عولمة المقاومة في مواجهة عولمة الإرهاب
فارس رياض الجيرودي – القاهرة
استفاد منظمو الحرب على سورية إلى الحدّ الأقصى مما تتيحه تكنولوجيا الاتصال في عصر العولمة من قنواتٍ تسمح بنقل المشاعر والأفكار بين الدول بسهولة بالنسبة إلى من يمتلك المال، الذي يمكن عبره تأسيس الإمبراطوريات الإعلامية، وشراء النخب الدينية والسياسية، وتنظيم الحروب الناعمة. إنّ تلك العملية التي بدأت بتحريض بعض الفئات الناقمة على النظام في سورية من أجل الثورة والتظاهر وممارسة العنف المستتر ضدّ مؤسسات الدولة، ما لبثت أن انتقلت في مرحلة لاحقة إلى دعم معلن لحرب على أسس طائفية دينية تشبه حروب القرون الوسطى. وهكذا تمّ تنظيم عملية بروباغندا ربما تكون الأضخم من نوعها في تاريخ الحروب، عن «الظلم الذي يتعرض له المسلمون في سورية من قبل النظام المجرم»، وانتهت تلك الحرب الناعمة إلى ضخ أعداد هائلة من المتطرفين داخل الأرض السورية عبر دول الجوار، حتى أصبح عدد الأجانب المحاربين ضمن ما تسميه معظم القنوات في العالم بـ «المعارضة السورية المسلحة» أكبر من عدد السوريين أنفسهم، بل إنّ عدد المقاتلين من جنسيات معينة كالشيشانية مثلاً يفوق عدد المقاتلين السوريين.
لم تقتصر عولمة العدوان على سورية إذاً على الدعم الإعلامي والمالي والاستخباراتي واللوجستي المقدم للإرهابيين الذين يواجهون الدولة الوطنية السورية، إذ سرعان ما اكتشف منظمو الحرب على سورية أنّ مقاتلي ما سمي بالثورة السورية أضعف من الصمود في وجه الدولة الوطنية السورية والكتلة الشعبية التي تدعمها، لذلك تمّت عملية عولمةٍ الثوار أنفسهم، وأصبحت عملية استقدام المقاتلين الممتدة من الصين شرقاً إلى السويد غرباً نحو معسكرات التدريب في تركيا، ومن ثم إدخالهم إلى الأراضي السورية على شكل موجات بشرية، عمليةً شبه معلنة، تتدوال المعلومات عنها وسائل الإعلام العالمية.
من هنا أصبح من العبث والاستخفاف بالعقول مقاربة الشأن السوري، انطلاقاً من جدلية سلطة ومعارضة، بل أصبح من اللامنطقي الحديث عن الأزمة السورية على أساس أنها أزمة داخلية تخصّ سورية فقط، ففي عالمنا المعاصر الذي يشبه قرية صغيرة لم يعد في الإمكان إشعال حريق في بقعة معينة مع تفادي تأثر باقي أرجاء العالم به، لذلك أدت عولمة الإرهاب في سورية إلى تفجر العراق، كما أدت إلى تنشيط الخلايا الإرهابية في العالم كله من سيناء المصرية إلى الخليج وصولاً إلى أوروبا ، بل إنّ تركيا نفسها، الراعي الإقليمي الأكبر للإرهابيين في سورية، أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة فيها اتجاهاً كبيراً نحو التطرف الإتني، حيث صوت الناخبون لليمين القومي التركي والكردي بنسبة أكبر، كما نشأ ولأول مرة منذ أعلنت الجمهورية التركية نوع من التوتر الطائفي المستتر رافق الحملات الانتخابية وتصريحات السياسيين الأتراك خلال السنوات الأخيرة.
علينا هنا أن نأخذ في الحسبان أنّ المجتمعات المغلقة على نفسها إتنياً وعنصرياً في بلدن الخليج وأوروبا وتركيا تشكل بيئات أكثر استعداداً لترديد أصداء العنف الإتني من سورية نفسها التي أريد عبر تأجيج الطائفية تدمير الدولة الوطنية فيها. لقد أصبحت الحرب التي شنت ضدّ سورية أحد أبرز الأخطار على الاستقرار العالمي إن لم تكن أبرزها، لكنها قبل ذلك وذاك تشكل أكبر خطر على مستقبل وأمن العرب والمسلمين وعلى ثقافتهم ودينهم اللذين تعرضا لأبشع صور الاستغلال من أجل تحقيق مصالح ضيقة ولإرضاء أحقاد الفئات الحاكمة في منطقتنا والمتحالفة مع قوى الاستعمار العالمي، لذلك أصبح لزاماً على محور المقاومة الذي أخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن أمن المنطقة في وجه التحالف الرجعي الصهيوني، أن يعولم بدوره وسائل مقاومته للمشروع المعادي، ففي مواجهة قيم العنصرية والعصبية الطائفية المتوحشة التي يعتمدها معسكر أعداء سورية لحشد الارهابيين، أصبح من الملح تشكيل جبهة مقاومةٍ معلنة عابرةٍ للطوائف والجنسيات تدعم الجيش السوري في معركة التحرّر التي يخوضها نيابة عن الأمة كلها، ولا تبدو تلك المهمة عسيرةً في ضوء المكانة الشعبية التي لا زال يحظى بها قادة محور المقاومة في طول العالم العربي وعرضه، بسبب موقعهم في مواجهة العدو التاريخي للأمة «إسرائيل»، فملايين العرب والمسلمين يتمنون منازلة «إسرائيل» وحلفاءها من إرهابيي «جبهة النصرة» في الجولان إلى جانب الجيش السوري والمقاومة اللبنانية، وكما تمّ نشر الفكر القاعدي المتطرف في طول العالم العربي وعرضه إثر عودة المجاهدين من أفغانستان إلى بلدانهم، يقدم الصراع الحالي على مراراته فرصة لنشر فكر تحرير الأمة من الهيمنة الغربية ومن الفئات الحاكمة المتحالفة معها.
أصبح من الملحّ أيضاً، وبالتوازي مع ما سبق، التوجه إلى النخب والأحزاب السياسية في دولٍ كالصين والهند وروسيا، انطلاقاً من التجربة التاريخية المريرة التي خاضتها شعوب تلك البلدان مع الجماعات الإرهابية المشابهة للجماعات التي تخوض معركة الغرب الاستعماري في سورية. لقد قدم أعداء سورية للإرهابيين الذي يحاربونها وعبر وسائل العولمة أكثر من 90 في المئة من قوتهم مالاً وسلاحاً وإعلاماً وتدريباً ومقاتلين، فما الذي يمنع الدولة السورية من أن تستفيد علناً من وسائل العولمة نفسها للحصول على ما يدعمها في معركتها في مواجهة الفاشية الجديدة، تلك المعركة التي ستحدّد، وإلى حدّ كبير، مستقبل العالم؟