استراتيجية أوباما المزعومة… أقلّ من احتواء «داعش» ودون الاحتلال المباشر

أبرز قضايا الاهتمام الإعلامي والفكري كانت نتائج الانتخابات التركية، عضو حلف الناتو الوفي، وقرار الرئيس أوباما إرسال بضع مئات من الجنود الأميركيين للعراق لتدعيم القوات الموجودة هناك، فضلاً عن الجدل الداخلي في أروقة الكونغرس وصراعه مع الرئيس أوباما حول مصادقته على اتفاقية التجارة العالمية التي تلقّت هزيمة مدوّية أثناء إعداد هذا التقرير.

سيتناول قسم التحليل مسألتي القوات الأميركية الإضافية للعراق، واستقراء نتائج الانتخابات التركية وتداعياتها على مجمل السياسة التركية، التي لن تستمرّ كما هي عليه في دعم وتسليح القوى التكفيرية في سورية والعراق على الأقلّ في المدى المنظور. المخرج المنطقي، كما يُقال، ان يتمّ التوافق على صيغة تحالف لاقتسام السلطة، بيد انّ الأمر لا يزال بعيد المنال نظراً إلى تموضع وتمترس الأحزاب المختلفة وراء مواقفها، لا سيما حزب العدالة والتنمية الحاكم.

«فورة» القوات الأميركية للعراق تعيد الى أذهان الأميركيين سياسات الرئيس السابق جورج بوش الابن، وهزائم حرب فيتنام عقب تعزيز «أعداد المستشارين العسكريين» الى جانب حكومة سايغون.

أميركا: قرار المحكمة العليا بشأن القدس

أصدرت المحكمة العليا قرارها حديثاً، غير القابل للطعن، يقضي اختصاراً باعتبار القدس أرضاً محتلة ولا تخضع لسيادة اي دولة. الإدارة الأميركية أعربت عن رضاها للقرار ليس في بعده الجغرافي، كما هو في الظاهر، بل لتثبيت مبدأ حصر بلورة وتنفيذ السياسة الخارجية بالسلطة التنفيذية. واعتبر معهد المشروع الأميركي انّ القرار يأتي في مصلحة إدارة الرئيس أوباما، لما له من أبعاد في «ترسيم السياسة مع ايران»، دون تدخل سلطات او أطراف أخرى. واضاف انّ القرار من شأنه إعطاء الدعم للإدارة لناحية العقوبات الاقتصادية على إيران بأنها «تتناقض مع سياسة الرئيس الخارجية».

أميركا: تحديث معسكر الأعداء

قدّم أحد أهمّ الباحثين والخبراء الاستراتيجيين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، انثوني كوردسمان، شهادة امام اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب، موضحاً انّ معادلة الحرب الباردة كانت شديدة الوضوح لناحية اعتبار «روسيا مصدر تهديد أوحد» للسياسة الأميركية. واضاف انّ التغيّرات الدولية تشير الى «إمكانية اقتناء إيران أسلحة نووية وربما القدرة على تشغيل الصواريخ العابرة للقارات يشكل أحد عناصر التهديد للمستقبل والذي يضمّ أيضاً كوريا الشمالية… فضلاً عن روسيا مسلحة بأحدث أنواع الأسلحة وتنامي القدرات الاستراتيجية الهائلة للصين»، وما تنطوي عليه ترسانتهما معاً من أسلحة نووية تكتيكية ونوعية. وأوضح كوردسمان لأعضاء الكونغرس انه «مع الحذر من تغليب مشاعر الذعر من أسوأ الاحتمالات المستقبلية، هل ينبغي علينا البدء في التفكير بالخروج من قفص ثنائية روسيا بمواجهة أميركا، ام تغيير القفص بغية إجراء عملية تقييم أدقّ للمخاطر الكونية وقوة الردع المطلوبة ونظام الدفاع الصاروخي والحدّ من الأسلحة النووية؟»

ما بعد «الربيع العربي»

أشار معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الى تراجع الآمال بإجراء إصلاحات سياسية «بعد انقضاء اربع سنوات على الربيع العربي لا تزال منطقة الشرق الاوسط ملتهبة، ولم تسقط الدول العربية في أيدي الاسلاميين كاحجار الدومينو»، وفق توقعاتها السابقة بل انضمّت مجموعات جديدة من «المجتمع المدني، من أفراد ومنظمات غير حكومية وأحزاب سياسية، تنافس مبدأ سيطرة الحكومة الدينية». واستطرد بالقول انّ تنظيم «الدولة الاسلامية ـ داعش ومتطرفين اسلاميين آخرين لا يزالون في أوج قوتهم في بعض الأماكن، واستمرار تسلط المستبدّين التقليديين المستندين الى شرعية دينية في مناطق اخرى».

تهديدات «داعش»

استعرض معهد الدراسات الحربية جملة تهديدات قد تنجم عن شن تنظيم «الدولة الاسلامية ـ داعش» هجمات جديدة في شهر رمضان، لا سيما انه «دأب على شنّ هجماته الكبرى في الأعوام الثلاثة الماضية خلال شهر رمضان… كما في حال سلفه تنظيم القاعدة في العراق الذي ضاعف من ارتكاب موجات العنف خلال الشهر عينه». وأوضح انه في الإمكان القول انّ «تنظيم داعش يستعدّ لتصعيد نوعي في عملياته بغية تحقيق أهداف يعتبرها هامة، بل قد «يحيي ذكرى غعلان دولة الخلافة في الأول من رمضان عام 2014، بما يتيح له التفوّق على أجواء الاعلان آنذاك… عبر تحقيق انتصارات عسكرية جديدة، واستهداف مراكز دينية». وشدّد المعهد على «ان تنظيم الدولة الاسلامية ـ داعش سيعمد الى تدشين بدء شهر رمضان وانتهائه بهجمات عسكرية كبيرة في العراق وسورية».

اعلان الرئيس أوباما الأخير عن الدفع ببضع مئات من الجنود الأميركيين الى العراق أثار انتقادات الاوساط المعارضة، لا سيما معسكر أنصار الحرب واللوبي «الاسرائيلي»، ووصف معهد واشنطن تلك التطورات بأنها «إجراءات خجولة… وستسكشف الإدارة قريباً انّ مهمتها المعلنة في العراق لقتل المسلحين الإسلاميين ستواجه الحقيقة قريباً بأنّ مهمة إنقاذ دولة منهارة تقتضي اعتماد حملة مفتوحة لمكافحة الارهاب». وجدّد توصيفه «للسياسة الأميركية في العراق بأنها تشارف على الشلل»، مناشداً الإدارة الأميركية «الالتزام بإرسال ما بين 3000 الى 5000 عنصر من القوات الخاصة الأميركية» لمهام استشارية ودعم القوات العراقية، كما ينبغي عليها استغلال تلك الخاصية للضغط على الحكومة المركزية في بغداد لتخصيصها مزيد من الموارد لاستقطاب «السنة والاكراد».

تركيا

اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية انّ الهزيمة الانتخابية التي تلقاها حزب العدالة والتنمية كان بالإمكان تفاديها «لو انّ أردوغان اختار عدم الترشح لمنصب الرئاسة العام الماضي… وأضحى لزاماً عليه التعامل مع مناخ سياسي مناهض جديد ليس موالياً لرغبته في توسيع صلاحياته الدستورية فحسب، بل أيضاً للحدّ من قدرته الاستمرار في ممارسة صلاحيات تنفيذية هائلة بحكم الأمر الواقع». وأوضح المركز انه بصرف النظر عن الترتيبات المقبلة التي يعدّ لها حزب العدالة والتنمية «فإنّ الثابت هو أفول عصر تفوّقه بلا منازع بقيادة اردوغان».

اعتبر معهد كارنيغي انّ حزب العدالة والتنمية بات عليه التفكير بالعمل ضمن بناء تحالفات مع أحزاب أخرى لم يتعوّد عليها، ومن المرجّح، بنظر المعهد، إقامة تحالف بين الحزب الحاكم وخصمه حزب الحركة القومية، بقيادة مولود باتشيلي «نظراً إلى تقارب الحزبين عقائدياً… بيد انّ الخلاف الرئيس بينهما يتلخص في تعارض رؤيتيهما لحلّ الأزمة الكردية». أما الخيار البديل، في نظر المعهد، فيمتثل في إقامة تحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري «تحالف قد يصبح حقيقة» في الزمن المنظور.

حذر معهد واشنطن حزب العدالة والتنمية من خطورة الحكم ضمن صيغة تحالف مع أحزاب أخرى نظراً إلى السياق التاريخي في تركيا «اذ لم تكتمل فترة حكم أي تحالف او حكومة أقلية، وعادة ما تدخل البلاد في أزمات سياسية واقتصادية عقب فشل أداء تلك الحكومة والمشاحنات المرافقة بين أعضاء التحالف». ورجّح المعهد انتظام الرأي العام وراء حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة بمفرده «في حال دخول تركيا أزمة عدم استقرار سياسية واقتصادية في ظلّ صيغة حكم التحالف». واستطرد بالقول إنه في المقابل فإن «أحزاب المعارضة تستطيع تحميل حزب العدالة والتنمية مسؤولية التدهور، مما سيعزز حظوظ فوزها في انتخابات استثنائية» انْ عقدت.

خروج في سياق الدخول والسيطرة

في الظاهر، انفرجت أسارير معسكر انصار الحرب، ولو جزئياً، لقرار البيت الابيض الموافقة على إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى العراق، يبلغ تعدادها الأولي 450 جندي، مصادقاً على توصية القيادة العسكرية بضرورة توسيع الانخراط العسكري في ميدان المعارك في العراق. المهام المحدّدة، للحظة، تلخصت بتكليفها توفير الحماية الأمنية للقوى الأميركية والطواقم الديبلوماسية العاملة هناك، وتدريب بعض القطاعات الأمنية والعسكرية العراقية وخاصة منتسبي العشائر، على ان تتمّ إعادة النظر بما تقتضيه متطلبات الميدان وفق توصيات القادة العسكريين الأميركيين بالطبع.

في الخلفية الأهمّ، تشكل الخطوة تتويجاً للمخطط الأميركي الدائم لفرض وصايته على العراق، الى أمد غير منظور، والذي سعت اليه واشنطن باطمئنان منذ بدء الحوار عام 2008، مع حكومة نوري المالكي آنذاك، بغية إبرام اتفاقية أمنية أطلقت عليها وصف استراتيجية في البداية، 16 تشرين الثاني 2008، لترتيب انسحاب القوات الأميركية من العراق. وبعد يومين، بالتمام والكمال من توقيع الاتفاقية، صرّح رئيس هيئة الأركان آنذاك، الأميرال مايكل مولين انّ «الانسحاب الأميركي من العراق سيخضع للتطورات الميدانية»، اتبعه تصريح للناطق باسم البنتاغون، جيف موريل، 18 تشرين الثاني، قائلاً انّ القوات الأميركية لن تنسحب من العراق ما لم تتوفر الظروف الأمنية المناسبة على الأرض. وأضاف انّ «الاتفاقية المبرمة ستؤمّن الإطار القانوني الذي يسمح لنا بمواصلة العمليات».

الجدل الأكبر في تفاصيل «الاتفاقية» ارتكز على طلب الجانب الأميركي استثناء قواتها العاملة والقوى الأمنية الخاصة، «بلاك ووتر» وغيرها، من سريان القانون العراقي بمعاقبة الجناة والمخالفين على أراضيه. واشترطت «قيام لجنة عراقية أميركية مشتركة بصلاحية مقاضاة الأميركيين»، الأمر الذي ينتهك مبدأ سيادة العراق على أراضيه، فضلاً عن تفاصيل اخرى تتعلق بتعريف طبيعة «الجرائم والانتهاكات» المقصودة.

أيضاً، أعطى الجانب الأميركي لنفسه الحق في السيطرة على الأجواء العراقية حتى ارتفاع 29000 قدم، وكذلك الحق في ملاحقة «المنظمات والميليشيات غير الخاضعة لسلطة الدولة».

الضغوط الأميركية الهائلة التي مارستها إدارة الرئيس بوش الابن على الجانب العراقي، لجرّه إلى التوقيع على الاتفاقية، حفلت بها معظم وسائل الإعلام والصحافة الغربية، لعلّ أهمّها ما كُشف آنذاك في بروكسيل، مقرّ قيادة حلف الناتو، عن نائب وزير الخارجية الأميركية جون نيغروبونتي «مهدّداً رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بالإطاحة به ومواجهته مخاطر لا تحمد عقباها انْ استمرّ في رفض التوقيع على الاتفاقية». وأتبع تهديداته بتصريحات مباشرة في زيارة لاحقة إلى بغداد ولقائه بالمالكي ومسؤولين آخرين بالقول إنّ «واشنطن لن تسمح بتأخير التوقيع على الاتفاقية، كما لن تسمح لأيّ طرف كان، سواء في الحكومة او خارجها تعريض أمن قواتنا في العراق ومصالحنا في المنطقة للخطر».

جدير بالذكر انّ إدارة الرئيس بوش الابن أطلقت مصطلح «اتفاقية أمنية»، على نواياها، وما لبثت ان عدّلت التسمية الى «اتفاقية انسحاب القوات الأميركية»، ولم تقدّمها إلى الكونغرس لإقرارها بمثابة معاهدة بين دولتين ربما لخلفية اعتقادها انّ العراق لم يعد دولة ذات سيادة. ومهّدت ايضاً الأرضية للرئيس المقبل، باراك أوباما، إعلان نيّته بترتيب انسحاب مسؤول من العراق، على وقع مشروع عضو مجلس الشيوخ آنذاك جو بايدن لتقسيم العراق الى ثلاثة مقاطعات وفق أسس طائفية وعرقية. عندئذ تنتفي الحاجة الأميركية لإبرام اتفاقية أمنية مع حكومة بغداد حصراً.

استعراض خريطة علاقة العراق بالولايات المتحدة أعلاه كان ضرورياً لتسليط الأضواء على النوايا الحقيقية لأميركا بالعودة إلى العراق وفق شروط تفضيلية يتسنّى فيها ضمان وصايتها وسيطرتها على أرضه وأجوائه ومياهه وخيراته الباطنية وسياساته المقبلة الى أمد بعيد.

تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، الأخيرة باستنساخ تجربة قاعدة «التقدّم» العسكرية في محافظة الأنبار، كمقرّ للقوات الأميركية، وإنشاء المزيد منها في مناطق عراقية أخرى يعزز النتائج سالفة الذكر.

اشتباكات إعلامية أميركية للتمويه

عشية الإعلان رسمياً عن إرسال 450 جندي أميركي للانضمام إلى القوات المتواجدة في العراق، أوضح الرئيس أوباما للكونغرس في كتاب عاجل «استحالة» تحديد مدة مكوث القوات الأميركية الإضافية هناك، يوم 11 حزيران. وجاء في المذكرة انّ الولايات المتحدة تحتفظ بقوة قتالية قوامها 16.750 جندي عامل على الأقلّ، منتشرة في 12 دولة ومنطقة: أفغانستان، كوبا، جيبوتي، مصر، العراق، الأردن، كوسوفو، نيجر، الصومال، سورية، اليمن، والمنطقة الوسطى من افريقيا». المجموعات القتالية الأكبر منتشرة في ثلاث دول: أفغانستان والعراق والأردن، وفق المذكرة المشار إليها.

كما سعت إدارة الرئيس أوباما إلى استغلال الآلة الإعلامية الضخمة للترويج لبعض الإنجازات التي حققتها الغارات الجوية ضدّ تنظيم «الدولة الاسلامية ـ داعش»، بالترافق مع قرار إرسال 450 جندي إضافي. وأوضح نائب وزير الخارجية، توني بلينكن، 3 حزيران، «انّ تنظيم داعش خسر ما ينوف عن 10.000 مقاتل نتيجة مباشرة للغارات الجوية الأميركية في العراق وسورية، على امتداد 9 أشهر».

وأطلقت الإدارة العنان لاستراتيجيتها الجديدة، للردّ على الانتقادات المختلفة، ورغم تواضع عدد القوات الا انّ مجموع القوات الأميركية في العراق سيفوق 3.550 عنصر، رافقتها بالإعلان عن إيصال أسلحة «جديدة» إلى حكومة العراق وأخرى إلى إقليم كردستان وميليشيات أخرى استبقت زيارة رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري ممثلاً لسُنّة العراق، حسب الوصف الرسمي .

وزارة الدفاع الأميركية بدورها «استبعدت مزاعم مشابهة» قبل بضعة أشهر عن خسائر عالية في صفوف «داعش» بالقول: «ببساطة ليست أرقاماً ذات مغزى». الناطق باسم البيت الابيض، جوش ايرنست، لم يشأ مناقضة بلينكن بتأكيده على خسارة تنظيم داعش 1000 قتيل في معركة عين العرب وحدها.

السيناتور الأميركي المتطرف، جون ماكين، صوّب سهام انتقاداته نحو الرئيس أوباما لتواضع خطواته الذي «يعتمد تكتيكات حرب فيتنام الفاشلة لمواجهة تنظيم «الدولة الاسلامية في الشرق الاوسط»، مطالباً الإدارة بتعزيز إجراءاتها وتصعيد غاراتها الجوية، وتكثيف عديد القوات الخاصة الأميركية في الميدان «لتوجيه وإرشاد الغارات الجوية ضدّ تنظيم الدولة الاسلامية ـ داعش».

وأوضح ماكين بحكم خدمته في سلاح الجو وإسقاط طائرته من قبل المقاومة الفيتنامية، ان ما نشهده «يذكرنا بحرب أخرى، في زمن آخر يبعد عدة سنوات، حين استند وزير الدفاع آنذاك، روبرت مكنمارا، على استراتيجية مشابهة»، اي إرسال بضعة آلاف من المستشارين العسكريين الى فيتنام.

وسخر ماكين من إحصائيات الإدارة لقتلى «داعش» قائلاً: «خلال مفاخرتها بمقتل 10.000 عنصر من تنظيم «الدولة الاسلامية ـ داعش، فاتها الإقرار بأنّ عدد المنضوين إلى صفوف التنظيم أعلى من قتلاهم…»

وزير الدفاع الأميركي الأسبق، دونالد رامسفيلد، أدلى بدلوه أيضاً في سياق المعارك ضدّ «داعش» لصحيفة «التايمز» اللندنية، 6 حزيران، محذراً من «الحالة الرثة للدول الغربية في تعاملها مع تفشي التطرف الإسلامي» في المنطقة. وزعم رامسفيلد انّ «الرئيس جورج بوش الابن أخطأ في ترويج الديموقراطية للعراق… بل كان هدفاً غير واقعي».

وسرعان ما تراجع رامسفيلد عن تصريحاته لـ«التايمز» التي صدّرت صفحاتها الأولى بعنوان عريض «بوش كان على خطأ في العراق، يقول رامسفيلد». واوضح لصحيفة «واشنطن بوست،» 10 حزيران، انه «مثبط من عدم دقة توصيف المانشيت… ويتضارب في المضمون مع المقابلة» التي جرت في مكتبه الخاص بواشنطن.

ربما لا ينبغي إصدار حكم على صدقية رامسفيلد، ميزة لم يعهدها طيلة سجله المهني، بل يرجح انّ تصريحاته تأتي في سياق تأييد أطراف بارزة في معسكر الحرب لقرار الرئيس أوباما في العراق، ومطالبته القيام بالمزيد.

ماذا بعد؟

تتباين وجهتا نظر الطرفين، الأميركي والعراقي، إلى طبيعة المهام الموكلة والأهداف المنوي تحقيقها في المدى الآني والقصير. العراق يشكو من تخلف واشنطن عن تزويده باسلحة تمّ التعاقد عليها ودفع ثمنها، وفي المحصلة الإبطاء في التنفيذ، كما يشكو أيضاً من تداخل منطقة طيران القوات الأميركية مع القوات العراقية المتواضعة وهي في طريقها إلى استهداف مواقع تنظيم «داعش»، وعزمها على استعادة مدينة الرمادي والتحضير لاستعادة مدينة الموصل من تحت سيطرة «داعش».

الجانب الأميركي اثار غباراً كثيفة حول عدم توفر «الإرادة والعزم» للقوات العسكرية العراقية لمواجهة «داعش» في معارك حقيقية، والدلالة على انسحابها «طواعية» في كلّ من الموصل والرمادي. وعليه، تنوي واشنطن تشديد تحكّمها وسيطرتها على القرار الميداني، وامتداداته السياسية والجغرافية، في المشهد الداعشي. أميركا لم تتقدّم باستراتيجية متكاملة لاستعادة المدينتين، واكتفت بإرسال بضع مئات متواضعة من القوات للإشراف على أداء قوات عراقية حديثة التدريب وتشكو من قلة الخبرة الميدانية، وزجّها في أتون الحرب «المتواصلة» ضدّ تنظيم «داعش».

وفي سياق مهام القوات الإضافية، أوضح البنتاغون انّ المطلوب تجهيز قوة عراقية مقاتلة قوامها 10.000 مقاتل «من عشائر الانبار»، ايّ مضاعفة العدد الراهن المتوفر، وتجنيد ما ينوف عن 3000 مقاتل جديد لملء الفراغ الناجم عن اختلال هيكلية الفرقة العراقية الثامنة، المنوطة بمهمة الدفاع عن الأنبار، ومقرّها مدينة الحبانية.

الاستناد الى لغة الأرقام وحدها يقود الى التضليل والاستنتاجات الخاطئة، خاصة عند النظر الى الفترة الزمنية الدنيا المطلوبة لإعداد وتدريب مجنّدين حديثي العهد، والتي تتراوح بين 6 الى 12 شهراً، وضمان استيعابهم واستخدامهم الأسلحة الجديدة بفعالية مقبولة فضلاً عن توفر عدد كاف من ضباط الصف ذوي خبرة قتالية لإدارة المعارك.

الخبراء في الشأن العسكري يلفتون النظر الى تكرار الرئيس أوباما أخطاء القيادة النازية في المانيا إبان الحرب العالمية الثانية، حين اضطرت إلى تجنيد عدد كبير من الشباب لتعويض النقص في الجبهات القتالية بعد إخضاعهم لفترة تدريب قصيرة مكثفة. الرئيس أوباما، وفق رؤية اولئك، وأركان ادارته «يعلقون آمالاً كبيرة على نجاح خطة التدريب والاستيعاب بوتيرة مسرعة، لدخول أتون المعارك وإلحاق الهزيمة بـ«جيش داعش» يقرّ له أعداؤه بخفة حركته وسرعة تكيّفه وحسن قتاله في ساحتي العراق وسورية».

ولا يستبعد اولئك الخبراء ان تواكب استراتيجية أوباما الجديدة هزيمة أسلافه في فيتنام.

الانتخابات التشريعية التركية: زلزال يهدّد سياسات أردوغان

المراقب لردود أفعال النخب السياسية والفكرية الأميركية، حول نتائج الانتخابات التركية، يستطيع التوصل بيسر الى شبه إجماع بأنّ ما حدث لا يشكل هزيمة لمستقبل حزب العدالة والتنمية سياسياً، بل اعتبر زلزالاً يقض مضاجع الرئيس أردوغان وليس انتكاسة في سياق تحوّلات في الرأي العام التركي الذي رفض منح أردوغان صلاحيات رئاسية موسعة ليصبح الحاكم بأمره.

العامل الفارق في نتائج الانتخابات كان الأداء الباهر غير المتوقع لحزب الشعوب الديموقراطي، بحضور كردي كبير في صفوفه، وتخطيه للتوقعات الأولية التي كانت تشير الى فوزه بنحو 50 – 60 مقعداً برلمانياً الى حصوله على 80 مقعداً، من مجموع 550، برئاسة قائده الشاب صلاح الدين ديمتراس.

حزب أردوغان الحاكم نال 43 في المئة من مجموع الأصوات مما يحرمه من تشكيل حكومة بمفرده، كما اعتاد عليه منذ ما يزيد عن عقد من الزمن وهو أمام مفترق وفاصل سياسي قاسي: إما التحالف مع حزب أو أحزاب أخرى مضطراً، او الدفع باتجاه انتخابات مبكرة كما كان يروّج داخل أوساطه، وهي المهلة الدستورية المحدّدة بفترة 45 يوماً لتشكيل حكومة. الخيار الثالث هو تشكيل حكومة بأغلبية احزاب المعارضة، خطوة قد تدفع أردوغان وفريقه المغامرة بها انطلاقاً من مسلمة عدم قبول التحالف ومشاركة ايّ طرف آخر السلطة.

التداعيات المباشرة لصيغة الحكم المقبلة تنذر بأفول سيطرة وهيمنة العدالة والتنمية، اذ انّ «حكومة تقوم على التحالف» لن يكون في وسعها الاستمرار بدعم الجماعات المسلحة والتكفيرية في سورية، كما اوضح ديمتراس غداة فوز حزبه.

تباين السياسات الأميركية والتركية، في ما يتعلق بسورية، اصبح متداولاً في وسائل الاعلام، إذ أوضح مدير الاستخبارات القومية في أميركا، جيمس كلابر، لأعضاء الكونغرس انّ لدى تركيا أولويات تبعد عن الأولويات الأميركية، لا سيما هاجسي المقاومة الكردية والإطاحة بالحكومة السورية. الجانب الأميركي، علناً على الأقلّ، يحيل الأولوية إلى الحدّ من تمدّد قوات تنظيم «داعش».

رشحت حديثاً بعض التفاصيل لتعزز تباين الموقفين، أبرزها تصريح للرئيس أوباما مطلع الأسبوع يؤكد فيها استمرار تقاطر الآلاف من المقاتلين الأجانب الى سورية والعراق، دون الإشارة الواضحة إلى التسهيلات التركية و«معاقبة» انقرة لواشنطن بعدم السماح لها استخدام قاعدة «أنجيرليك» الضخمة لشنّ غاراتها الجوية على مواقع «داعش» في الشمال من سورية.

المأزق البارز في معادلة الحكم التركية لن يتمّ تجاوزه بيسر وسرعة، نظراً إلى تشبّث كافة الأطراف بمواقفها وتبادلها عدم الثقة في ما بينها. القوى المعارضة تجمعها معارضة حزب العدالة والتنمية وأردوغان تحديداً وكلها لم يحظ بتجربة الحكم بصيغة تحالفية تتطلب تقديم بعض التنازلات واستيعاب الآخر، الأمر الذي فشل فيه أردوغان فشلاً ذريعاً واستمرّ في استخدام لغة سياسية متعجرفة ضدّ خصومه.

يرجح البعض انّ تصرفات الرئيس أردوغان ومناهضته للمتظاهرين في ميدان التقسيم، أيار 2013، واستمرار حكومته في اعتقال البعض والتضييق على الصحافيين كانت إشارة البدء لمرحلة أفول نجم أردوغان وأحلامه في استعادة أمجاد لا تصلح للقرن الحادي والعشرين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى