هل تجاوز أهل جبل العرب اختبارهم الأقسى؟
جمال العفلق
ما زالت السويداء وهي المدينة الرئيسية لجبل العرب، في عين عاصفة إعلامية معادية، تعتمد على تصريحات من هنا وهناك، ويحاول المحللون نقل صورة عنها وكأنها مدينة لا تعرف ماذا تريد وإلى أين تنتمي. ولم يقتصر التحريض عليها من قبل التكفيريين على اعتبار أن سكانها مرتدّون أو كفار، بحسب معتقد «أبو محمّد الجولاني» و«أبو بكرالبغدادي»، بل تطّور الأمر إلى تهديد مباشر من قبل بعض الزعماء الذي ينتمون إلى هذه الطائفة، كما صرح وليد جنبلاط عندما قال «من لا يقف مع الثورة سيذبح»، وكأنه أراد أن يعلن وصايته على أهل الجبل ويخيفهم بحليفه «الجولاني» أمير «جبهة النصرة».
وعلى رغم كل هذا الإعلام والمنشورات التي استهدفت أهل السويداء واصفة إياهم بالخونة أو الكفار وبعض المنشورات لأشخاص يقال عنهم أنهم إعلاميون، وصلت إلى حدّ لتصويرهم بأنهم لا يعرفون مصلحتهم وأن الأوان قد حان ليغدروا بالجيش ويتخلوا عنه.
فكان الإختبار الأول بمهاجمة مطار الثعلة وهو مطار عسكري على الحدود الغربية للمحافظة، وفشل الهجوم بفعل المساندة الشعبية للجيش والدعم اللا محدود الذي تلقاه الجنود من أهل المدينة. فما كان من الجماعات الإرهابية إلاّ أن تنشر بيانها الأول الذي وقعه ثلاثة وعشرون فصيلاً مسلحاً، بأنهم لا يريدون الاقتراب من أراضي المحافظة، وأنهم يعطون الأمان لأهل الجبل، إعتقاداً منهم أنهم بهذا يستطيعون فصل الشعب عن الجيش ويكتفي الناس ببيانهم ولا تعود لمساندة الجيش. ولم تمضِ أربع وعشرون ساعة حتى كان الهجوم الثاني وفي شكل أعنف بمعركة استمرت لساعات فرّ فيها المسلحون مخلفين خلفهم القتلى من كل الجنسيات ومعلنين فشل هجومهم.
ومنذ بداية الحرب على سورية والسويداء تأخذ دورها الوطني الحاضن للجميع، إذ فتحت الأبواب لكل أطياف الشعب السوري ولم يطلق اسم لاجئ على أحد بل يستخدم تعبير واحد هو ضيوف، على رغم أن هؤلاء الضيوف أعلنوا أن أولادهم يعملون مع المسلحين وهذا لم يغيّر في تعامل أهل المدينة معهم، فهم مدنيون أبرياء فيهم أطفال ونساء. ومنذ بداية الحرب على سورية نشرت قنوات «الجزيرة» و«العربية» و«أورينت» برامج تحريضية عن المحافظة ونشرت الفتاوى حولهم وبقي أهل المدينة بمن فيهم المعارضون الوطنيون يمسكون على جمر إيمانهم بأن الوطن هو الأول وأنهم لن يقبلوا أن يكونوا شركاء في القتل تحت أي سبب.
وعلى رغم كل ما سبق، فإن المدينة قالت كلمتها الفصل وأنها لن تقبل بمثل هذا الطرح وأن السويداء ليست كياناً منفصلاً وأن سورية هي الوطن الأم وأن تحريرها من العصابات الإرهابية هو واجب وطني وديني وأخلاقي وأن وقوفهم مع الوطن أمر بديهي لا منّة على أحد فيه. ومن اعتقد أو راهن على خلايا نائمة كانت تفكر في خلق جو من الفوضى فقد خسر رهانه. وإذا كان جنبلاط يجد في مؤتمر عمّان حول الطائفة الدرزية، ملاذاً آمناً له، فهو على خطأ كبير لأن دروز سورية الذين يعيشون تحت الإحتلال الصهيوني في الجولان، متمسكون بالهوية السورية وعلمهم الوطني، فكيف بالذين يعيشون في الداخل السوري؟ لا يتسع المجال للغرق في التاريخ وتسجيل مواقف أهل جبل العرب من الإحتلال، ولكن الجميع يعلم أنهم لا يقبلون الظلم ولا يرضون بالذّل ولا الهوان وقد عرضت عليهم في السابق دولة وكسروا حاجز تلك الدولة وقالوا سورية هي الوطن ولن نساوم عليها.
قد يكون هذا الاختبار الأقسى الذي تعرضت له المدينة أمس ولكنه لن يكون الأخير، فالواضح أن الولايات المتحدة الأميركية و«إسرئيل» تريدان المحاولة مرة أخرى. فقد نشرت الخارجية الأميركية بياناً صحافياً على لسان «مدير مكتب العلاقات الصحافية، وزارة الخارجية الأميركية جيف راثكي في 12 حزيران الجاري تدين فيه الهجوم الذي قامت به »جبهة النصرة» على قرية درزية في محافظة إدلب». ما أدى بحسب التقارير إلى مقتل 20 شخصاً. وعلى النقيض من الإدعاءات الأخيرة لقائد «جبهة النصرة» المدعو الجولاني بأن الجبهة لن تلحق الأذى بالأقليات الدينية برهنت هذه الجماعة الإرهابية مرة أخرى أنها مستمرة في ارتكاب مجموعة من الجرائم في حق الشعب السوري.
وهذا البيان الذي اكتشف أن «النصرة» هي جبهة إرهابية وهذا البيان قصد «جبهة النصرة» نفسها التي يعتبرها جنبلاط «ثوار سورية». وما يهم في بيان الخارجية الأميركية أنه بيان يغازل الدروز وكأنهم يريدون إرسال رسالة لهم بأننا نحن نحميكم ولكن تخلوا عن الدولة السورية ولا يوجد أي تفسير آخر له، لكن لا يعتقد أن الولايات المتحدة لا تدرك أن النصرة هم مرتزقة يقتلون من أجل القتل كما «داعش» أو جند الشام أو أي اسم آخر. ولكن الأكيد أن جبل العرب وعاصمته مدينة السويداء ردوا في معركة المطار على الجميع، واليوم على رغم الهدوء الحذر تعيش المدينة حياة طبيعية ويتابع الناس أعمالهم وحياتهم بانتظار محاولات جديدة قد تكون قريبة سيقدم عليها المسلحون. وهؤلاء يثيرون العطف عليهم اليوم لأن كل جهودهم الإعلامية والإعلانية وكل هذه المواقف عند لحظة النفير في الجبل، لا تساوي شيئاً فأهل جبل العرب أدرى بشعابه. وهم مؤمنون بسورية الوطن ويعلمون أن الوطن ليس مجرد مساحة يقفون عليها إنما هو باتساع حلمهم القديم الجديد بأن يعود كما كان قبل جريمة التقسيم بعد الثورة العربية الكبرى والتي أتت بالإنكليزي والفرنسي.