في عيد التحرير… تصحيح خلل الصورة!!!
جهاد أيوب
بعض العرب يستخدمون إعلامهم المتطوّر تكنولوجياً كما لو كانوا يركبون السيف ويلوّحون بالجمل!
كان متوقّعاً أن يكون وضع بعض العرب بعد انتصارات المقاومة على «إسرائيل»، وتحديداً بعد اندحار جيشها عن أرضنا في 25 أيار، الأفضل في غالبية الأمور، خصوصاً في معرفة عدوّ الأمة، وفي الخطاب الإعلامي، وعدم اعتبار الخيانة وجهة نظر كما هو حاصل اليوم. لكنّ النتيجة جاءت مخيّبة على أكثر من صعيد. وعلى رغم أنّ وسائل التعبير أصبحت متاحة بشكل يسهّل على كلّ مندهش أو «معميّ على فكره»، أو مشوّش أو معقّد أو تافه أو متطرف طائفياً، أو مضلّل في الدين أن يدخلها بسهولة، وعلى رغم أنّ الإنترنت أصبحت في كل بيت، من دون أن ننسى وسائل التواصل من فضاء كثيف، وحوارات مملة لكنها منوّعة، وإذاعات ومجلات وصحف، وإشاعات متنقلة كما الماء النازل من السماء… كل هذا لم يُفد الشارع العربيّ في معرفة ما حدث في لبنان المقاوِم، وتاه بعض العرب مع إعلامهم إلى عالم الجنس والمتعة الجسدية، وكيفية التآمر على بلدانهم، والعلاقات المشبوهة في الانتماء إلى الوطن، تاركين لغيرهم التفكير عنهم!
عام 1982، حين غزت «إسرائيل» لبنان، واحتلت عاصمته بيروت، ورحل بعض رجالات المقاومة الفلسطينية عنه، كان بعض العرب يتلهّون في مشاهدة بطولة كأس العالم في كرة القدم. أذكر، ومن خلال تجربة شخصية، أنني كنت أحدّث مواطنين عرب، عن موتنا، فسخروا منّي بضحكة عارمة لأن كرة القدم أهمّ، واعتبروني من زمن «الأبيض والأسود»، وجاهروا بعدم حبّهم «السياسة». لذلك، لا عجب أن إعلامهم في تلك الفترة كان منشغلاًً ومنهمكاً في فوازير شيريهان ونيللي، ويعنونون صفحاتهم الأولى بنتائج المباراة الرياضية، مع خبر صغير عن غزو بيروت!!!
وتكالبت الهجمات الصهيونية من كل مكان وكلّ موقع على العرب، وتحديداً في الإعلام المموّل عربياً، والمكتوب بلغة العدو، ومن جرّاء ذلك، أُخذ الشارع العربي إلى العنصرية والطائفية، مصحوباً بانتكاسات روحية ونفسية لا تعرف غير أفول الهمّة والمعنويات، ناهيك عن أنّ بعض الأنظمة المتشبثة بالحكم، دفع الأموال لتفتيت القضية المركزية، وضيّق الخناق على حق العودة، وأخفى من يفكّر بالمقاومة… وأصبح ابن البلد العدوَّ الأخطر لأنه يقاتل «إسرائيل»، ومن يقول: «إسرائيل عدوّنا»، يُحاكَم، ويُتّهَم بالرجعية والتخلّف وعدم الانفتاح وحتى بالعنصرية!!
وأصبحت الدنيا لدى بعض العرب لا علاقة لها بالدنيا، إلى أن ظهر فجر عام 2000، فجر التحرير بسواعد سمراء تشبه أرضها، وتتنشق هواء الوطن، ورائحتها من عبق الشجر، شباب زيّنوا أفكارهم ببنادقهم الحربية، واغتسلوا بماء يعرف أسرارهم، وختموا أعمارهم بسريّة الفعل، وبصمت الفاعل، ابتعدوا عن الأضواء، وكذبة الشهرة، وسرعة الحصول على المال، وتواضعوا في العمل والقول والعائلة، وجعلوا من الوطن الصغير قوّة وقيمةً، من دون منّة أو غرور.
بعد 14 سنة على مجد التحرير، لا يزال بعض العرب كما كان أجدادهم في الجاهلية، والعنصرية والطائفية ازدادت، والفكر الخشبيّ يزيّن العقول، والأخطر، أنهم يستخدمون إعلامهم المتطوّر تكنولوجياً كما لو كانوا يركبون السيف ويلوّحون بالجمل! ودائماً يزوّرون عدوّهم، لذلك لا بدّ من تحميل الإعلام المسؤولية الكبرى في عدم فهم قيمة عيد التحرير الذي ضاقت مساحته في وطنه، واقتصرت أفراحه على منطقة محدّدة وبعض الوجوه الحالمة!!!
دور الإعلام المقاوم كبير اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، دوره في أن يكون أكثر جرأة وأكثر وضوحاً، بعيداً عن مجاملات القلق والخوف من الفتنة، لأننا، وبكل بساطة، لا نتوقع من ذلك الإعلام المغاير الكثير لكونه يُسعَد كلّما نهش من لحم أهله، فصورته وأفعاله واضحة في سورية، وسابقاً في ليبيا وتونس واليمن ومصر!
عيد التحرير ألغى مقولة إنّ الشارع العربي مات، وماذا بعد موت العرب؟ لكن إعلام بعض العرب في غالبيته، يصرّ على أنّه دُفن، فهل يصحّح الإعلام المسؤول، وإعلام المقاومة خلل الصورة؟!