الحكومة الفلسطينية بين التهدئة والمبادرة الفرنسية

رامز مصطفى

ملفات سياسية ثلاثة أو على الأقلّ اثنان منها، باتت مطروحة بقوة أمام السلطة الفلسطينية ورئيسها وفريقه السياسي، وهي التهدئة في غزة، والحكومة الجديدة، والمبادرة الفرنسية. والثلاثة أتت في توقيت متزامن، وتمثل تحدّياً مضافاً لجملة التحديات التي تواجهها السلطة ومنظمة التحرير، بل وسائر الفصائل الفلسطينية. هل ثمة رابط بين هذه الملفات، وإنْ كانت لا تبدو كذلك، ولكن تتقاطع عند موضوع حيوي واستراتيجي يمسّ القضية الفلسطينية وعناوينها الوطنية، وتحديداً نقطتي التهدئة والمبادرة الفرنسية. ومسألة تشكيل حكومة جديدة تحت مسمى «حكومة وحدة وطنية»، التي ستكون إما برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، أو كما نُقل عن لسان عزام الأحمد فإنّ رئيس الحكومة الجديدة من الممكن أن يكون رئيس السلطة السيد محمود عباس ذاته.

وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ حركة حماس لم تمانع في اتفاق الدوحة في شباط 2012 بينها وبين فتح، أن يتولى أبو مازن رئاسة الحكومة، والأمر ذاته تكرّر في اتفاق مخيّم الشاطئ 2014. وعلى الرغم من محاولات تسويق أنّ استقالة حكومة الدكتور رامي الحمدالله قد جاءت من خلفية أنّ عدم التجانس والتفاهم بين رئيسها وعدد من وزرائه هو السبب، وهذا ظاهر الأمور التي يطلقها الناطقون الإعلاميون باسم السلطة أو فتح. وهذا مشكوك فيه، فالحديث عن الحكومة يأتي بعد تصاعد وتيرة الحديث عن قرب التوقيع على تهدئة طويلة في غزة يكون طرفاها حماس و«إسرائيل» برعاية ومواكبة من جهات دولية وإقليمية كان لافتاً للانتباه. فقرار تشكيل حكومة وطنية جديدة مكوّناتها من الفصائل، هي على صلة مباشرة أولاً بالتهدئة وثانياً بالمبادرة الفرنسية.

الشق المتعلق بالتهدئة يقود إلى احتمالين، الأول يتمثل في محاولة السلطة قطع الطريق على أصحابها والعاملين عليها، والقول لا يمكن تجاوز السلطة أو تجاهلها. وتشكيل الحكومة تحت مسمّى «وحدة وطنية»، يأتي في سياق وضع الفصائل المكونة للحكومة في مواجهة حركة حماس، الطرف الثاني المفترض في التهدئة، وبالتالي الاستقواء بالفصائل في مواجهة الطرف «الإسرائيلي». أما الاحتمال الثاني يتمثل في تحضير المشهد الفلسطيني للمرحلة المقبلة باتجاهين، الأول أنّ التهدئة وعلى الرغم من الاتهامات المتبادلة بين حماس من جهة والسلطة وفتح من جهة ثانية، لا تمنع نقاشات وحوارات قد تجري أو اجتماعات تعقد بعيداً عن وسائل الإعلام تتطرق لملف التهدئة، خصوصاً إذا ما لاحظنا أنّ حكومة التوافق الوطني كانت ثمرة اتفاق مخيم الشاطئ في نيسان 2014، الذي أنهى حكومة حماس في غزة إذا ما جاز التعبير، لصالح حكومة التوافق. مما يعني أنّ تشكيل الحكومة الجديدة ممرّه الوحيد هو موافقة حماس عليها، ودون ذلك سيُحرّر حماس من أية التزامات، وقد يدفعها إلى إعادة إحياء حكومة السيد إسماعيل هنية، أو بأيّ صيغة تذهب باتجاه تكريس الانقسام الجغرافي بعد السياسي.

وبالضرورة أنّ أخذ رأي حماس في تشكيل الحكومة سيقود إلى نقاشات وحوارات في مواضيع أخرى، والحديث عن التهدئة في الأولويات. أما الاتجاه الثاني يتعلق بالمبادرة الفرنسية، والتي حملها إلى المنطقة وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، مسوّقاً لها بعناوين ومحدّدات سياسية وإجرائية تنتهي بحلّ نهائي بين منظمة التحرير والسلطة من جانب، و«إسرائيل» من جانب آخر. هذه المبادرة التي رحّب بها رئيس السلطة الفلسطينية، ذهبت وسائل الإعلام وعلى لسان مصادر، إلى القول إنّ الفرنسيين قد طالبوا الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي» بالتوقف عن أية إجراءات أحادية الجانب في حال البدء بالمفاوضات مجدّداً وفق المبادرة، وبالتالي تعهّد رئيس السلطة بوقف التوجهات الدولية ضدّ الكيان «الإسرائيلي».

لذلك سارعت السلطة إلى تسليم الجنائية الدولية أول إضبارة اتهام في حق الكيان على جرائمه، وكأنّ المقصود وضع وديعة الاتهامات واستخدامها لاحقاً بحسب تطوّر المسار السياسي نحو المفاوضات من عدمه.

لذلك يأتي تشكيل الحكومة، في سياق الاستعداد للتعامل مع المبادرة الفرنسية، بمعنى أنّ رئيس السلطة الفلسطينية السيد أبو مازن يريد أن يظهر بمظهر الغير متفرّد. وهو يسعى إلى استدراج الفصائل التي ستشارك في حكومة الوحدة، وبعضها منذ الآن وجد في المبادرة الفرنسية أنها لا تستجيب إلى التطلعات الفلسطينية، وتضرب الثوابت الوطنية، فأعلنت رفضها لها. فهي أيّ المبادرة تعترف صراحة بـ«إسرائيل» على أنها دولة ذات طابع يهودي، ناهينا عن موضوع مدينة القدس، وشطب حق العودة. لذلك وإنْ افترضنا أنّ الحكومة قد شُكلت، فهي في وراد أنّ الكثير من الفصائل لن توافق على الانخراط في مفاوضات جديدة وفق المبادرة التي أعلن نتنياهو رفضه لها.

من يضمن في حال تمّ تليين مواقف نتنياهو من المبادرة، أن لا يُقدم رئيس السلطة على الضرب بعرض الحائط مواقف الفصائل الرافضة للمبادرة الفرنسية ويذهب مجدداً إلى مفاوضات وفقها، خصوصاً أنّ السيد أبو مازن لديه سابقة في تجاوز اللجنة التنفيذية للمنظمة، عندما وافق على استئناف المفاوضات من الجديد إرضاءً لوزير الخارجية الأميركية جون كيري، والتي استمرّت 9 أشهر، وفي نهاية المطاف عمدت «إسرائيل « وبادرت إلى وقفها بعد أن رفضت الإفراج عن الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل «اتفاق أوسلو» عام 1993.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى