حرب القلمون وفشل جنبلاط يقلبان جدول اجتماع وزراء خارجية أوروبا بعد صفعة كيري فابيوس يسحب طلب «النصرة» والتفتيش العسكري لإيران

كتب المحرر السياسي:

كما كانت الانتخابات التركية في السابع من الشهر الجاري محطة تمهيدية لتجميع بعض من أرصدة حروب المنطقة وصراعاتها تمهيداً لبلوغ الاستحقاق الأبرز في الثلاثين من هذا الشهر، موعد حسم مصير الملف النووي الإيراني، كمصفاة يبقى خارجها كلّ ما ومن ليس له مكان في الاستحقاق الكبير، كانت محطة الثاني والعشرين والثالث والعشرين من هذا الشهر، موعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، محطة مماثلة تمهيدية ومصفاة تالية، ما ومن يبقى خارجها لا يعبر إلى المحطة النهائية في الثلاثين، وبينهما كانت محطة الرابع عشر والخامس عشر من الشهر، للحوار اليمني في جنيف وفرص الهدنة التي منحتها اللقاءات لتتقدّم السعودية كلاعب إقليمي قادر على المساهمة في صناعة السياسة، وما ومن يبقى خارج مصفاتها لا يصل إلى تصفيات نهاية الشهر.

في مصفاة السابع من حزيران خرج أو أخرج الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه ومعهما مشروع الإخوان، من المشاركة القيادية في رسم خرائط المنطقة وصناعة معادلاتها، وبقوة العامل الكردي الصاعد من معارك عين العرب كوباني برعاية أميركية مباشرة، خرج أردوغان من الماراتون الذي بقي يلهث أربع سنوات ليصل إلى نهاياته، فيسقط في الأمتار الأخيرة مثخناً بجراحات استدعت الانصراف إلى مداواتها، وربما تؤدّي إلى خروجه الكامل من اللعبة، وتهيئة الظروف والمناخات لاستيلاد تركيا جديدة قادرة على التأقلم مع المتغيّرات المقبلة على المنطقة في زمن التفاهم النووي الإيراني، وأولوية الحرب على «داعش» وما تقتضيهما من دور تركي يقف على نقيض من الضفة التي وضع أردوغان تركيا عليها طوال السنوات الأربعة الماضية.

في مصفاة الخامس عشر من حزيران، وعلى رغم توافر كلّ المناخات المتاحة لقادة السعودية لاستدراك خطأ الحسابات، الذي أوقعهم في وهم العاصفة، والنتائج الكارثية التي جلبتها لهم الحرب على اليمن، ولغة التصعيد والعجرفة والتعالي، غير المستندة إلى أيّ من عناصر القوة الصلبة القادرة على تغيير المعادلات، فشلت القيادة السعودية في الامتحان، فأفشلت الهدنة التي كانت منتظرة كضرورة لتهيئة المنطقة للسياسة، وعجزت السعودية عن التصرّف كدولة مهيأة لحجز مقعد قيادي في صناعة السياسة في منطقة حبلى بالمتغيّرات، استنفدت مدة الحمل الطبيعية وصارت الولادة القيصرية في حالتها ضرورة، ولم يعد ممكناً المزيد من الانتظار ليستكمل بعض الجيران ترف مساحيق تجميلهم، والحال معهم حال المثل القائل، ماذا عساها أن تفعل الماشطة مع الوجه الكالح؟

تسير المنطقة ويسير العالم بلا تركيا وبلا السعودية، إلى مصفاة الثاني والعشرين والثالث والعشرين من الشهر الجاري قبيل أقلّ من أسبوع من المصفاة النهائية نهاية الشهر، وعلى رغم المعونة المقدّمة إلى تركيا لترتيب أوضاعها كدولة كسيحة خارجة من الحرب مهزومة، وعلى رغم التداخلات في الملف السعودي حول شكل التغيير المقبل والتنافس المفتوح بين المحمدين بن نايف وبن سلمان، وما يدور خلف الكواليس من سباق روسي أميركي على الدخول كلاعب في الصحن السعودي، وعلى رغم تداعيات هذا الترنح والتوتر السعوديين على دول المنطقة وفي مقدمها لبنان، بدا واضحاً أن مقعدي تركيا والسعودية شاغران على المائدة الرئيسية للتفاوض الكبير.

في لوكسمبورغ، كان الامتحان لفرنسا ووزير خارجيتها لوران فابيوس، شريك السعودية وتركيا، والحامل السري للأسهم «الإسرائيلية»، وكان الحصان الرابح هو «جبهة النصرة»، ببعدي دورها، من جهة تسويقها كقوة معتدلة قابلة للترويض داخل اللعبة السياسية، والسعي إلى تبييض حسابها في مصرف السياسة الدولي ونقلها من خانة التنظيمات الإرهابية إلى خانة حساب تحت الرقابة، وتقديمها جهة قادرة على ملء المقعد الشاغر في قتال «داعش» المحجوز للمعارضة السورية المعتدلة التي هرب متطوّعوها من معسكرات التدريب التي بقوا يطالبون الأميركيين بإقامتها سنوات، ومن جهة ثانية توظيف «النصرة» لاستدراج دروز سورية إلى اختبار فكفكة الدولة السورية تحت شعار الحياد، بضمانة «إسرائيلية» أردنية شارك في تحضيرهما فابيوس بالتعاون مع صديقه النائب وليد جنبلاط، حتى صار سقوط «النصرة» بالضربة القاضية في حرب القلمون، وسقوط جنبلاط بالضربة القاضية بانفكاك الدروز عن مشروعه في السويداء والجولان، إعلان سقوط ضمني لمشروع فابيوس، ما أدّى إلى سحبه من التداول، ومعه تراجعت اللغة التصعيدية لفابيوس تجاه الملف النووي الإيراني، فبعدما أعلن قبل أيام أن لا توقيع للتفاهم مع إيران ما لم يتمّ تثبيت التفتيش للمواقع العسكرية الإيرانية، وجاءته صفعة نظيره جون كيري الذي انتظر نتائج رهانات فابيوس على «النصرة» لتأييد طلبه، ولما تيقن من الفشل صفعه قائلاً: يمكن توقيع التفاهم وبدء إنهاء العقوبات قبل التوصل إلى كيفية التحقق من وجود برامج سابقة لإيران في السعي إلى امتلاك برنامج نووي عسكري، بالتالي حسم تفتيش المواقع العسكرية، وبالصفعات الثلاث لفابيوس، صفعة «النصرة» وخذلان جنبلاط وصفعة كيري، دخل الاجتماع الأوروبي الذي حضر وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف جانباً منه، وهو يقول إنّ التفاهم مع إيران يقطع أشواطاً هامة، ويجب التفكير بطريقة «تضمن تفتيش المواقع العسكرية إذا اقتضى الأمر». وهكذا انقضى الأمر وخرجت فرنسا بنظرية عنوانها «إذا اقتضى الأمر»، ومعها خرجت «إسرائيل» وتوابعهما من حلبة السباق، لتفرغ الحلبة للاعبين الكبار الأميركي والروسي والإيراني، وربما تدور الجولة الأخيرة بلا جمهور، وتستدعي وقتاً إضافياً، غير اللعب في الوقت بدل الضائع، لكنها صارت في سياق واضح عنوانه التعادل السلبي. وقد تنتهي بتعادل إيجابي أيضاً لكنها لن تنتهي برابح وخاسر بين الكبار، بل ستتوزع فواتير الخسائر على المنتظرين خارج القاعة، من مصفاة السابع من حزيران والخامس عشر والثالث والعشرين منه.

في لبنان الذي لا يحتاج كثير من سياسيّيه في كثير من الأحيان إلى عناء قراءة الصحف، لا يحتاج أغلبهم إلى قراءة المشهد الدولي والإقليمي، فهؤلاء ينتظرون التوجيه والتعليمة، لذلك بقي الارتباك والتشوّش حول مستقبل الوضع الحكومي المشلول وقضية التعيينات الأمنية، بعدما أطلق العماد ميشال عون صرخة تحذيرية أمس من المناورة والتذاكي قائلاً: لا تجرّبونا، ولذلك أيضاً توقفت الرصاصات الصديقة وحرب الإخوة، بين مكوّنات تيار المستقبل، فقرّر وزير العدل إعادة توجيه رصاصه نحو حزب الله.

الحريري يهدّد ريفي والمشنوق يتوعّد

لا تزال تداعيات حادثة الشريطين المسرّبين عن سجن رومية محور متابعة من قبل الأفرقاء السياسيين، بانتظار صدور التحقيقات مع العناصر الأمنية الخمسة بعدما أحيل الملف إلى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر لإجراء المقتضى في شأن الادّعاء. وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أنّ التحقيق مع هؤلاء لن يصل إلى نتيجة، فما سيصدر عن التحقيقات سيُدين أحد الوزيرين نهاد المشنوق أو أشرف ريفي، وهذا الأمر ليس من مصلحة تيار المستقبل في هذه الظروف».

وتوقفت المصادر عند تدخل الرئيس سعد الحريري، وما سرّب عن تهديد لوزير العدل أشرف ريفي بالاستغناء عن خدماته كلياً داخل التيار وإلزامه بزيارة المشنوق للاعتذار. ولهذه الغاية زار وزير العدل وزير الداخلية أمس، معلناً «أنّ العلاقة مع المشنوق أخوية وتاريخية لسنا مستنسخين بل نلتقي في الخطوط العريضة، ومصلحة الوطن تقتضي أن نلتقي في الأمور الوطنية». ولفت إلى «أنه تمّ تسريب أربعة أفلام من داخل السجن نشر منها اثنان و«حزب الله» وحده يمتلك باقي الأفلام وأنه مستعدّ أن يوفرها للناس».

ولفتت المصادر إلى «أنّ ردّ فعل الوزير ريفي بعدما فشل في إزاحة المشنوق من طريقه، تمثلت بالبحث عن جهة يحمّلها المسؤولية، وطالما أنّ داعمي تياره مرتاحون لاتهام حزب الله بأيّ شيء، سارع ريفي إلى توجيه الاتهام للحزب». وأكدت المصادر «أن ريفي لم يكن يتوقع الردّ العنيف من حزب الله الذي أقلّ ما يقال عنه انه استخفاف بوزير العدل».

ورأى حزب الله «أنه من المؤسف أننا بتنا نعيش في بلد تنحدر فيه المسؤولية إلى مستوى أن يرمي وزير العدل اتهامات من دون أي أساس ولا أي دليل، وهو المكلف بالسهر على أن يكون عمل الجميع ضمن سقف القانون والمؤسسات القضائية والعدلية». واعتبر حزب الله أنه «من المعيب أيضاً أن يقوم المتهم الرئيسي بهذه القضية بالتهرّب من مسؤولياته أمام ضميره والقانون والرأي العام برمي التهمة على الآخرين».

وألمحت مصادر سياسية لـ«البناء» إلى «أنّ المشنوق الذي ناله ما ناله من كيد ريفي، عاد واستعاد توازنه وكأنه يتوعّده في الأيام المقبلة من دون أن يتسرّع بإلقاء التهم، منتظراً نتائج التحقيق».

وحمّلت مصادر نيابية في تكتل التغيير والإصلاح في حديث إلى «البناء» فرع المعلومات مسؤولية ما يجري في سجن رومية وما جرى في السابق، ودعت إلى إجراء تحقيق عاجل لتبيان الجهة المسؤولة عن تعذيب السجناء».

وأكدت كلام العماد عون بأن ما حصل يتحمّل مسؤوليته أفراد وليس مؤسسات، وأن وزير الداخلية نهاد المشنوق مستهدف، وما تسريب شريط الفيديو بعد أشهر على حصوله إلا تأكيد على ذلك.

«المفاوضات لم تتوقف بل انتهت»

وعلى وقع تهديدات تنظيم «داعش» بقتل العسكريين المخطوفين لديها بسبب تعذيب سجناء إسلاميين في سجن رومية كما أظهر شريط الفيديو، اجتمعت خلية الأزمة المكلفة متابعة ملف العسكريين المخطوفين في السراي الحكومي أمس برئاسة الرئيس تمام سلام، وأكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم قبيل الاجتماع أن «لا شيء جديداً في ملف العسكريين المخطوفين، وأن المفاوضات لم تتوقف بل انتهت».

وأشار حسين يوسف والد العسكري المخطوف لدى تنظيم «داعش» محمد يوسف لـ«البناء» إلى أن «الكلام عن انتهاء المفاوضات سمعناه منذ وقت طويل ونضعه في خانة تهدئة الأهالي فقط، إلا أنّ لا نتيجة عملية له»، مطالباً «الحكومة بمصارحة الأهالي بحقيقة ما يحصل في المفاوضات».

وأشار يوسف إلى تعرّض أهالي العسكريين لتهديدات من «داعش» بقتل أولادهم إلا أنه كشف «أنّ مصادر مقربة من داعش تواصلت مع التنظيم ونقلت تطمينات للأهالي بأن لا خطر على حياة أولادهم وأنّ التنظيم لا يريد قتلهم».

ورجحت مصادر أهالي العسكريين لـ«البناء» أن يكون المخطوفون لدى «جبهة النصرة» في جرود عرسال داخل الأراضي اللبنانية والعسكريون لدى «داعش» في جرود عرسال داخل الأراضي السورية وليس داخل عرسال».

هل يؤمّن «الوطني الحر» 16 صوتاً لمصلحة روكز

حكومياً تتكثف الاتصالات بين الرئيس نبيه بري والرئيس تمام سلام والنائب وليد جنبلاط لإيجاد مخرج للأزمة الحكومية قبيل الجلسة التي سيدعو إليها رئيس الحكومة يوم الخميس من الأسبوع المقبل.

وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أنّ الجلسة ستبحث في جدول الأعمال الذي سيوزعه رئيس الحكومة على الوزراء مطلع الأسبوع. وتوقعت المصادر «أن لا ينسحب وزيرا التيار الوطني الحر من الجلسة إذا لم يطرح ملف التعيينات». وسألت المصادر: «هل يستطيع العماد عون أن يؤمّن 16 صوتاً لمصلحة قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز»؟ وإذ أكدت المصادر أن «لا غبار على مناقبية ووطنية العميد روكز تحدثت عن وجود ضباط آخرين لا غبار عليهم داعية إلى المفاضلة بالتصويت».

وأشارت مصادر في التيار الوطني الحر لـ«البناء» إلى أنّ «هناك محاولة من البعض للدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء قريباً ووضع ملف التعيينات الأمنية كبندٍ أول على جدول الأعمال وطرح أسماء معينة للتعيين لتسقط في التصويت من خلال الآلية المتبعة للتعيين أيّ الثلثين، ثم يسحب الملف من التداول وتبحث ملفات أخرى ويقال بعدها أننا نفذنا مطالب تكتل التغيير والإصلاح ببحث ملف التعيينات أولاً».

وأكدت المصادر أن التكتل لن يسمح لهذه الخدعة أن تمر لتمرير عقد جلسات مجلس الوزراء وسحب ملف التعيينات من جدول الأعمال». وشدّدت على «أنّ التيار الوطني الحرّ ليس في مأزق ليبحثوا له عن مخارج وحلول، نحن نريد إجراء التعيينات الأمنية وليس بحث الملف فقط».

وذكرت المصادر بالاتفاق الذي حصل في جلسة 18 تشرين الماضي بين رئيس التكتل العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري الذي «اتفق خلالها على إجراء سلة التعيينات وعلى رأسها قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز لقيادة الجيش والذي وافق عليها كلّ الأطراف السياسية».

وكشفت «أنّ الاتصالات مجمّدة بين الرابية والرئيسين نبيه بري وتمام سلام والنائب وليد جنبلاط، يستثنى منها الاتصالات التي تحصل بين الوزيرين جبران باسيل والياس بوصعب والرئيس سلام الذي يأخذ في الاعتبار موقف التكتل، وهو لا يريد عقد جلسة تؤدّي إلى تعميق الأزمة بل إلى جلسة منتجة تؤدّي إلى حلّ الأزمة».

وجدّد تكتل «التغيير والإصلاح» رفضه لأيّ جلسة لمجلس الوزراء لا تؤدّي إلى إجراء التعيينات الأمنية، وقال رئيس التكتل بعد الاجتماع الأسبوعي للتكتل: «سمعنا عن عقد جلسة للحكومة «احتيالية»، فالتعيين لن يفشل وهناك أسماء محدّدة وتعهد من الجميع بها، نحن لسنا بمأزق كي نقبل بمخرج والجلسة يجب أن تنتهي بتعيين وإلا هناك نقض بالاتفاقات على كل الأراضي اللبنانية». وأكد عون أنّ «حادثة رومية خطأ أفراد وليست خطأ مؤسسة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى