واشنطن للأكراد: ربط مناطق الحكم الذاتي وترك الرقة

عامر نعيم الياس

تقدّمت ما تسمى بوحدات حماية الشعب الكردي على امتداد مناطق الشمال السوري. خرائط أضحت تنشر من جانب الأكراد حول إقليمهم تارة، ودولتهم تارةً أخرى، وسط صمت بدأ يُكسر من قبل بعض الإعلام وإن متأخراً، كما جرت العادة.

هو تقدمٌ يهدف إلى ربط مناطق الحكم الذاتي الكردي وعاصمته «القامشلي» السورية والتي لا تزال وفق «لوموند» الفرنسية «معقلاً رئيسياً للنظام السوري». فيما عاصمة إقليم «روج آفا» بانتظار التعليمات التنفيذية من قبل الأميركي لفتح المواجهة مع الجيش السوري هناك. هذا الأميركي الذي من الواضح أنه يتحكم بكامل التوجّه الميداني الكردي على الأرض. ففي وقتٍ تنشغل الصحافة الأوروبية بالحديث عن تداعيات التقدم الميداني الكردي في تل أبيض، الذي مثّل «خبراً سيئاً لأردوغان» وفق عنوان أحد تقارير «لوموند»، تتجه الصحافة الأميركية إلى الحديث عن الخطوات الميدانية المقبلة للأكراد وأولوياتهم على الأرض السورية. فالجناح الكردي المقاتل في سورية والمنتمي إلى حزب الاتحاد الديمقراطي يتّجه في الوقت الحالي إلى عدم استكمال التقدم الميداني إلا في حدود ربط مناطق إقليم الحكم الذاتي الكردي الممتد من عين العرب باتجاه القامشلي وصولاً إلى عفرين. فالرقة المعقل الرئيس لـ«داعش» وعاصمة «دولته»، ليست موضوعة اليوم على جدول الأعمال الأميركي قبل الكردي، إذ نقلت صحيفة «يو أس إي توداي» الأميركية عمّن أسمتهم مسؤولين عسكريين أكراد «ترددهم من استخدام الزخم الميداني على خلفية دخول تل أبيض في الهجوم على معقل داعش في الرقة». هذا الإنجاز الذي وصّفته الصحيفة الأميركية خير توصيف بالقول إنه «يفتح الطريق نحو جيبين كرديين معزولين». لكن، لماذا هذا التوجّه الأميركي لعدم استكمال قتال «داعش» في الرقة؟

تشكّل وحدات حماية الشعب الكردي الذراع الأميركية الأكثر موثوقيةً في الحرب السورية اليوم. وعلى رغم اعتماد الإدارة الأميركية على «النصرة» أيضاً باعتبارها الرهان الأكثر نجاعةً على الأرض، إلا أن الأكراد وإيديولوجية أحزابهم السياسية، وتقاليد مجتمعاتهم، وطبيعة قضيتهم الانفصالية، وروايات مظلومياتهم التاريخية، تدفع واشنطن باتجاه الحرص عليهم وعدم زجّهم في مغامرات خاسرة وليست على جدول الأعمال في الوقت الحالي. فالمهم من التقدم الميداني لكافة القوى التي تدور في فلك المشروع الأميركي، أو حتى تلك التي تحاربها واشنطن علناً، أن يتم استبعاد الجيش السوري من الأرض هذا أولاً. وثانياً، ضمان مناطق نفوذ خالصة لواشنطن في سورية، وهو أمر تكمن أولويته الأساس في تأمين الاتصال الجغرافي بين مناطق الحكم الذاتي الكردي. أما ثالثاً والأهم، فضمان استنزاف سورية وتدميرها سواء عبر المعارك التي تقودها الميليشيات المختلفة، أو عبر تبرير التدخل بوجود سرطان كـ«داعش» ينتشر على الأراضي السورية. هنا يبرز دور «داعش» في الرقة وضرورة الحفاظ على وجوده في الوقت الحالي وعدم ترك القوات الكردية تتمدد باتجاه معقل التنظيم في سورية وعاصمته، فضلاً عن إدراك واشنطن حجم المعركة التي تنتظر القوات الكردية هناك.

تقطع الإدارة الأميركية وتسريباتها الإعلامية وتصريحات المسؤولين الكرد لإعلامها الطريق حالياً على معركة الرقة، فالطموح الكردي في سورية المعزّز بغطاء سياسي وجوي أميركي يقتصر على استكمال وصل الجيوب الكردية المتناثرة هنا وهناك لإنجاح عملية الولادة القيصيرية «لكردستان سورية» لتنضم إلى جارتها «دولة الخلافة».

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى