شهر شباط الماضي.
ويتزامن التحضير لمجموع هذه المعارك الكبرى مع المعارك الكبرى التي يخوضها الجيش السوري وبحرفية عالية دفاعاً عن مدينة الحسكة شمال شرق سورية، والتي أسقط من خلال دفاعه المستميت عنها في وجه المجاميع الراديكالية الإرهابية الغازية للمدينة، مخططاً تآمرياً كان معداً لتشكيل واقع عرقي تقسيمي جديد للشمال الشرقي لسورية، لكنّ صمود الجيش وتكامل هذا الصمود بدعم أهالي المدينة، أسقط مرحلياً هذا المخطط الذي كان للأسف سيتمّ استغلاله ومن خلف الكواليس من قبل بعض القادة العسكريين في الوحدات الكردية والسياسيين الأكراد في المدينة وخارجها لتكرار تجربة بلدة عين العرب شمال شرق سورية، من خلال احتلال «داعش» للمدينة، ثم تهجير سكانها، ومن ثم عودة التحالف الاميركي لضرب التنظيم بكثافة، ليعود الأكراد على الأرض لاستعادة المدينة وتشكيل واقع عرقي جديد لها، وهذا المخطط التقسيمي سقط في مدينة الحسكة وسيسقط في مناطق أخرى.
كما يستكمل الجيش السوري اليوم مخططاً محكماً وضعه لتحرير مناطق استراتيجية في مناطق شرق وشمال شرق ريف محافظة حمص، ونجح من خلاله في تحرير مرافق اقتصادية ونفطية هامة في عموم هذه المناطق في ريف حمص الشرقي، أما في حلب المدينة فهو يعيد تموضعه في بعض أحياء المدينة، وعلى ما يبدو أنه يهيّئ الأرضية العسكرية والميدانية لاستكمال مخطط عملياته من جديد للإطباق على بعض الأحياء التي يتحصّن فيها المسلحون، وفي الريف الحلبي هناك أيضاً ضربات محكمة يوجهها الجيش السوري في ريفي حلب الشمالي والشرقي للمجاميع الإرهابية المتصارعة في هذه المناطق، وفي ريف اللاذقية الشمالي هناك عمليات نوعية وخاطفة وضربات محكمة يوجهها إلى التنظيمات المسلحة المتواجدة في بعض بؤر إرهابية مبعثرة في الريف الشمالي، وهذا الأمر ينطبق كذلك على التصدّي لهذه التنظيمات الإرهابية والتقدّم في مناطق الجزيرة ودير الزور.
وبالنسبة إلى ما جرى مؤخراً في الجنوب السوري، وغزوات قطعان المسلحين المدعومين بأجندة «إسرائيلية» ـ أميركية ـ سعودية ـ بريطانية، لبعض الوحدات العسكرية السورية في ريف درعا الشمالي الشرقي، فهنا يجب التنويه بأنّ ما جرى للواء 52، وما رافق ذلك من حرب إعلامية، ما هو إلا صدى لإفلاس هذه المجاميع المسلحة وداعميها، فاللواء 52 لمن لا يعلم، هو عبارة عن وحدة عسكرية يتواجد فيها بضع عشرات من الجنود السوريين، ويضمّ بضع أبنية، ومساحته محدودة جداً، وقد هاجمه آلاف المسلحين من مجموعة محاور وبتغطية نارية واسعة، ما استوجب إعطاء أمر عسكري لهذه الوحدة بالانسحاب من مواقعها، وبمجرد انسحاب الجنود السوريين من وحدتهم، انطلق عمل سلاح الجو السوري، الذي نجح في ضرب هذه القطعان الغازية، وكبّدها المئات من القتلى والمصابين، فهذه الكارثة التي حلت بالإرهابيين دفعتهم وبدعم «إسرائيلي» للهجوم على مطار الثعلة العسكري في ريف محافظة السويداء، وهناك أيضاً تكبّدوا خسائر أكثر من تلك التي تكبّدوها في «غزوة» اللواء 52 ودحروا من محيط المطار، بعد وقوف أهل جبل العرب الأشم أحفاد سلطان باشا الأطرش في خندق الجيش في هذه المعركة، وهو ما أسقط رهان إسقاط المطار العسكري والرهان على استمرار موقف أهل جبل العرب بالحياد من مؤامرة الحرب على سورية.
اليوم وبعيداً من تطورات الميدان، فإنّ ما يهمنا من كل هذا هو واقع سورية المعاش في هذه المرحلة، وبعيداً من حروب الإعلام وكلام المتآمرين وشركاء الحرب على سورية. ومع مرور أربعة أعوام على حرب أميركا وحلفائها على سورية يتضح في أحيان كثيرة أنّ الأحداث والمواقف المتلاحقة للمتابع لأحداث الحرب «المفروضة» على الدولة السورية، بأنّ الدولة السورية استطاعت أن تستوعب وتتكيّف طيلة أربعة أعوام مضت مع موجات أكثر صعوبة من الموجة التي نعيشها اليوم وغزوات المجاميع الراديكالية في جنوب وشمال سورية، فقد كانت الموجات السابقة متعدّدة الوجوه والأشكال والفصول عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية ودموية ، ومجموع هذه الأنماط هزم وكسر على أبواب الصخرة الدمشقية والسورية الصامدة.
وهنا يجب عدم إنكار أنّ الحرب على سورية التي كانت رأس الحربة لها الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها في المنطقة «إسرائيل» الصهيونية وفرنسا وبريطانيا وشركاؤها من الأتراك وبعض القوى الصغيرة والأدوات الأخرى في المنطقة، قد ساهمت في شكل كبير خلال مرحلة ما في إضعاف الدولة السورية، وقد كادت كثافة الضغط على الدولة السورية أن تؤدي إلى إسقاطها ككل في الفوضى، لولا حكمة العقلاء الوطنيين من الشعب السوري بغضّ النظر عن مواقفهم السياسية، وقوة وتماسك الجيش السوري، وقوة ومتانة التحالفات الإقليمية والدولية للدولة السورية مع «روسيا إيران»، فهذه العوامل بمجموعها ساهمت «مرحلياً» في صدّ أجندة وموجات هذه الحرب الهادفة إلى إغراق كلّ الجغرافيا السورية في الفوضى. كما أنه لا يمكن إنكار دور وحجم الهجمة الأخيرة على سورية بالتأثير في مجمل الوضع العام للمعادلة الداخلية السورية، وهنا لا يمكن كذلك إنكار حجم ودور الردّ السوري العسكري والإعلامي السريع وبحرفية على هذه الهجمة للتخفيف من آثارها في المعادلة الداخلية السورية، فتسارع هذه الأحداث وتعدّد جبهات القتال على الأرض والانتصارات المتلاحقة للجيش السوري في محيط دمشق وما يصاحبها من هزائم وانكسارات وتهاوي بعض قلاع المسلحين «المعارضين»، بحسب التصنيف الأميركي، سيزيد ثقة المواطن السوري بدولته ونظامه وجيشه.
كما أنه في هذه المرحلة تحديداً، لا يمكن إنكار حقيقة أنّ حرب أميركا وحلفائها على سورية ما زالت مستمرة، ولكن مع كلّ ساعة تمضي من عمر هذه الحرب فإنّ أميركا وحلفاءها يخسرون أكثر مما تخسر سورية في هذه الحرب، والأميركيون يدركون هذا ويعرفون أنّ هزيمتهم في سورية ستكون لها مجموعة تداعيات مستقبلاً، فاليوم أميركا مجبرة على استمرار حربها على سورية إلى أمد معين ولكن لن يطول هذا الأمد، فهي اليوم بين خيارين لا ثالث لهما، إما الحرب العسكرية المباشرة، أو الاستدارة بموقفها في شكل كامل للتفاوض العلني مع الدولة السورية، وفي كلا الخيارين أميركا خاسرة، وهذا ما يؤكد أنّ الصمود السوري على مدى أربعة أعوام قد وضع أميركا في أزمة حقيقية وحالة غير مسبوقة من الإرباك في السياسة الخارجية للإدارة الأميركية، وهي أزمة ستكون لها تداعيات مستقبلية وستطيح بكلّ المشاريع الصهيو أميركية الساعية إلى تجزئة المنطقة لتقام على أنقاضها دولة «إسرائيل» اليهودية التي تتحكم وتدير مجموعة من الكانتونات الطائفية والعرقية والدينية التي ستحيط بها، بحسب المشروع الأميركي.
ختاماً، إنّ صمود سورية اليوم عسكرياً، ودعم حلفائها لها اقتصادياً بعشرات المليارات من الدولارات التي بدأت بالتدفق إليها أخيراً، وتوسّع الجيش السوري بعملياته لتحرير الأرض مدعوماً ومسنوداً من قاعدة شعبية تمثل أكثرية الشعب السوري، هذه العوامل بمجموعها ستكون هي الضربة الأولى لإسقاط أهداف ورهانات الشركاء في الهجمة الأخيرة على سورية، وبحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا ليس أمام الأميركيين وحلفائهم اليوم، ومهما طالت معركتهم وحربهم على سورية، إلا الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهي فشل وهزيمة حربهم على سورية، والمطلوب منهم اليوم هو الاستعداد والتحضير لتحمّل كلّ تداعيات هذه الهزيمة وتأثيرات هذا الفشل عليهم مستقبلاً.
كاتب وناشط سياسي ــ الأردن
hesham.awamleh yahoo.com