مواقف القوى المسيحية تدفع بالرئاسة من الشغور إلى الفراغ
هتاف دهام
يدخل صباح الأحد فخامة الشغور إلى قصر بعبدا، يحتلّ كرسي الرئاسة بعدما توافق عليه النواب لبضعة أشهر. أُقفل الباب الرئيسي للمجلس النيابي عند الثانية من بعد ظهر أمس. ولن يُفتح الباب الانتخابي مجدداً إلى حين نضوخ ثمرة التسوية الإقليمية التي ستأتي إلينا برئيس جمهورية جديد.
رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة الخامسة لانتخاب رئيس الجمهورية، لعدم اكتمال النصاب، وأعلن: «أنّ الجلسة مفتوحة حتى انتهاء ولاية الرئاسة وعندما يتوافر أي جديد سيوجه الدعوة فوراً لعقد جلسة». وأكد: «أنّ تحصين لبنان سياسياً يبدأ بإنجاز الاستحقاق الرئاسي ويستدعي رفع مستوى المسؤولية الوطنية لإنجاز الانتخاب وبدء عهد جديد».
تعلم القوى السياسية أن لا جديد في المدى المنظور. أعلنت «القوات اللبنانية» على لسان النائب جورج عدوان: «إننا لا نستطيع أن نأتي الى الجلسات ونشرّع وكأنّ رئيس الجمهورية موجود، إلا إذا تعرّض مسار المؤسسات لأيّ خطر، وهو باب شديد الاستثناء».
وتعقيباً أكدت مصادر نيابية في 8 آذار لـ«البناء» أنّ كلام عدوان يعني أنّ نواب القوات لن يحضروا الجلسة التشريعية في 27 أيار، إلا أنهم سيشاركون في الجلسات إذا استدعى الأمر تعديلاً دستورياً لانتخاب الرئيس، أو تعديلاً دستورياً للتمديد للمجلس النيابي.
وفي السياق، أكدت المصادر النيابية: «أنّ الشغور في موقع الرئاسة ليس بعبعاً ولا مطلباً لها، لكن المهم أن لا يسيّس هذا الشغور. ويقاطع المسيحيون المجلس النيابي ومجلس الوزراء، لأنّ من شأن ذلك أن يتحوّل إلى إشكالية سياسية، فيؤثر في العمل التشريعي وعمل مجلس الوزراء، وعندها يصبح الشغور فراغاً».
وشددت المصادر على: «أنّ حزب الله يرفض الفراغ، وهو قدم التنازلات الكثيرة واتسم سلوكه بالاعتدال في سبيل الوصول بالبلد إلى الاستقرار، ويهمّه أن تُجرى الانتخابات الرئاسية».
لا توافق قبل أيلول
إذاً، لا توافق إلا بعد الشغور. «توافق لن يبصر النور قبل شهر أيلول المقبل» كما يرجح النائب جان أوغاسبيان كما أفاد «البناء»، أي قبل أن ينجلي المشهد في الدول التي تشهد انتخابات رئاسية والتي هي في الأولوية عند الدول الغربية.
وعلى رغم التهويل لم تكن الصورة في المجلس سوداوية على الإطلاق. فأصحاب السعادة النواب ولا على بالهم بال. من مقهى إلى مقهى يتنقّلون «لا شغلة ولا عملة».
تسوية من الدرجة الألف
خرج الاستحقاق الرئاسي من لبنان فما باليد حيلة، ذاهبون إلى الفراغ، ومن بعده إلى تسوية من الدرجة الألف كما قال عدوان لـ«البناء».
ولما كان النائب «القواتي» الذي يعشق الكاميرات والإعلام يتحدث من غرفة الصحافيين، كانت النائب ستريدا جعجع تنتظره أن ينتهي للتكلم بدورها. انزعجت جعجع من حديث الصحافيين معها، طالبة منهم التوقف عن الكلام، فهي تريد الاستماع الى عدوان لتعرف ماذا تقول، لا تريد تكرار الكلام نفسه. إلا أنّ الأخير لم يترك للنائبة القواتية شيئاً إلا مهاجمة العماد ميشال عون واتهامها له بنسف المناصفة واتفاق الطائف بطرح المثالثة…!
كنعان وعدوان النموذج الصارخ للعلاقات المارونية
نسي عدوان أنّ ستريدا تتحدث. فتح حديثاً جانبياً لم يخلُ من الضحك مع أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان الذي ينتظر دوره أيضاً للكلام والردّ على ستريدا. سأل كنعان عدوان: لو ترشح العماد عون، في وجه الدكتور جعجع، وسقط الرجلان في الدورة الأولى، فإن الرئيس المنتخب في الدورة الثانية لن يتعدّى حرف الميم من الميثاقية التي اتحفتنا بها، ليتدخل النائب انطوان زهرا ويقول: «عن جد كنعان وعدوان النموذج الصارخ للعلاقات المارونية، وأنا أعي ماذا أقول من دون ما حدا يفهم».
انتهت همروجة القوات عند باب غرفة الصحافة، بعد ان التقطت النائبة ستريدا الصور، وهي التي ارتدت الرمادي الغامق القريب من الأسود حداداً على سقوط زوجها في الانتخابات، بعدما كانت في الجلسة الأولى قد لبست اللون الأحمر، ليدقّ هاتف النائب زهرا فيجيب: «نحن بعدنا»، فتسأله جعجع: «مين الحكيم» فيقول لها لا. غادر «القواتيون» بهو المجلس فيما أكد النائب فادي كرم في إطار التنظير السياسي لـ«البناء»: «أنّ لبنان ليس جزيرة معزولة عن المنطقة، لكن علينا تكريس القوى الإقليمية لمصلحة لبنان، لا العكس». وفيما اعتبر كرم أنّ الديمقراطيين كانوا في القاعة العامة، وان اللاديمقراطيين تواجدوا في مكاتبهم ومنازلهم والمقاهي، فإن نواب المستقبل لم ينتظروا لحظات بعد رفع الجلسة، حتى انتقلوا إلى المقاهي المجاورة. فجلس كلّ من النواب هادي حبيش، خالد زهرمان، خضر حبيب، وجان اوغاسبيانن في l etoile. وحضر أيضاً النائبان مروان حمادة وانطوان سعد والمرشح هنري حلو.
فيما اختار نائبا التحرير والتنمية قاسم هاشم وميشال موسى مطعم كرم لتناول الغداء.
فولكلور جلسات الانتخاب
خلت الشوارع المحيطة بساحة النجمة بعيْد الثانية من أي إجراءات أمنية. اختفت القوى الأمنية من جيش ودرك من أمام المجلس. فتحت الطرقات المحيطة بعدما كانت أقفلت صباحاً.
استراح المرافقون من بدعة نزول النواب إلى ساحة النجمة كلّ اسبوع وانتظار سعادتهم في السيارات أو على أرصفة الطرقات الموازية، متلهّين بالقهوة والمناقيش والشاي بانتظار جرس الرئيس بري ليرفع الجلسة ليهمّ النواب بالمغادرة.
انتهى فولكلور جلسات الانتخاب. انتهى استعراض النواب كلّ اسبوع بين لوبي المجلس والساحات المحيطة به والمقاهي. انتهت اسئلة النواب عما قاله زملاؤهم في شأن الاستحقاق، للتسابق إعلامياً.
وكان قد دخل إلى القاعة العامة 75 نائباً هم 50 من فريق 14 آذار الذي غاب منه الى الرئيس سعد الحريري والنائب عقاب صقر، الوزيران نهاد المشنوق وميشال فرعون، 13 نائباً من كتلة التنمية والتحرير، و12 نائباً من المستقلين الذين غاب منهم النواب ميشال المر ونايلة التويني ونقولا فتوش وايلي عون ومحمد الصفدي.
فيما حضر إلى بهو المجلس 4 نواب من تكتل التغيير والاصلاح هم: كنعان وآلان عون ونبيل نقولا واسطفان الدويهي، والنائب عن الكتلة القومية مروان فارس، ونائب «البعث» قاسم هاشم، فيما غاب كلياً نواب كتلة الوفاء للمقاومة عن المجلس وبقوا في مكاتبهم في المبنى المجاور.
وشهد مكتب الرئيس بري اجتماعات عدة أبرزها لقاء رباعيّ ضمّ الى بري رئيس الحكومة تمام سلام والرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، تطرّق الى الوضع العام ومسار الاستحقاق الرئاسي وكيفية مواجهة الفراغ، كما التقى بري نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائب سمير الجسر، ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط ونائب رئيس الحكومة سمير مقبل. في موازاة ذلك دعا بري الى عقد جلسة تشريعية لاستكمال درس واقرار مشروعي القانون المتعلقين بسلسلة الرتب والرواتب في العاشرة والنصف من قبل ظهر الثلثاء في 27 أيار الجاري، نهاراً ومساء، إلا أنّ مصادره أكدت أنه في حال شعوره بأنّ الكتل المسيحية الوازنة لن تحضر الجلسة فلن يعقدها.