ماذا ينتظر قطاع غزة…؟
رامز مصطفى
«غزة برميل بارود قد ينفجر في أية لحظة» عبارة ردّدها أكثر من مسؤول ومرجع دولي، مطالبين بضرورة الإسراع في معالجة أزمات القطاع المتراكمة، منذ أن فرض الاحتلال «الإسرائيلي» حصاره الجائر وارتكابه المجازر والتدمير الممنهج خلال حروبه الثلاثة على القطاع، ومنع إعادة إعماره، تحت حجج أنّ القطاع بات يتهدّد ما يُسمّى بـ»أمنه القومي».
هل هذا وحده قد حول قطاع غزة إلى محجّ لهؤلاء المسؤولين في هذه المرحلة؟ من المؤكد أنّ الأمر ينطوي على أبعد من المعلن، وإنْ كان المعلن أيضاً لا يخفي نفسه، وهذه هي حال الوزير الألماني فرانك شتاينماير الذي صرّح في ختام الزيارة بالقول «التنمية مقابل الأمن».
وللعلم لم يأت الوزير الألماني وحيداً إلى غزة بل كان برفقته وفد مؤلف من 60 شخصاً من بينهم كما سُرّب ضباط أمن، وهو الذي قدم من أراضي السلطة المحتلة بعد لقائه رئيسها السيد محمود عباس، ومن لقاء ثانٍ جمعه إلى رئيس حكومة الكيان «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو. والمثير للانتباه أنّ الوزير الألماني لم يلتق أياً من قادة حماس التي رحبت بدورها بالزيارة، ولم يرافقه في المقابل أيّ من أعضاء حكومة التوافق الوطني، ليتبعه بعد أيام نيكولاي ملادينوف منسّق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط، ولكن زيارته اتسمت بالسرية.
كثيرة هي الأسئلة وعلامات الاستفهام التي طرحتها هذه الزيارات المتلاحقة لهؤلاء المسؤولين: ما سرّ هذا الحجيج؟ هل الأمر على علاقة بالأسرى الصهاينة الموجودين لدى حماس؟ أو الحديث عن ترتيبات من أجل تشييد ميناء ومطار؟ أم أنّ المجتمع الدولي تنبّه إلى حجم المخاطر والكوارث الإنسانية التي سبّبها ويسبّبها الاحتلال وعدوانه المتواصل على القطاع، ويريد وضع حدّ لهذه العدوانية «الإسرائيلية» المتمادية؟ أم أنّ هناك خطة دولية منسّقة إقليمياً، و»إسرائيل» ليست بعيدة عنها، من أجل عزل القطاع عما تشهده المنطقة من أحداث وتطورات خطيرة، لا تريد هذه الأطراف الدولية والإقليمية في جعل قطاع غزة بحسب اعتقادهم ورقة يمكن الإفادة منها في أية تطورات من خارج الحسابات؟ أم أن هذه الأطراف تعمل وفق رؤية تفضي إلى تشظي الوطن الفلسطيني في كانتونات؟ هل هناك ثمة رؤية يُعمل عليها من أجل استدراج حماس إلى منزلق التسوية والمفاوضات، ومقدّماته الحديث المرتفع عن هدنة أو تهدئة طويلة الأمد؟ أم كما يتمّ تسريبه، قد تكون كلّ هذه الأسئلة مجتمعة، إلاّ أنها من خارج صحوة ضمير المجتمع الدولي، والعمل على وضع حدّ للعدوانية التي تمارسها «إسرائيل» بحق شعبنا تدميراً وقتلاً وتشريداً وحصاراً. وهي بالتأكيد تبحث في مسائل جوهرية، وذات حساسية بالغة، قائمة على أساس ضمان ما يُسمّى بالمصالح العليا للكيان وأمنه.
وفي العودة إلى معادلة «التنمية مقابل الأمن»، التي أطلقها الوزير الألماني وهو الذي طالب أيضاً باحتواء «برميل بارود غزة»، هذه المعادلة قد تمّ تبنّيها في الأساس من قبل الاتحاد الأوربي، والتي لطالما عمل عليها ولأجلها رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، عراب مقاربة «الاقتصاد مقابل الأمن»، بدل «الأرض مقابل السلام». وبمعنى أوضح، وهو كلام موجه إلى الفلسطينيين في قطاع غزة قبل «الإسرائيليين»، أنكم إذا أردتم فك الحصار، وفتح المعابر، وإعادة الإعمار، وإنشاء ميناء ومطار ومشاريع إنمائية، ومساعدات اقتصادية واستثمارات تدخل القطاع، فإنّ ممرّها الوحيد هو أمن «إسرائيل»، من خلال آليات واضحة تتمثل في إنهاء المقاومة والتخلص من سلاحها، وفك الشراكة مع الخيارات والمحاور السياسية في المنطقة، والذهاب مباشرة نحو خيارات سياسية تتوافق وجهود «عملية السلام، والمفاوضات». وهذا ليس بعيداً عن خطة «سيري» لإعادة بناء القطاع، وتوصياته بشأن الأوضاع في القطاع.
المؤكد أنّ هذه الوفود ومن يقف وراء إرسالها، تمارس سياسة مدّ الجزرة لأهلنا في غزة، الذين يعانون من بطالة مستفحلة، بيّنت آخر إحصائية أنّ نسبتها ارتفعت إلى 60 بالمائة، والأخطر من ذلك أيضاً أنّ نسبة من يودّون الهجرة من غزة بلغت 45 50 بالمائة، وهم بذلك يحاولون التأثير على الرأي العام في قطاع غزة، من خلال سلة المحفزات هذه، ودفعه نحو رفع الصوت في وجه القوى السياسية، وتحديداً في وجه حركة حماس كونها تمسك بكلّ مفاصل القطاع، بل والسعي للإيقاع بين الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والإسلامية، على اعتبار أنّ الفصائل في مجموعها تعجز عن إيجاد الحلول للمعضلات والمشكلات التي يعاني منها شعبنا في غزة، ليس لأنّ الفصائل لا ترغب أو تتخلف عن أداء دورها، بل لأنها محاصرة شأنها شأن أهلنا في القطاع.
واللافت أنّ ردود الفصائل أو تعليقها على تلك الزيارات، وما سرّبته وسائل الإعلام، وتحديداً حركة حماس المعنية والمطالبة مباشرة في توضيح ملابسات وأهداف هذه الزيارات، لم ترتق تلك الردود إلى مستوى مصارحة الرأي العام الفلسطيني، وخاصة الشعب الفلسطيني الذي أصبح يدور في دوامة هذه التسريبات، بل وأسيراً لها. وما تركيز وسائل الإعلام في الكيان على أهمية هذه الزيارات وما تحمله من أخبار عن قرب التوصل إلى هدنة طويلة الأمد، وقد وصلت إلى حدّ القول إنّ اللمسات الأخيرة توضع على مسودة هذا الاتفاق مقابل سلة المحفزات، بل ذهب عدد من قادة الكيان إلى حدّ المطالبة صراحة بالاتفاق مع حركة حماس بشأن ترتيبات طويلة الأمد بما يتعلق بقطاع غزة.
كلّ ما سلف بحاجة إلى ردود ومواقف حتى الآن هي دون المطلوب وخجولة، مما يدفع الكثيرين إلى وضع علامات الاستفهام على يدور في الغرف المغلقة سواء في غزة أو في العواصم البعيدة، والملاحظ أنّ منسوب التراشق السياسي والإعلام والاتهامات المتبادلة بين حماس من جهة والسلطة وفتح من جهة أخرى، أعلى بكثير من الاهتمام في تفنيد مخاطر الزيارات المكوكية لتلك الوفود، التي لم يفلح أصحابها، ومع كثرة مشاهد الموت والدمار والفقر والحرمان وتحوّل القطاع إلى سجن كبير لشعبنا بسبب الحصار والإغلاق المتواصل لمعبر رفح. لم تفلح في أن يتمكن المجتمع الدولي في إدانة جرائم الاحتلال ومرتكبيها، بل انّ أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون رفض وضع «إسرائيل» على قائمة اللائحة السوداء في قتلها للأطفال الفلسطينيين. وعلى عكس المأمول فهو يسعى، أيّ المجتمع الدولي جاهداً إلى إدانة الضحية، واتهام قوى المقاومة أنها هي من استخدمت ناسها دروعاً بشرية، وتسبّبت في مقتلهم.
وأخيراً وبعد المئة… المطلوب المسارعة إلى الكشف عن حقيقة هذه الزيارات وأهدافها، التي وصلت إلى حدّ القول إنّ خطة باتت جاهزة وهي في عهدة أطراف عديدة، تحت مُسمّى «إعادة تخطيط القطاع»، وفق نقاط، منها تغيير اسم القطاع ليصبح «ساحل فلسطين»، والميناء يتمّ تشييده عند نقطة التقاء حدود القطاع الشمالية مع البحر، ونقل المراكز العلمية والبحثية والجامعات والمؤسسات المدنية إلى أطراف القطاع الشرقية تحت عنوان تخفيف الاكتظاظ، وتشييد سكة حديد وطريق دولي سريع يربط الكيان مع مصر، ويستفيد القطاع من خدماته عند حدوده الشرقية. وعليه فماذا ينتظر قطاع غزة؟ الأيام الآتية تكشف المستور.