البرادعي «الأيقونة» يقدّم نفسه وسيطاً أمميّاً في سورية بديلاً من الإبراهيمي

ماجدي البسيوني

ما إن خرج بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة على الملأ ليعلن استقالة الأخضر الإبراهيمي من منصبه كممثل شخصي ووسيط دولي في سورية، حتى سارع محمد البرادعي عبر شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» في أحدث «تويتاته» إلى القول «إنّ انسحاب الأخضر الابراهيمي من هذه المسؤولية الضخمة عار عليه، ولا يوجد عار أكبر من الانسحاب من المسؤوليات».

ترى ما الذي يعنيه البرادعي من وراء هذه الرسالة؟

هل يعني مجرّد التعليق فقط ولا يقصد من ورائه أيّ رسالة لجهة ما؟

إن كانت كلماته لا تعني سوى مضمونها الذي يؤمن به محمد البرادعي من أنّ الانسحاب من المسؤولية يمثل عاراً كبيراً على صاحبه، فما معنى انسحابه من منصب نائب رئيس الجمهورية الموقت وهو الذي كان مسؤولاً عن الشأن الخارجي المصري إبان ثورة 30 يونيو إثر تولي عدلي منصور رئاسة الجمهورية باعتباره رئيس المحكمة الدستورية بحكم الدستور وبحكم خريطة الطريق التي ارتضاها ما يزيد على 40 مليون مصري؟

محمد البرادعي الذي وصفه الأستاذ حمدين صباحي المرشح لرئاسة الجمهورية مراراً بأنه أيقونة الثورة المصرية ومفجّرها ـ على حد قوله ـ وصف الهرب من المسؤولية بأنه عار لا يوجد أكبر منه، فما كان من «الأيقونة»، على حد قول المرشح لرئاسة الجمهورية، إلّا أن وصف بعد هربه من مصر كلّ من تعاون معهم، وبينهم الأستاذ حمدين نفسه، بألفاظ يعف اللسان عن ذكرها لكنّها لا تبعد عن أغبى الحيوانات، كما بثّ في العديد من القنوات الفضائية صوتاً وصورة.

ما الذي أراده محمد البرادعي وقصده إذن من وصف الأخضر الإبراهيمي الذي آثر الاستقالة من موقعه كوسيط دولي معيّن من قبل الأمم المتحدة للأزمة في سورية؟

مع ملاحظة أنّ البرادعي في ما ذكره على «تويتر» لم يقترب ولم يذكر اعتذار الابراهيمي للشعب السوري لأنه لم ينجح في مهمته التي كانت واشنطن تريد له النجاح حسبما تريد وبالطريقة التي تريدها والنهاية التي تريدها أيضاً.

فماذا كان يريد أن يرسله محمد البرادعي ممّا كتبه واصفاً الابراهيمي بارتكاب العار الأكبر بانسحابه من هذه المهمة التي يعيها البرادعي ويعي المطلوب من القائم بها؟!

لم يكن الأخضر الوسيط الدولي الأول الذي قدم استقالته من المسؤولية نفسها، فقبله اعتذر المبعوث الأممي كوفي أنان، فبحسب ما صرّح آنذاك رفض ما كان يملى عليه من قبل الحلف الأميركي، لماذا لم يخرج محمد البرادعي يومذاك ليصف كوفي أنان بأنه ارتكب عاراً كبيراً؟ هل لأنه كان منشغلاً بترتيب ما طلب منه في مصر والآن صار خالي «شغل».

المؤكد أنّ محمد البرادعي، الذي ظلّ يصف ما يحدث في سورية بأنه «ثورة»، ولم يلتفت إلى حجم التخريب والتقتيل الذي حلّ بسورية، يدرك تماماً ما كانت تريده أميركا لسورية وما فشل فيه المبعوثان الأمميّان الأخضر الإبراهيمي وكوفي عنان رغم سرعة هرب الأخير كي لا ينهي تاريخه بما يريده الأميركيون. كما يدرك البرادعي نفسه كيف نجح في تحقيق ما طلب منه تحديداً في العراق ويدرك أنه قام بالدور خير قيام ونال من «تفانيه» وجهده أكبر جائزة عالمية «نوبل للسلام» في تشرين الأول 2005.

لم تكن الكلمات التي كتبها محمد البرادعي مجرد كلمات والسلام، بقدر ما هي رسالة إلى من في يده أمر الأمم المتحدة وتعني «أننا ها هنا جاهزون للمهمة» ظناً منه أنّ البيت الأبيض لا يزال له التأثير نفسه الذي كان وقت تنفيذ المخطط على العراق وحصارها على يد البرادعي نفسه الذي ظلّ على مدى ست سنوات يؤدي الدور المرسوم له في العراق.

تثبت الوثائق أن محمد البرادعي كان موظفاً أميركيّاً مثالياً، وحقق للولايات المتحدة جميع مطالبها لاحتواء العرب والمسلمين. استخدم سلطته كرئيس للوكالة الدولية للطاقة الذرية في إبقاء العراق تحت الحصار لأكثر من 13 عاماً، وهو من رفض الإعلان رسمياً عن خلوّ العراق من أسلحة الدمار الشامل، وظلّ حتى آخر يوم قبل العدوان الهمجي الذي شنته أميركا وحلفاؤها على الشعب العراقي يؤكد أن الحكومة العراقية لم تجب عن الأسئلة التي يطرحها. في تقاريره كلّها كان يعترف بعدم وجود أدلة، لكن في كل التقارير أيضاً كان يثير الاتهامات للحكومة العراقية بعدم التجاوب وعدم الرد على القضايا العالقة، وكان ينهيها بأنه سيواصل التفتيش.

محمد البرادعي نفسه أعد تقريراً عنوانه « Safeguards and Verification «اتهم فيه كل من إيران والعراق وسورية وكوريا الشمالية، وكذلك حشر فيه اسم مصر، فلعب البرادعي دوراً رئيسياً في التحريض ضدّ مصر لمنعها من دخول المجال النووي السلمي، ولم يكن يوماً مؤيداً للمشروع النووي المصري، رغم أنّ دولاً كثيرة بدأت تستخدم حقها المشروع لبناء محطات نووية للأغراض السلمية والأغراض الدفاعية، وله تصريحات عديدة مارس فيها الضغط على القيادة السياسية المصرية وتحريض الدول الغربية عليها. من تلك المزاعم أنّ مصر غير قادرة على بناء مفاعلات نووية لأنها تفتقر إلى الكوادر الفنية، وتارة أخرى يقول: إنها غير قادرة على تأمين المفاعلات لعجزها عن منع حوادث تصادم القطارات.

دور البرادعي في العراق سيظلّ الأكبر والأخطر، فهو الذي قدم إلى أميركا الغطاء السياسي والمبرّر مرتين. كلّ مرة مات بسبب تقاريره أكثر من مليون مواطن، وبسبب تقاريره فرض الحصار على العراق ثلاثة عشر عاماً، ومات بسبب هذا الحصار وفقاً للتقارير الدولية ما يزيد على مليون طفل عراقي. وفي المرة الثانية عندما رفض الإعلان عن نهاية المشروع النووي العراقي وأصرّ على مواصلة التفتيش ودعا دول العالم إلى الضغط على العراق، يتجاوب معه حدث الغزو الذي قضى فيه أكثر من مليون شخص.

القاسم المشترك في التقارير كلّها التي أرسلها البرادعي إلى مجلس الأمن منذ توليه رئاسة الوكالة لثلاث دورات متتالية مفادها: «لم نعثر على شيء حتى الآن لكننا سنواصل التفتيش». كان العراقيون ينتظرون تقريراً لم يصدر عن تدمير المشروع النووي تماماً منذ 1991 ووصول المشروع إلى نقطة الصفر، لكن أميركا أرادت أن يكون الحصار إلى الأبد. لم يرقّ قلب البرادعي لضحايا الحصار الظالم وظلّ يماطل ويماطل حتى عام 1998، عندما أصرّ مفتشو الوكالة – بشكل إنساني بعد تدهور الأوضاع في العراق بسبب الحصار الظالم – على تقديم التقرير النهائي لمجلس الأمن بتبرئة العراق لرفع الحصار، فقدمه بعدما أضاف إليه فقرات قال فيها: لا تزال هناك قضايا عالقة وأسئلة تحتاج إلى إجابة. وفي محاولة من أميركا لاحتواء مفتشي الوكالة كي لا يجاهروا بمواقفهم أسوة بهانز بليكس الذي تمرّد وفضح التدخل الأميركي في شؤون الوكالة وسعيها ليكون الحصار على العراق أبدياً، جمّدت أميركا التقرير في مجلس الأمن ومنع المناقشة فيه حتى بدأت تعدّ لضرب العراق عام 2003.

التزم البرادعي طوال خمس سنوات الصمت، ونفذ ما أرادته أميركا من إغلاق المناقشة واستمرار الحصار، إلى بداية عام 2003 إذ بدأ يوفر الغطاء بحماسة تامة لتحركات بوش العدوانية، وبدأ مشوار التفتيش من الصفر، وراح يصدر التقارير بالصيغة المراوغة المخادعة نفسها، معلناً أنه لم يعثر على ما يؤكد الاتهامات لكنه سيواصل التفتيش ويطالب المجتمع الدولي بالضغط على صدام حسين لكي يتعاون.

كانت الحرب على الأبواب، وبوش وجنوده يقرعون طبول الحرب، وكان واضحاً أنّ أميركا تحشد العالم لغزو العراق، لكن البرادعي دبّ فيه النشاط وقام بدوره على أكمل وجه، للتخديم على العدوان بإثارة الشكوك حول استئناف العراق لبرنامجه النووي، وأنه يواصل التفتيش لطمأنة المجتمع الدولي.

هكذا قال البرادعي، والجيوش الغربية تستعدّ لأكبر مذبحة عرفتها البشرية في العراق.

عندما كتب محمد البرادعي كلماته الأخيرة رداً على استقالة الأخضر الإبراهيمي من مؤكد أنه تذكر ما جاء في تقرير له بعد ضرب مبنى في دير الزور، مؤكداً فيه الاتهامات «الإسرائيلية» لسورية بأن المبني الذي دمرته «إسرائيل» في دير الزور في أيلول 2007 كان مصمّماً ليكون منشأة نووية وذكر العديد من المعلومات التي تؤكد الاتهامات «الإسرائيلية».

لا ضير في ذلك لو عرفنا أن علاقة البرادعي بالأميركيين بدأت مذ سافر للحصول على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، وارتباطه بعلاقة شخصية باليهودي هنري كيسنجر الذي كان عهدذاك مستشاراً للأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس نيكسون، ثم وزيراً للخارجية. وحصل البرادعي على شهادة الدكتوراه عام 1974. ومنذئذ بدأت علاقته المشبوهة بدوائر اتخاذ القرار في أميركا التي دعمته بعد ذلك للوصول إلى منصبه في وكالة الطاقة الذرية.

ممدوح حمزة، زميل الدكتور محمد البرادعي في «جبهة إنقاذ مصر»، قال حرفياً: «البرادعي عميل للأميركيين لأنه يريد أن تخضع مصر لأميركا، مثلما كان يحدث في نظام مبارك».

أثناء مناقشة مع بعض المواطنين في ميدان التحرير صُوّر حمزة من دون علمه أثناء معمعة الحوادث في مصر وقبل 30 حزيران 2013 قائلاً: «على الشعب المصري ألا ينتظر من البرادعي خيراً لأنه كان يتقاضي راتبه لمدة أكثر من 25 عاماً من الوكالة الدولية. ومن المعروف أن المسؤول عن تعيين موظفيها هم الأميركيون».

البرادعي نفسه، في مؤتمر صحافي عُقد قبل ضرب العراق، قال إن الوكالة تعتمد في معلوماتها ومطالبتها بإعادة تفتيش ذلك الموقع أو ذاك على التقارير التي ترد إليها من الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA».

لذا افشى الدكتور يسري أبو شادي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشاركته في كتابة التقرير النهائي عن العراق الذي جاء فيه: «قلنا في التقرير النهائي إن العراق خالية من الأسلحة النووية، وليست لديها القدرة ولا تستطيع حتى تصنيع السلاح النووي، وأوصينا بأن تخرج العراق من تحت البند السابع الخاص بالعقوبات»، وقال إنه قبل وصول التقرير إلى مجلس الأمن، تغيّرت اللغة والصياغة، وحتى اليوم لم يناقشه أحد في ذلك التغيير، وأكد أن «البرادعي هو السبب في تغيير التقرير قبل تسليمة إلى مجلس الأمن».

يقول الدكتور أبو شادي: «كان من واجب الدكتور البرادعي أن يقول إن العراق لا يملك يورانيوم وغير قادر على تصنيع الأسلحة النووية، كما جاء في التقرير الذي وضعناه لها، لكنه اكتفى بكلام عائم إذ قال: لا أستطيع تأكيد أصحيح 100 هذا الكلام أو خطأ 100 ! أعطوني وقتًا! لم نجد شيئاً حتى الآن ! لكننا سنواصل التفتيش»!

قبل انتهاء مدة رئاسته لوكالة الطاقة الذرية، ورغم أنها لم تكن الزيارة الأولى له للكيان الصهيوني بعدما التقى وصافح مبتسماً رئيس الوزراء الصهيوني السفاح أرييل شارون الذي اقتحم المسجد الأقصى أكثر من مرة وقتل المئات من الفلسطينيين خرج البرادعي في مؤتمر صحافي ليقول إنها كانت زيارة جيدة، وإنه يتفهّم ويقدر موقف «إسرائيل» ورغبتها في عدم التوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

لم تكن كلمات البرادعي التي عقب بها على استقالة الأخضر الإبراهيمي والتي وصفها بـ»العار الاكبر» مجرّد تغريدة والسلام، بل كانت فعلاً رسالة تحمل في مضمونها وفي تكوين البرادعي نفسه وما عُرف عنه مفادها أنه حان الوقت أن إدراج اسمه على قوائم من تستعين بهم واشنطن عبر أمين عام الأمم المتحدة في القضايا الدولية، ومثلما سبق له أن تحدّى رغبة مصر في اختياره موقع رئاسة وكالة الطاقة الذرية، هو مهيأ لفعل أيّ شيء والقيام بأي دور تطلبه واشنطن منه، واذا كان وصفه الذين صدقوا في مصر بأنه «الايقونة»، فالمؤكد أنه سيجد بمساعدة الأميركيين من يصدّق واشنطن داخل المنضوين تحت رايتها ولا يقلون في وصفهم عن الوصف الذي اختاره البرادعي للذين تعاملوا معه: «حمير» على حدّ قوله هو.

Magdybasyony52 hotmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى