مرويّات تاريخيّة المهندس والنحّات والرسّام القوميّ جورج منيّر

لبيب ناصيف

سمعت به كثيراً. ذات يوم قرأت له مقالة في أحد أعداد النشرة الرسمية عام 1948 تحت عنوان «إننا الامة التي ستتحدى التاريخ ليتحدث عنها»، والتوقيع: الرفيق جورج منير منفذ عام حلب. وقرأت أيضاً مرسوماً صدر في أول تشرين أول 1947 «بقبول استقالة الرفيق فريد فكري قلعجي من مسؤولية منفذ عام حلب، نظراً إلى سفره الى سويسرا لمتابعة دروسه هناك، وبتعيين الرفيق جورج منير منفذاً عاماً لمنفذية حلب».

كان يقطن الى جوارنا في المصيطبة الدكتور مخايل منيّر، وصدف أن ابنته دوسي كانت في صف ثانوي واحد مع شقيقي جورج. تعرّفَت إلى الحزب، فانتمَت. في الجامعة اللبنانية تعرفت الى الرفيق وديع الحلو، فاقترنا. والدتها كانت تتبادل الزيارات مع والدتي. باتت العائلتان أكثر تلاصقاً، ومودة.

اتصلت بالرفيقة دوسي أسألها عن الرفيق جورج منير.

هو ابن عم الوالد. التقيت به، إنما تباعدنا بسبب المسافات، كان مهندساً زراعياً مرموقاً. فناناً، نحاتاً، رساماً. أحتفظ في منزلي بلوحة له. ويحتفظ شقيقي غسان بلوحة أخرى.

كان يشرف على الحدائق العامة في مدينة حلب وكان وراء هندسة ساعة من الزهور آمل في ان تكون بقيت رغم كل الجنون الإرهابي. بقي عازباً. كذلك شقيقاته الثلاث.

كنت أسمع أنه قومي اجتماعي نشيط، ومتولٍّ لمسؤوليات حزبية «.

وعن آل منيّر، توضح الرفيقة دوسي أن العائلة من أنطاكية، ونزحت بعد سلب الاسكندرون الى حلب، المدينة الأقرب، ومنها راح أبناء إنطاكية يتوزعون في أرجاء الوطن أو يغادرون عبر الحدود، ومعظمهم الى البرازيل حيث استقروا في مدينتي سان باولو والسانطوس 1 .

هنا مقال منفذ عام حلب الرفيق جورج منيّر:

« قد يظهر بين الحين والآخر في حياة كل امة ما يقر انطلاقها إما صعداً، وإما انحداراً. فإن كان الانطلاق نحو الصعود تكون الأمة قد قررت ذاتها، وإلا يكون التاريخ قد دار دورته وطواها بين ثناياه تهجع هجعة العقيم المشلول، غير عابئ بوجودها.

وإن أمة، مثل امتنا السورية، أمة انحنى التاريخ ساجداً أمام أمجادها، فانطلقت وشعت، ثم ذلت بعد تلك الأمجاد ورقدت رقدة شبيهة بالموت قروناً وقروناً، حتى شملها العقم في كل شيء، لم تكن إلا في حاجة تقرير ذاتها، إلا في حاجة إلى من يقرر بعثها وانفتاحها لتتبوأ مكانها بين الأمم، إلا في الحاجة الى الزعيم، فكانت الأعجوبة: وكان الحزب السوري القومي الاجتماعي.

وإنه لمن دواعي الفخر بل الحظ السعيد، أن يمد الحزب يده الجبارة فيوقظني من غفلتي وينقذني من القلق والحيرة والتململ، وقد كنت لها فريسة، ويضمني إلى حديقته التي تتمثل بكم.

فأسير وإياكم لتحقيق الأهداف وبعث الأمة تحت خفق الزوبعة بروح الواجب والنظام والقوة والحرية، كما وضعها لنا حضرة الزعيم وسار على هديها رسله الأبطال، أسير وإياكم لنعمل في الحقل القومي الاجتماعي معتمدين جميعاً على الاندفاع الواعي، لنشق معاً طريق المجد. هذا الطريق: ليتم لنا الإفاضة بالخير والحق والجمال.

يا جنود الحزب،

إننا أقسمنا على تحقيق أمر خطير يوازي وجودنا، وإن نجاحنا يتوقف على مقدار استمرارنا وتمسكنا بمبادئنا وبما أقسمنا على تحقيقه. اننا اقسمنا عن إدراك واع وشعور عميق بما نحن مقدمون عليه، والمضي حتى النهاية رغم كل ما يعترضنا من عراقيل، لأن انضمامنا لم يكن مجرد غواية أو استطلاع أو اندفاع أو مجاملة لصديق أو قريب. إننا دخلنا الحزب ونحن نجابه واقعاً فاسداً آخذاً بخناق الأمة. إنه واقع لا نكران لفساده. إن هذا الواقع الفاسد ليس وليد الصدفة العمياء. بل إنه وليد تركزات قرون عديدة من الذل والقهر والخنوع رزخت تحت وطأتها، أمتي وبلادي.

إننا تعاهدنا على اجتثاث الفوضى. إننا سنعلنها حرباً لا هوادة فيها: حرباً لا تعترف بالظروف القاهرة فتماشيها.

سنحارب الطائفية بسمومها الفتاكة، سنحارب الإقطاعية، سنحارب العنصرية الهدامة، سنقضي على العقم الثقافي وسنقضي على التناحر الطبقي البغيض. وثقوا أننا سننتصر بحربنا نحن. نحن رسل الإصلاح!

إننا نعمل ونحن صامتون، وغيرنا يعمل والضجيج الفارغ يسبقه. اننا قلة وما كانت القلة في يوم من الايام عاراً بل العار في الكثرة التي ترضى أن تسيطر عليها الفوضى وترضى بالتخاذل والخنوع والاستكانة.

إننا الفئة التي نذرت نفسها لإصلاح الأمة والمجتمع. إننا الجماعة التي ترمز للحياة الصاعدة، إننا رمز القيم البناءة، رمز نهضة انطلقت لتمحو عار أجيال هزيلة مضت. وبالاختصار: إننا الأمة التي ستتحدى التاريخ ليتحدث عنها كما تحدث من قبل عن الأجداد.

يا جنود الحزب،

إنكم جنود الحزب لأنكم مختلفون عن جنود الحكومة، إنكم خلقتم للهجوم البناء، وخُلق غيركم ليستميت دفاعاً عن أنانيته الضيقة وحياته العابرة. انكم خلقتم للمعارك الفاصلة، وخلق غيركم للتلهي بتوافه الأمور، خلقتم لتبنوا وتوجهوا فكر الأمة وعاطفتها ومثلها، وخلق غيركم مطية لأهواء القادة والساسة الوصوليين.

إنكم كتلة حية من الأعصاب فاعلنوا عن قواكم المتحفزة، أعلنوها حرباً إصلاحية لا هوادة فيها ولا هدنة ولا تسوية، أعلنوها حرباً على الذين يقفون عثرة في طريق عقيدتكم ومجد أمتكم سواء أكانوا من بين صفوفكم أم كانوا يسيرون على هامش الطريق.

الى الأمام «فإن فيكم قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ». ولا أظنكم إلا فاعلين.

هوامش:

1. للجالية الانطاكية حضور بارز في سان باولو، وتملك نادياً فخماً يدل على مكانتها. من أبرز ابنائها المؤرخ نخلة ورد وله كتاب مرجع بعنوان «انطاكية على مر العصور»، ومن أبرز رفقائنا «الأنطاكيين» عزيز ابرهيم الذي تولى مسؤوليات في النادي الأنطاكي، وكان في معظم الأحيان نائباً لرئيسه.

وفي السانطوس، جالية أخرى كثيرة. ومنها الشاعر بالبورتغالية أنطوان لاذقاني، وكان صديقاً للحزب.

نأمل من كل رفيق أو صديق يملك معلومات تُغني النبذة عن الرفيق المهندس جورج منيّر، أن يزودنا بها.

رئيس لجنة تاريخ الحزب

خالد زهر… تكريماً ومركزاً ثقافيّاً وديواناً شعريّاً

بعض الناس تنساهم وهم الى جانبك، أحياء، وآخرون يستمرون معك ولو رحلوا منذ عشرات السنوات.

هكذا الرفيق الخالد، خالد زهر.

نذكره شاعراً، ونتذكره رفيقاً عرف النضال الحزبي فعشقه، وأدمن عليه، واستمر يشرب من رحيقه رشفة رشفة الى الرمق الاخير.

شكراً للرفيق عماد زهر، للرفيقة دانا زهر عبد الخالق ولكل من ساهم في إصدار ديوان الرفيق الشاعر خالد زهر. وشكراً لهم إذ ينكبون أيضاً على إبراز الجوانب الأخرى من حياة الرفيق خالد، المناضل الحزبي والمسؤول الناشط في الوطن، وفي الولايات المتحدة التي عرفته معتمداً مركزياً، وعرفه رفقاؤه في لوس انجلس فأحبوه كثيراً ورافقوه في مشواره الأخير، وكانوا الى جانبه ومعه، لحظة لحظة، حتى إذا رحل كان وداعهم له محطة بارزة في تاريخ حضورنا القومي الاجتماعي في لوس انجلس، عن هذه المحطة كتب الرفيق الناشط، الصادق والمتفاني، غسان الياس، وننتظر منه أن يكتب أكثر، تدويناً لكل الحضور الحلو الذي جسّده الرفيق خالد في كل مكان تواجد فيه .

ل.ن.

في أول حزيران نستمع الى الكثير عن خالد زهر، مناضلاً قومياً.. اجتماعياً وشاعراً قومياً اجتماعياً، وزوجاً وأباً ورفيقاً تعاطى مع الكامل محيطه ضمن قواعد الحزب ومناقبه ونهجه وتعاليمه.

وسنستمع أكثر، ودائماً. فالرفيق خالد، مثل الكبار، لا ينتهي بمأتم، ولا يُكتب بديوان، أو يُختصر بأمسية.

يبقى ما دامت الكلمة باقية، والحزب نابض بالحياة.

تحت رعاية عمدة الثقافة في الحزب السوري القومي الاجتماعي يقام في الأول من حزيران المقبل، الساعة الخامسة والنصف عصراً، حفل تكريمي لشاعر النهضة الراحل خالد زهر، تطلق فيه الطبعة الأولى من ديوانه الشعري، فضلاً عن افتتاح مركز ثقافي باسمه في العبادية، منطقة عاليه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى