هل ينجح سامي الجميّل بين تسونامي «التيار» ودلال «القوات» في 14 آذار؟

هتاف دهام

يحاول حزب «الكتائب» إعادة الاعتبار لنفسه، فهو يعيش في مأزق، وفي حالة غير مستقرة ضمن قوى 14 آذار بسبب طغيان وأرجحية رئيس حزب «القوات» سمير جعجع لدى هذا الفريق على حسابه.

يواجه الكتائب ثلاثة خيارات: خيار المشروع الذي يمثله حزب الله، الخيار النقيض الذي يمثله الرئيس سعد الحريري، والخيار اللبناني الصرف الذي هو خيار انتقائي.

ليس من السهل على حزب الكتائب ان يلتحق بمحور حزب الله. الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لا يستبدل العلاقة الوجودية بين الحزب والتيار الوطني الحر بأيّ علاقة مع أيّ مكوّن مسيحي آخر، ولا يتخلى عن القطب المسيحي الأقوى العماد ميشال عون.

يعتبر حزب الكتائب أحد مكونات 14 آذار، إلا أنّ الرئيس الحالي لحزب الكتائب النائب سامي الجميّل لا يحظى داخل هذا الفريق بالموقع الذي يطمح إليه. الكيمياء الكتائبية – الحريرية مفقودة منذ تأسيس «ثورة الأرز»، وليست واردة في الوقت الراهن، هذا فضلاً عن أنّ رئيس حزب القوات سمير جعجع يبني علاقات متينة مع السعودية تجاوز فيها الرئيس الحريري بذاته.

أزمة حزب الكتائب أنه يعيش عقدة القوات اللبنانية. يتنافسان على نفس القواعد داخل الساحة المسيحية. مهووس بالمزايدة المسيحية على القوات، مما ينعكس اضطراباً وأحياناً تصعيداً غير مبرّر وغير مفهوم في المواقف.

القاعدة الشعبية الكتائبية ليست الأولى وليست الثانية. ولا أحد من حلفاء العونيين والقواتيين سيضحّي بالقاعدتين الاولى والثانية. أما الخيار اللبناني يتطلب الانفتاح على حزب الله وتيار المستقبل، الا انّ مؤشر انفتاح سامي على حزب الله بشكل واضح وفي العلن غير متوفر، فهو لا يمتلك القدرة على الانفتاح.

يمثل النائب الجميّل حالة سياسية، فهو نائب في البرلمان وحالة قيادية داخل الكتائب. يملك مواهب قيادية إذا عرف ان يوظفها في خدمة الكتائب ومصلحة لبنان، وبإمكانه أن يكون رئيساً ناجحاً ومختلفاً عن بعض الذين سبقوه على رأس حزب الكتائب. ليس سامي الجميّل منير الحاج ولا كريم بقرادوني كما يقول الكتائبيون، ولذلك هو مدعو الى لعب دور آخر بالإضافة الى صفته النيابية. مسؤولياته كرئيس لحزب الكتائب تفرض التعاطي بانفتاح مع سائر الأحزاب والقوى السياسية، وأفضل ما يمكن أن يقوم به هو الخروج من محور ضيّق إلى ساحة وطنية فسيحة تتسع للجميع بعيداً عن صفة التطرف. فإذا أراد أن يتصرف كرئيس حزب كما كان يتصرف في السابق يعني أنه سيتابع مساره الانحداري.

فرصُ سامي الجميّل للنجاح محدودة، في ظلّ الحصار البرتقالي من جهة والقواتي من جهة أخرى، فضلاً عن غياب القوة الإقليمية الوازنة التي تعتمده كورقة أولية في لبنان.

يليق بسامي الجميّل دور»الفارس» الذي يتعامل مع الآخرين بقيم الفروسية، لكن السباق على الزعامة المسيحية في فريق 14 آذار بينه وبين جعجع كان السبب الأول وراء هجومه وتصويبه على حزب الله وسلاحه والمقاومة بكلّ ما تمثل وتحالفات المقاومة والدور الذي تقوم به في مواجهة الإرهاب. واذا استمرّ في حالة المزايدة على الساحة المسيحية، وبقي متمسّكاً ببعض المقولات الشعارية الفضفاضة قرار الحرب والسلم بيد الدولة، والحياد سيكون قد ارتكب خطأ فادحاً بحق نفسه وبحق حزب الكتائب المهمّش في 14 آذار، لا سيما أنّ القوات اللبنانية خفضت من خطابها الهجومي ضدّ حزب الله من نحو ستة أشهر.

يضاعف سامي عوامل ضعفه بالتصريحات الإعلامية التصعيدية ضدّ حزب الله. الشارع المسيحي انقلب 180 درجة، وبات ينظر الى حزب الله كعامل طمأنينة، منذ بداية الأزمة السورية، بعدما كان بعضه ينظر إليه كعامل خوف، وتحوّلت المقاومة في نظر المسيحيين لا سيما في البقاع الشمالي وطرابلس وعكار الى خط دفاع عن المسيحيين في وجه المدّ التكفيري.

لم يأت سامي الجميّل الى رئاسة الكتائب من إجماع كتائبي أو اختيار ديمقراطي حر. ما جرى عملية توريث داخل آل الجميل، أو لحزب العائلة، الذي حاول الرئيس الراحل للكتائب جورج سعادة ان يلغيه، ورفع شعار «نقل حزب الكتائب من المؤسّس الى المؤسّسة».

يدرك سامي الجميّل أنّ داخل حزب الكتائب يوجد الكثير من الأصوات المعارضة له ولسياسته المتطرفة الا أنه يعتبرها علامة جيدة ودليل على الديمقراطية في «الكتائب» التي تدحضها نتيجة 339 صوتاً له مقابل 37 للصحافي بيار عطا لله. ولعلّ النائب نديم الجميّل هو أكثر من عبّر عن الصعوبات الكبيرة التي تنتظر ابن عمّه سامي، بقوله بعد الإدلاء بصوته: «إنّ أمام الرئيس الجديد للحزب أربع سنوات من العمل والجهد، ليثبت أنه أهل للمسؤولية»، الأمر الذي اعتبره متابعون بمثابة إعلان ترشيح نفسه لرئاسة حزب الكتائب في الدورة المقبلة.

إنّ ممارسة أسلوب القائد لحزب سياسي عريق، تتطلب وفق الكتائبيين المعارضين لسامي أن يخرج من المزايدات وأن يبتعد عن الأسلوب النيابي والأسلوب الطامح الى زعامة المسيحية. يلاحظ هؤلاء أنّ تصريحات سامي ومؤتمراته الصحافية لا تأتي على ذكر «إسرائيل»، أو أنّ عدوا وجودياً يتهدّد لبنان، فهذا الخطاب بحسب المعارضين له قد تبدّل من نظرة حزب الله اليه، لا سيما انه لا يفوّت فرصة الا وينتقد الحزب وسلاحه، على عكس والده الذي يبقي هامشاً من المرونة، ربما بسبب تجربته في الحياة السياسية فهو يتحكم بمواقفه أكثر مما يستطيع سامي، ذو التجربة المحدودة في هذا المجال.

حاول الجميّل الاب عندما كان رئيساً للجمهورية ان يربح الجميع، على رغم التناقضات التي كان من الصعب الجمع بينها في خلال رئاسته للجمهورية 1982 ـ 1988، فهو زار سورية أكثر من عشر مرات وعقد اللقاءات والمحادثات، وبعد عودته من «المنفى» الى المعترك السياسي الى لبنان بقي عند الجميّل الطموح الى رئاسة الجمهورية مجدّداً، وربما هذا الطموح الذي لا يزال سارياً ساعده في أن يكون أكثر مرونة في التفاهم مع الآخرين، وبصورة خاصة مع حزب الله، والحالة المأسوية الصعبة التي عاشها جراء اغتيال نجله بيار، لم تمنعه من القيام بزيارة للسيد نصر الله بعد اتصال الأخير به معزياً، بغضّ النظر عن انّ اللقاء سادته أجواء انسانية لا سيما أنّ كلاً منهما فقد بكرَه في ظروف صعبة، ولو حدث هذا الامر اليوم، لكان ردّ فعل سامي مختلفاً تماماً عن الرئيس الجميّل.

لا يزال الرئيس السابق للكتائب يظهر حرصاً على استمرار الحوار مع حزب الله، ويعتبره ضرورة لأسباب استراتيجية ووطنية، في حين انّ الرئيس الجديد للكتائب وبعد انتخابه بيومين أعرب عن رغبته في الجلوس مع حزب الله من أجل الحوار، مؤكداً أنّه «من غير الممكن بناء لبنان من دون الطائفة الشيعية التي تتضامن مع حزب الله»، بعدما كان أكثر تشدّداً وربما تردّداً في الإعلام.

اذن، الحوار بين الكتائب وحزب الله مستمرّ، لكنه لا يسير بوتيرة منتظمة إنما بوتيرة متقطعة، فأفق التفاهم في الملفات الكبرى غير متيسّر. في الملف الرئاسي. لم يحصل الرئيس الجميّل على تأييد حزب الله كمرشح توافقي وحارة حريك تدعم مقولة إنّ الرئيس القوي لا يمثله إلا العماد عون، ومتمسكة به كمرشح للرئاسة الأولى. كما انّ هناك اضطراباً في مواقف وزراء ونواب ومسؤولي الكتائب على رغم تمايزهم عن 14 آذار، وهذا الاضطراب أثر على مسار الحوار لكن على رغم من ذلك استمرّت الجلسات بين النائب إيلي ماروني والنائب علي فياض بصورة متباعدة وكلما دعت الحاجة، وبين الوقت والآخر كان حزب الكتائب يطلق تصريحات نارية أو مواقف متناقضة مع موجبات الحوار. ففي الوقت الذي ينتقد حزب الكتائب تدخل ومشاركة حزب الله الى جانب الجيش السوري في الحرب ضدّ التكفيريين الارهابيين، فإنّ القاعدة الشعبية الكتائبية لا سيما في البقاع الشمالي ومواقف مسؤوليه البعيدة عن الإعلام تتفهّم هذا الدور إلى أبعد الحدود.

حشر حوار التيار الوطني الحر مع القوات اللبنانية حزب الكتائب في زاوية ضيقة، القوتان المسيحيتان الأساسيتان ذهبتا بعيداً في الحوار، مما شكل تهميشاً للكتائب وتضييق المساحة التي يتحرك عليها أكثر مما هي ضيقة. وربما هذا ما دفع الرئيس الجميّل إلى انتقاد حوار عون – جعجع بقوله «إنّ أيّ حوار لا يؤدّي الى انتخاب رئيس الجمهورية لا قيمة له. المفتاح هو انتخاب الرئيس».

الكتائب… حزب المؤسّس لا المؤسّسة!

أبصر حزب الكتائب النور في عام 1936 على يد بيار الجميّل المؤسس، بعد زيارة قام بها إلى إيطاليا في بداية العهد الفاشي، حيث تأثر بالميليشيات الفاشستية لبنيتو موسوليني .

عاد الجميّل الى لبنان وأسّس حزب الكتائب واتخذ شعاراً له «الله، الوطن، العائلة، في مرحلة كان لبنان يشهد خلالها صراعات بين خيارات الاستعمار، الوحدة العربية، والأمة السورية.

شارك عدد من رجالات الفكر في تلك الحقبة كـ ألفرد نقاش، شارل حلو الرئيس المؤسس لـ«الكتائب»، التنظيم الأولي للحزب. أسّس المكتب السياسي من 12 عضواً، 7 دائمين على اعتبارهم مؤسّسين و6 منتخبين. استمرّ الأعضاء الدائمون في مواقعهم من عام 1936 حتى عام 1964 الذي شهد انضمام إدمون رزق ورشاد سلامة الى المكتب السياسي، بعد وفاة عضوين دائمين، ليُدخل في مرحلة لاحقة بعض التعديلات على نظام الحزب بإصدار قرار بأحقية النواب والوزراء أن يكونوا أعضاء في المكتب السياسي.

يروي الكتائبيون انّ حزب الكتائب لعب دوراً رئيساً إلى جانب حزب النجادة ضدّ الإنتداب الفرنسي، خصوصًا بعد محاولة حلّ الحزب في العام 1937. اتخذ حزب الكتائب الطابع العسكري في العام 1958 في مواجهة الناصرية والحركة القومية العربية.

بعد انتهاء الحرب. عُيّن الجميّل وزيراً في 21 حكومة متعاقبة، بحقائب مختلفة، ونائبًا في المجلس اللبناني الذي استمرعضوًا فيه حتى مماته. وفي 15 نيسان 1951، أصبح للكتائب ثلاثة نواب في المجلس النيابي هم جان سكاف عن البقاع وألبير الحاج في عكار وجوزف شادر في بيروت، لكن سرعان ما فصل النائب الحاج من الحزب لعدم تقيّده بتوجيهات الحزب في منح الثقة للحكومة.

وقد شغلت الكتائب في نهاية الستينيات تسعة مقاعد نيابية مشكّلة أكبر كتلة، وكانت علاقة الجميّل الجيدة بالرئيس فؤاد شهاب ومؤسّس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط، السبب الأول وراء ذلك.

في عام 1962 بدأت عمليات الفداء الفلسطيني، وبدأت المجموعات الفلسطينية تأخذ أشكالاً منظمة في لبنان، علق الرئيس سليمان فرنجية عمل المكتب الثاني في الجيش اللبناني، ثم وقعت أحداث صدامية بين الجيش اللبناني والفلسطينيين في عام 1973، لينتهي الأمر بتفاقم الأوضاع في عام 1975 واندلاع الحرب الأهلية التي شارك فيها حزب الكتائب وأخذت مشاركته طابعاً ميليشياوياً، لتتحوّل في ما بعد إلى إطار عسكري آخر تحت اسم «القوات اللبنانية» التي جمعت الأجنحة العسكرية للأحزاب التي كانت منضوية في ما سُمّيَ آنذاك «الجبهة اللبنانية»، وقد لعبت «القوات» أدواراً سيئة منذ بدايتها، خصوصاً برئاسة بشير الجميّل، وفي مراحل قيادة سمير جعجع.

كانت «إسرائيل» في الحرب الأهلية غير بعيدة عن حزب الكتائب الذي مثّل في أكثر من مرحلة، مصالح العدوّ «الإسرائيلي» الذي لم يكن غائباً يوماً واحداً عن الحرب الأهليّة منذ 1975 إلى كلّ السنوات التي تلت.

رحّب حزب الكتائب ومعه أحزاب «الجبهة اللبنانية» بالدخول السوري إلى لبنان عام 1976، لكن الأمر لم يلبث أن تحوّل إلى عداء بين الجانبين، لا سيما بعدما بدأ دور «القوات» برئاسة بشير الجميّل يتوسّع على حساب «الكتائب»، وبدعم واضح من العدو «الإسرائيلي».

حاول الرئيس الياس سركيس في تلك الحقبة جمع كمال جنبلاط وبيار الجميّل اللذين اختلفا حول الدخول السوري، فسركيس كان يظن انّ اللقاء بينهما قد يشكل بداية جيدة لعهده في ظلّ الاضطراب الأمني، الا انّ اللقاء لم يحصل نظراً للتطورات التي حصلت، والتي أعقبها مقتل كمال جنبلاط في عام 1977.

وفي عام 1976 وبعد وفاة وليم حاوي تولى بشير الجميّل القيادة العسكرية لمليشيات حزب الكتائب، وفي العام نفسه فرزت الكتائب قواتها العسكرية لتؤسّس القوات اللبنانية بقيادته وضمّ جميع الميليشيات المسيحية تحت لوائها من «كتائب» و«نمور الأحرار» و«حراس الارز» وغيرها من المجموعات الصغيرة في الأحياء . وفي عام 1982، لم يكن بيار الجميّل وفق الكتائبيين محبّذاً ولا متحمّساً للدور «الإسرائيلي» في لبنان، لكنه كان يعتبر أنه اصبح امراً واقعاً على المستوى السياسي.

ويعتبر الكتائبيون أنّ القوات التي تحوّلت إلى الذراع الميليشياوي لـ«إسرائيل» هي التي دفعت الكتائب الى الحالة «الاسرائيلية»، واستمرّت على هذا النحو إلى حين وفاة بيار الجميّل عام 1984، علماً أنّ الوقائع التاريخية تفيد بانّ علاقة حزب الكتائب ومؤسّسه قديمة وسابقة على نشوء «القوات»، وهذا ما تثبته أكثر من وثيقة لعلّ أكثرها وضوحاً ما أورده الكتائبي العتيق جوزيف أبو خليل النائب الأول لرئيس حزب الكتائب حالياً في كتابه «قصة الموارنة في الحرب».

بعد مقتل بشير، تابع الرئيس أمين الجميّل المسار نفسه مع «الاسرائيليين» وعقد معهم في عام 1983 اتفاق السابع عشر من أيار، غير أنّ المقاومة الوطنية اللبنانية وبدعم شعبي كبير قامت بانتفاضة 6 شباط عام 1984 وأطاحت باتفاق 17 آيارالذي كان سيحوّل لبنان إلى مستعمرة «إسرائيلية».

تقلص دور الكتائب تدريجياً مع وفاة مؤسّسه وتراجع تأثيره لحساب تنامي دور «القوات»، ثم شهد عدة انقسامات في فترة ما بعد الحرب الأهلية.

ناب الدكتور ايلي كرامة عن الرئيس المؤسّس بصفته نائبًا عنه ومستشاره الأول، في ترؤس الاجتماعات الخاصة بالحزب وقيادته. وقيل يومذاك إنّ الجميّل هو من أوصى انّ يكون كرامة خلفًا له على رأس الحزب.

في هذه الفترة قاد إيلي حبيقة وسمير جعجع وكريم بقرادوني انتفاضة على الرئيس أمين الجميّل واجتاحت قواتهم معظم أرجاء المنطقة الشرقية باستثناء إقليم المتن والبيت المركزي الكتائبي.

وعند توقيع الاتفاق الثلاثي، رفض كرامة الموافقة عليه، ولاحقاً حصل تفاهم بين حزب الكتائب برئاسة كرامة ورئيس الجمهورية أمين الجميّل وقائد القوات سمير جعجع، فتمّ الانقلاب على الاتفاق الثلاثي وعلى إيلي حبيقة في 15 كانون الثاني 1986.

لكن الخلاف سرعان ما وقع بين جعجع وكرامة الذي رفض أن يتولى العسكريون سلطة تسيير الحزب، والهيمنة على مجلس الأمن الكتائبي.

وخلال انتخابات رئاسة حزب الكتائب في 16 حزيران 1986. حصل اتفاق بين الرئيس الجميّل وجعجع على تأييد جورج سعادة لرئاسة الحزب في وجه كرامة الذي شكل تكتلاً قيادياً كتائبياً مناهضاً ضمّ أنطوان معربس وأنطوان جذار وشاكر عون، رافضاً الاعتراف بشرعية القيادة الكتائبية التي يرأسها سعادة.

بعد خوضه معركة ضدّ كرامة الذي بقي رئيساً للحزب مدة سنتين. خاض سعادة الذي كان مقيّد اليدين من قبل جعجع لمدة ست سنوات معركة انتخابية ثانية ضدّه ونجح بفارق صوتين. ورفع شعار نقل حزب الكتائب من المؤسّس الى المؤسّسة. قرّر جمع الكتائب من جديد. ليشهد الحزب في عهده علاقات جيّدة مع السوريين، فالمؤتمر التاسع عشر الذي انعقد في عهده تحت شعار إرادة الكتائبيين مصدر كلّ السلطات في الحزب، أصدر مقرّرات كان أبرزها:

منع ازدواجية الانتماء الى القوات اللبنانية والكتائب، إما ان يكون الانتماء الى الكتائب وإما أن يكون إلى القوات.

«إسرائيل» هي العدو وسورية هي البلد الجار والصديق والشقيق.

يعتبر بعض الكتائبيين أنّ المؤتمر التاسع عشر هو تاريخ مفصلي لحزب الكتائب. أوضح الرؤية ونظف اليد من اللوثة «الاسرائيلية»، وقرّر السير بسياسة وطنية واضحة متوافقة مع معظم الحالة السياسية في البلد. الا أنّ هذه البنية الصحيحة لم يستطع حزب الكتائب ان يستفيد منها بقدر طموحاته وتمنياته.

توفي جورج سعادة فجأة في تشرين الثاني 1998، فاجتمع المكتب السياسي الكتائبي وانتخب منير الحاج رئيساً له لسنة واحدة، الا انّ عهده لم يكن ناجحاً، ما استدعى اجتماعاً للمكتب الساسي، واتخاذ القرار بتقصير ولايته.

في عام 2001 انتخب كريم بقرادوني رئيساً للحزب لكن بقرادوني ما لبث أن دخل في نزاع مع الرئيس الجميّل حول رئاسة الحزب، انتهى بتولي الأخير منصب الرئيس الأعلى، وهي صيغة اعتمدت عام 1936 عندما كان الحزب منظمة شبه عسكريّة، وألغيت عام 1949 عندما تحوّلت المنظمة العسكريّة إلى حزب، وبقاء بقرادوني في موقع الرئيس. معلناً «أنّ الحزب يحتاج الى الخروج من دائرة الزعامات التاريخية وأنّ حزب الكتائب»ليس ملكاً لشخص واحد».

انتهج حزب الكتائب في عهد بقرادوني سياسة الانفتاح اتجاه العديد من القوى السياسية التي كان الكتائب على خصومة معها في العهود السابقة، لا سيما حزب الله وحركة أمل والاحزاب الوطنية الأخرى، لتتبدّل اللغة الكتائبية حيال حزب الله والوجود السوري في لبنان، بإعلان بقرادوني «أنّ المطالبة بانسحاب سورية من لبنان هو عمل أحمق، فهي دخلت لبنان لأسباب اقليمية ولن تغادره لأسباب لبنانية، ومعالجة ملف حزب الله تتطلب الكثير من الروية والحكمة، مع الأخذ في الاعتبار التوازنات الإقليمية، فهذا الملف ليس معزولاً عما يدور من حوله».

في هذا الوقت كان النائب الراحل بيار أمين الجميّل ينشط في العمل الحزبي، فترأس الحركة الإصلاحية الكتائبية، ثم أخذ يزخّم نشاطاته الحزبية جنباً الى جنب مع والده حتى تقرّر عقد مؤتمر للحزب في فندق «ريجنسي بالاس» في أدما تشرين الثاني 2005، وهو المؤتمر الذي كرّس المصالحة الكتائبية وانتخب الجميّل رئيساً أعلى للحزب، مع بقاء بقرادوني رئيساً للحزب.

يقول الكتائبيون إنّ بيار الجميل الحفيد عرف كيف يجمع بين «العصب المسيحي والعقيدة اللبنانية»، وكيف يوحد الأصوات المتعدّدة داخل الحزب، فهو كان ينادي بـ«دولة للجميع، عادلة لجميع اللبنانيين، تكون لخدمة المواطن ومؤازرته وفتح آفاق مستقبلية للشباب، وأنه وصل في عمله ليشكل خطراً على رئيس القوات. في تلك الحقبة كان سامي يغرّد خارج سرب الكتائب، أسّس حركة «لبناننا» نتيجة اعتراضه على المصالحة بين الرئيس الجميّل مع بقرادوني وتعبيراً عن نظرته الى النظام اللبناني القائم على الفيدرالية والعداء لحزب الله وسورية.

توفي بيار في 2005، عاد سامي الى الكتائب، بعد مفاوضات مع والده استمرّت أكثر من خمسة أشهر، نجح على اثرها في تعديل النظام الداخلي للكتائب في مؤتمر الحزب في 27 كانون الأول 2007، الذي أطلق يده إطلاقاً كاملاً في إدارة شؤون الحزب، من دون ان يتبنّى «الكتائب طلبه للفدرالية، أو أن يخرج من 14 آذار التي تعطي الأولوية لـ«معراب» على حساب «الصيفي»، حتى أنّ التطرف في المواقف من حزب الله كانت تختلف بين الابن والاب لاعتبارات سياسية ورئاسية. فالرئيس الجميّل يطمح للعودة الى قصر بعبدا وبلوغ مرتبة المرشح الرئاسي بصفة توافقية، فهو قدّم تنازلات هنا وهناك. زار عواصم القرار المعنية بقضايا الشرق الأوسط، تقرّب من الإيرانيين ظناً منه انهم قد يضغطون على حزب الله للقبول به مرشحاً توافقياً، على اعتبار أنّ ورقة جعجع محروقة عند فريق 8 آذار وورقة العماد عون أحرقتها السعودية، وانّ انهاء الفراغ الرئاسي لن يكون الا بمرشح توافقي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى