ذوو القربى

روزانا رمّال

عنوة عن كلّ بلدان العالم الديمقراطي لبنان وحده البلد الذي يقطن فيه شعب يخاف على مستقبله وتخاف طوائفه على مستقبلها، وهو الشعب الذي يعيش هاجس الأقلوية المشرقية بمختلف طوائفه. فالشيعة فيه الذين يبدون العدد الأكبر من أصل السكان المسلمين هم أقلية في العالم العربي السني بمجمله، أما الموارنة في لبنان فهم أقلية بين المسيحيين ليس فقط في الشرق إنما في كلّ هذا العالم، أما بالنسبة إلى الموحدين الدروز فالأمر الحاكم نفسه، وهم أقلية داخلية وإقليمية ودولية، هذا بالإضافة إلى الشعور الأرثوذكسي الأكثري في العالم بأقليته في لبنان حتى تصبح التركيبة برمّتها نظاماً أقلوياً بامتياز، ليست سوى تركيبة غريبة عن الجوار بطوائفه وتعداده، بالتالي لطالما تطلبت هذه الخصوصية تعاطياً خاصاً مع لبنان من قبل العرب والغرب.

فتح هذا القلق الأقلوي أبواب التدخلات على مصراعيها بين إبداء آراء ومشورة ودعم وشرعنتها كسند من المستقبل الآتي على البلاد الذي وللأسف حفظ اللبنانيون انه بالتأكيد «غير واعد»، أو «غير مضمون»، كنتيجة طبيعية تتوالى طبعاً مع عبارة القلق من المستقبل سلفاً.

إذ بفرنسا تتدخل لحماية المسيحيين اللبنانيين الأقلية في الشرق، تحمي وتطالب بحفظ حقوقهم وتتدخل في انتخاب رئيس الجمهورية غالباً، وفي أبرز الحقائب أو المناصب السياسية المسيحية، إضافة إلى تسهيل سفر المسيحيين إليها للعيش أو العمل فيها، وصولاً إلى تسهيل حصولهم على الجنسية الفرنسية، ومنهم من يستخدم اللغة الفرنسية كتقليد عائلي يتوالى.

وإذ بإيران تبدو الداعم الأكبر للشيعة في لبنان تحميهم من العدو «الإسرائيلي» وتسلحهم ولا تبخل لا بعتاد ولا بمال أو مشورة من أجل مساعدة المقاومة عسكرياً، إضافة إلى كونها الضامن الأساسي في الحياة السياسية الشيعية صاحبة المشورة والموقف المطلق عند أبرز مراجعهم السياسية، حتى أنها استطاعت أن تنتج اتفاقاً تاريخياً بين أبرز فصيلين شيعيّين متناحرين منذ زمن فباتوا مصيراً وقلباً واحداً اليوم هما حزب الله وحركة أمل.

أما السعودية التي ترعى السنة وتحديداً تيار المستقبل الذي يعرف انه ليس أقلية في المنطقة، إنما أدخل نفسه في قلق من نوع آخر، وهو مواجهة المدّ الشيعي في المنطقة من خلال الخلافات مع حزب الله، وغير ذلك من الخطوات التي توضع في إطار الترقب والقلق المصطنع والمدعوم خارجياً.

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة فهي لم تقرأ هذه التناقضات بالعين الأقلوية أو الأكثرية في لبنان، إنما تدخلت وتتدخل دائماً في تكتلات وحسابات استراتيجية بعيدة المدى، مستفيدة مما تمنحه تحالفات الأقليات في تنفيذ مشاريعها المطلوبة، فتدخل في الوقت المناسب لتقلب المعادلات وتحدث الفرق مع حفاظها على إرخاء مشاعر السند والدعم في مواجهة القلق الآتي إلى لبنان «دائماً».

أما عائلياً وفي البيوتات السياسية اللبنانية، حيث القلق من نوع آخر، فإنّ ما جرى طيلة عقود يرسم تساؤلات كثيرة حول توزيع السلطة بين أركان ورموز الطائفة نفسها، وفي البيت الطائفي الواحد في شكل نافر لا يمكن لديمقراطيات العالم القبول به كضرورة طبيعية لأنها باتت في لبنان تقليداً متبعاً.

عاش لبنان أكثر من تجربة تحكي هذا الواقع، فعندما كان الرئيس الراحل الياس الهراوي رئيساً للجمهورية تولى صهره فارس بويز منصب وزير خارجية لبنان، وعندما جاء الرئيس اميل لحّود رئيساً للجمهورية كان صهره آنذاك الياس المر نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية والبلديات.

النائب بهية الحريري كانت عضواً في البرلمان اللبناني في عهد أخيها الشهيد رفيق الحريري تصويتاً وانتخاباً واختياراً على لائحة الرئيس نبيه بري بسبب زعامة رفيق الحريري من دون مجاملات، حتى العماد ميشال عون وإنْ لم يكن رئيساً للجمهورية أو لم يصبح بعد، استطاع تعيين صهره جبران باسيل وزيراً عن التيار الوطني الحرّ في كلّ الحكومات منذ العام 2008 أكثر من مرة من دون أن يكون عون رئيساً في نفس المرحلة أو صاحب منصب يعتبر رأس الهرم في البلاد.

بالتالي فإنّ هذا التقليد أو المثال هو شائع في لبنان، هذا البلد الذي يحسب حسابات مختلفة للحاضر والمستقبل، ويتعاطى مع الماضي عامة كضرورات حكمت تلك المرحلة.

وحده العميد في الجيش اللبناني شامل روكز يدفع ضريبة قربه من العماد ميشال عون، مع العلم انه يعمل في السلك العسكري قبل أن تنشأ القرابة بينه وبين الأخير، ومن باب الإنصاف فإنّ كلّ من جيء بهم إلى مناصب لم يتدرّجوا في مهنتهم بل عيّنوا تعييناً بناء على صلة القربى والنسب، فقط في حالة العميد روكز هو من ذوي الاختصاص المشهود لهم، وليس فقط من ذوي القربى كما تحاول الإشارة والتلميح الحملات المتعمدة ضدّه، فهو كفوء جداً ولا يوجد من هو أفضل منه في السلك بتوافر الشروط التي تؤهّله لتسلّم قيادة الجيش اللبناني، باعتراف خصوم التيار أنفسهم، والاتفاق حول هذه الكفاءة هو واحد بطبيعة الحال. أما الواقع وبكل شفافية فإنّ العميد شامل روكز لا يدين في منصبه أو كفاءته ومناقبيته لعمّه العماد ميشال عون، وهو ما كان من الممكن أن يؤثر سلباً أكثر منه إيجاباً لجهة أن تكون هذه القربى تشجيعاً على الفساد وإغراء بالارتكاب قياساً على ما يفعله الأقارب عموماً أو التراخي أو عدم تقديم التضحيات على الطريقة اللبنانية، كونه قريباً منه أو قريباً من هذه الهالة أو الزعامة الكبيرة عند المسيحيين المتمثلة بالعماد ميشال عون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى