ذكرى انتصار المقاومة وسقوط محاولات إجهاضه في لبنان وسورية
حسن حردان
14 سنة مرّت على انتصار المقاومة اللبنانية المسلّحة على جيش الاحتلال الصهيوني في 25 أيار عام ألفين، وإجباره على الرحيل عن أرض الجنوب والبقاع الغربي مدحوراً مهزوماً من دون أيّ ثمن مقابل، وبلا قيد ولا شرط، بعد 22 سنة من احتلاله. ولا يزال هذا الانتصار النظيف نظافة المقاومة، يشكّل النقطة المضيئة في سماء العرب، والسوداء في سماء العدوّ الصهيوني وحلفائه والأنظمة المتخاذلة والمطبّعة معه، لكونه أحدث تحوّلاً استراتيجياً في الصراع العربي ـ الصهيوني، وسجّل في صفحات التاريخ العربي إلحاقَ الهزيمة الأولى المدوية بالجيش الصهيوني الذي قيل عنه أسطورةً وقوةً لا تقهر، وكلّية الجبروت، فإذا به ينكسر ويُجبَر على الهروب من لبنان تحت جنح الظلام تاركاً وراءه عملاءه يواجهون مصيرهم المحتوم، ما أسقط مقولات الواقعية المسلمة بالأمر الواقع الاحتلالي ونظرياتها، وأعاد الأمل لدى جماهير الأمة، وفي مقدّمها الجماهير الفلسطينية بإمكانية تحرير فلسطين. ومع ذلك، فإن في لبنان والدول العربية مَن لا يزال يرفض الاعتراف بأهمية هذا الانتصار الكبير والتاريخي وقيمته، لا بل أنه يتواطأ مع العدو الصهيوني وحلفائه في الغرب لأجل إجهاض هذا الانتصار وإطفاء شعلة المقاومة التي تجرّأت على إلحاق الهزيمة بالجيش «الإسرائيلي» وكسر شوكته وتقويض قوّته الردعية.
ويتجسّد التواطؤ والتآمر هذه الأيام على المقاومة ونصرها، بعد فشل الحرب الكونية على لبنان عام 2006، في الحرب الإرهابية ضد أحد أهم مرتكزات المقاومة وقلعتها الصامدة سورية، وفي إقدام القوى حليفة الغرب على شن حرب لا هوادة فيها لمحاولات شيطنة المقاومة ومذهبتها، وتأليب الرأي العام عليها، وإثارة الفتن لمحاصرتها وإغراقها في صراعات داخلية ثانوية تبعدها عن مواصلة استعداداتها وتدريباتها وتسلّحها لتحرير ما تبقى من أرض محتلة في لبنان وفلسطين، وتقديم النموذج العربي الساطع على قدرة المقاومة المسلحة في تحقيق تطلعات الجماهير العربية في التحرّر من الاحتلال وتحقيق وحدتها وتقدّمها وازدهارها.
وعلى رغم فشل كل هذه المحاولات في النيل من المقاومة وجهوزيتها، وآخرها اتضاح فشل أهداف الحرب على سورية، وظهور مؤشرات انتصار الرئيس بشار الأسد، إلا أنه مع ذلك، يجب الإقرار بأنها نجحت في لجم أن اندفاعها نحو مواصلة كفاحها المسلح ضد الاحتلال، وجعل جهود قيادتها تتركز على كيفية مواجهة مخططات الفتنة وتفكيك الألغام المذهبية التي تنصّب في طريق المقاومة.
فلا زالت الفتنة، التي نجحت المقاومة في تجنّب الوقوع في فخّها، تشكل السلاح الأميركي ـ الصهيوني الذي أُشهر في وجهها بعد فشل القوة الصهيونية الأقوى في المنطقة في القضاء عليها في حرب تموز عام 2006 التي كشفت مجدداً عجز هذه القوة ومدى التحول الذي أحدثته المقاومة في الصراع العربي ـ الصهيوني، والذي تبيّن أنه تحوّل استراتيجي أشّر إلى دخول القوة الصهيونية في مرحلة الانكفاء والتراجع الاستراتيجي والتكتيكي لعدم قدرتها على تحقيق النصر في الحرب، واستطراداً انكشاف حدود قوة الكيان الصهيوني الذي بات يبحث عن كيفية ضمان مستقبل وجوده الذي تبيّن بعد 66 سنة على اغتصابه فلسطين، أنه هش وغير مستقر وقابل في أيّ لحظة للتلاشي، خصوصاً إذا ما استمر تنامي قوة المقاومة المسلحة التي ألحقت الهزيمة به.
وللأسف، إنّ بعض القوى اللبنانية قبلت أن تخرط في المخطط الأميركي ـ الصهيوني لتطويق المقاومة وإجهاض انتصارها، ورفضت الاعتراف بانتصار المقاومة على رغم إقرار العدو بهزيمته، وهي تشكل حصان طروادة لطعن المقاومة في ظهرها والعمل ليلاً ونهاراً على محاربتها، وتأليب اللبنانيين ضدها بذريعة أن استمرارها لا مبرّر له، وأن الأوان آن كي يوضع سلاحها في عهدة الدولة اللبنانية.
ويظهر الفرز بين الاتجاه الوطني الداعم للمقاومة واستمرارها على جهوزيتها لردع الاحتلال ومنعه من الاستمرار في احتلال الارض اللبنانية، أو الاستيلاء على ثروات لبنان النفطية والمائية، أو استخدام أجوائه للاعتداء على سورية كما حصل مؤخراً، وبين اتجاه معادٍ للمقاومة ومرتبط بالمشروع الاميركي ويفرّط بالاستقلال والسيادة ويواصل الدعوة إلى نزع سلاح المقاومة، ومثل هذا الصراع يُغذّى من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بشكل واضح، وعملهم على عرقلة انتخاب رئيس يدعم خيار المقاومة، بغرض منع إحداث تغيير حقيقي في بنية النظام اللبناني يقود إلى ترسيخ عروبة لبنان ودوره المقاوم وإنهاء عصر التدخل الغربي في شؤونه الداخلية، وبالتالي وضع الأسس الوطنية لبناء دولته المستقلة واستغلال ثرواته وموقعه الجغرافي المميز لتحقيق التنمية والازدهار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، بما يضع حدّاً للسياسات الاقتصادية الريعية النيوليبرالية التي قضت على التنمية وأفقرت الشعب وجعلت الدولة تحت وطأة الديون وزيادة تبعية لبنان للنظام الرأسمالي الغربي.
ويكشف ذلك إلى أيّ مدى يشكّل وجود المقاومة وتنامي دورها عاملاً مهماً وأساسياً في تحرير لبنان، ليس فقط من الاحتلال الصهيوني، لا بل تحريره من التبعية للغرب وتحقيق استقلاله الاقتصادي والسياسي وبناء دولة وطنية تقوم على المواطَنة، بديلاً عن الكيان الطائفي والمذهبي الذي أوجده المستعمر الغربي.
انطلاقاً من ذلك، يمكننا إدراك أهمية النصر الاستراتيجي الذي حققته المقاومة عام ألفين، والأسباب الحقيقية للحرب المستعرة ضدها على أرض سورية بعد فشل النيل منها في لبنان، والتي جنّد لها الغرب وكلّ أدواته وعلاقاته ووسائله الإعلامية ونفوذه لأجل ضرب المقاومة وصولاً إلى احتواء آثار انتصارها في الشارعين اللبناني والعربي، والحؤول دون تحويله إلى نموذج يحتذي في الصراع مع الاحتلال الصهيوني، واستطراداً منع تحرر لبنان والدول العربية من براثن التبعية الاقتصادية والسياسية للدول الغربية الاستعمارية.
وأزعم القول أن كل ما يجري في لبنان والمنطقة من تدخل أميركي غربي سافر في شؤون الدول العربية، إنما يستهدف إثارة الفتنة المذهبية لمحاصرة المقاومة وإسقاط نموذج الانتصار، وإحباط النهج التحرري الذي أطلقته، وبالتالي محاولة فرض المشروع الأميركي الشرق أوسطي الذي يستهدف رسم خارطة المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية لإعادتها إلى زمن عصور التخلف والانحطاط وإبقائها خاضعة بالكامل للهيمنة الاستعمارية لتمكين الكيان الصهيوني من الإعلان عن وجوده كدولة يهودية عنصرية ومواصلة الشركات الغربية نهب ثروات العرب.
لكن متتبع التطورات الأخيرة يلاحظ بوضوح أن هذا المخطط فشل، وأنّ قوى المقاومة نجحت في صدّه، وهي في الطريق إلى تحقيق النصر عليه وإحداث تحوّل جديد في ميزان القوى في المنطقة لمصلحة حلف المقاومة والمناهض للاحتلال والهيمنة الأميركية في المنطقة والعالم.
والمؤشران الأبرز على ذلك: اعتراف صحيفة «يديعوت أحرنوت» بأن سيطرة الرئيس الأسد على الأراضي السورية أصبحت أوسع، وهو الآن يسيطر على المدن الرئيسية، ووضع المتمرّدين سيء لأنهم يتقاتلون في ما بينهم وليس لديهم أسلحة مضادة للطائرات». والمؤشر الثاني إقرار صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بأن «شعبية حزب الله في ازدياد والحرب السورية أكسبته خبرة جديدة في ساحة المعركة، وأن قتال حزب الله في سورية قد يغيّر ميزان القوى بشكل كامل في المنطقة، خصوصاً أنّ الحزب تدخل للحؤول دون تشكل توازن جديد مناهض له، وأدّى نجاحه في طرد الإرهابيين من المناطق الحدودية السورية المحاذية للبنان ووقف التفجيرات التي كانت تستهدف المواطنين اللبنانيين، إلى زيادة شعبيته، ويعدّ هذا التقرير مطابقاً للواقع السائد حالياً في لبنان، حيث الأمن والاستقرار يسودان، فيما تراجعت الحملات المعادية للمقاومة بعد اضطرار فريق 14 آذار للمشاركة في الحكومة الجديدة مع حزب الله وتوقفه عن اطلاق المواقف التي تعارض اشتراكه في القتال إلى جانب الجيش السوري ضد القوى الإرهابية، فيما يبدو إقرار بفشل رهاناته على تغيير موازين القوى في سورية لمصلحته للاستقواء به ضد المقاومة في لبنان والعودة للاستئثار بالسلطة.