عودةٌ وعهدٌ

على درج ذلك البيت العتيق، وجد نفسه، جارّاً خطواته الثقيلة، خلف ذلك الشعور الغريب، وكأنّه يخشى ما ينتظر أن يراه.

ما أعتى شوقه والحنين!

ها قد وصل! وكأنه لا يدري. تسمّرت قدماه، وفي المكان ضاعت عيناه، وتشتّتت روحه بين حزنٍ غاضبٍ، وفرحٍ كاذب! فرح العودة! وأيّ عودةٍ؟ كلّ شيءٍ يبابٌ، وحده نعيق الغراب يملأ داخله، فيتناثر صمته الموحش، كلماتٍ هنا وهناك، يختلط صداها الكئيب بعبير تلك الياسمينة الذابلة… «ما زالت كما عهدتها، تسابق عطرها، وتحاول بلوغ النافذة، ها هي تقترب منها أكثر. لكنها هذه المرة غيرها قبل سنة!».

صورٌ وصورٌ مرّت في باله… فالدار شبه دار، والنافذة سوداء مشرّعة، إنما غبارٌ وانتظار، وفي الفناء بعض رسومٍ وكلماتٍ شبه ممحوّة، تحرّرت من علبةٍ زرقاء. ومن خلف دموعه المحترقة، تميّزت إحدى الرسومات، انحنى، تناولها، فإذ بأشكالٍ لم تستطع النار التهامها: خوذة جنديّ مقاومٍ، نسر، بندقية، وغصن زيتون تساقطت وريقاته إلا واحدة. أما الكلمات فأخذ يجمعها، وإذ به يقرأ: «حين يتكلّم الأبطال، يخرس الجبناء، والوطن الذي تصنعه دماء الشرفاء، تتعرّى فيه الخيانة ويُفضح الرياء! أحببتك حرّاً، وفي رحاب الحرية، أنتظر اللقاء…».

سحر عبد الخالق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى