من النووي إلى ما بعد لبنان كلّ شيء في الميزان!

محمد صادق الحسيني

ليس النووي الإيراني وحده في الميزان.

عدن وصنعاء وباب المندب ويمن أنصار الله السعيد هو الآخر في الميزان.

وسورية الممانعة، والتي صارت مقاوِمة أكثر فأكثر هي الأخرى أيضاً في الميزان.

وعراقنا الجريح والنازف والمستضعف من قبل المستعمر كما من قبل بطانات الاحتلال هو أيضاً اليوم في الميزان.

ولبنان حدّث ولا حرج من طائفه إلى جمهوريته إلى جيشه إلى شعبه إلى مقاومته البطلة والأبية كلهم أيضاً وأيضاً في الميزان.

البحرين والجزائر والسودان ومصر والأردن وكلّ الأقطار في مختبر النصر أو الخذلان.

بل هذا الوطن العربي من البحر إلى البحر غدا أشبه بمنظومات متلاصقة ربان سفائنها يمسك ربان والبحر مدى العين يشهد تجربة نجاح أو خسران.

هي جبهة المقاومة كلها من ألفها إلى يائها تتعرّض اليوم لاختبار الصبر الاستراتيجي، وكذلك لاختبار تسارع تحوّلات قواعد الاشتباك مرة وتحوّلات تغيّر ظروف المواجهة أو موازين القوى مرة أخرى.

ومع ذلك تبقى إيران هي الأكثر حدّة وشدّة في معركة التحدّي الأكبر بين مشروع إشاعة ثقافة المقاومة وبين مشروع محاولة حرف الثورة أو استنزافها لترضخ لثقافة الحوار والمفاوضات من أجل المفاوضات!.

وفيما تسعى القيادات العليا في الساحات الآنفة الذكر جميعاً إلى مراكمة نجاحات الفوز بالنقاط في الميدان إلى نجاحات مماثلة في حلبة الحوار والمفاوضات.

تبرز في هذه اللحظة بالذات حركة الرجل الأول في الدولة والثورة الإيرانيتين وكأنه قرّر التقاط الزمام والرمي بالكرة في الملعب الغربي وتحديداً الأميركي ليفاجئ الجميع.

وكما ورد في الأخبار فقد حاصر الإمام السيد علي خامنئي الرئيس باراك أوباما عملياً وفريقه المفاوض في «حلبة المصارعة الحرة» الجارية منذ مدة بين الجانبين، وتحديداً في الدقيقة تسعين، ليعلن في خطوة ذكية وماهرة بأنّ فريقه المفاوض التكنوقراطي هذا، إنما هو في الوقت نفسه الفريق المتديّن والأمين والشجاع والغيور على وطنه وثوابت بلاده النووية.

فيما واكب هذه الخطوة بإعلانه عن شروط استمرار المفاوضات بأربعة بنود شداد هي الآتية:

1 ـ نحن لا ثقة لنا بتاريخ عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة والذيلية أصلاً لقوى الغرب، بالتالي فإنّ معاييرها لن تكون هي المعايير التي تحدّد التزاماتنا وحاجاتنا.

2 ـ نحن لن نقبل بأيّ شكل من الأشكال أيّ وقف أو تجميد لعمليات التحقيق والبحث العلمي في مؤسساتنا وأنشطتنا النووية أثناء ما يسمّونه باختبار النوايا!.

3 ـ نحن لن نقبل أقلّ من إلغاء كلّ العقوبات المالية والمصرفية والاقتصادية الأحادية والاتحادية الأميركية والأوروبية وتلك الصادرة عن مجلس الأمن الدولي جملة وتفصيلاً فور توقيع الاتفاق – بالمناسبة وليس تزامناً مع تنفيذ الاتفاق كما يروّج أو يتمنّى البعض.

4 ـ نحن لن نقبل مطلقاً وبأيّ صيغة كانت أيّ إجراء أو خطوة طلب الدخول أو تفتيش الأماكن غير المتعلقة بالنشاط النووي، لا سيما العسكرية والدفاعية والأمنية منها، وكذلك أيّ شكل من أشكال استجواب علمائنا النوويين.

وبذلك يكون رجل إيران الأول وفصل الخطاب فيها قد حقق في خطوته الفطنة والمحنّكة والمحكمة هذه ما يلي:

أولاً: نقل المعركة من الداخل الإيراني الذي كان ينوي الأميركي تفجيره في إطار اصطفاف موافق ومخالف للاتفاق، إلى اصطفاف إيراني أميركي يظهر فيه الإيراني قوياً وموحداً فيما الأميركي مشتتاً بين داخله غير المنسجم وخارجه المتنازع في ما بينه.

ثانياً: إتمام الحجة على الأميركي أمام الرأي العام الأميركي والعالمي، فإما أن يقبل باتفاق مشرف يلبي كل ثوابت إيران المشروعة، وإما أن يعلن انسحابه من اللعبة خائفاً يترقب المستقبل المجهول.

ثالثاً: فتح باب المناورة واسعاً أمام المفاوض الإيراني ليتخذ الخطوات اللازمة بقوة قلب عالية جداً، إما دفاعاً عن الثوابت لتحقيق أفضل اتفاق يحفظ عزة وكرامة إيران، وإما رفضاً للضغوطات بكلّ عزم راسخ وجعل الطرف المقابل هو من يغادر حلبة المفاوضات.

رابعاً: إغلاق المنافذ والمسارب تماماً أمام أيّ ضعف أو تهاون محتمل قد تظهره الطبقة السياسية التكنوقراطية في لعبة شدّ الحبل بينها وبين الأصوليين حول مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران.

وبذلك يكون رجل الدولة الوطنية وقائد الثورة والقائد العام للقوات المسلحة قد كسب الجولة الأخيرة من المفاوضات حتى قبل بدئها، بعد أن يكون قد شتت جهد ومساعي الخصم ورمى بالكرة في ملعبه، فيما غدا هو أشبه بالمنشار الذي يأكل في الذهاب كما في الإياب، أو بتعبير آخر حصل توافق أم لم يحصل!.

إنها ديبلوماسية حياكة السجاد الإيرانية التي أتت أكلها ولم يعد مهماً أصلاً أعُقد الاتفاق أم لم يعقد، لأنّ ما أرادته إيران من لعبة ما سمّته بالديبلوماسية البطولية يوماً، قد حصلت عليه عملياً بعد أن كسرت كلّ محرّماته ولم يعد في مقدور حكومة أوباما ولا حتى من سيليها في الحقبة المقبلة، أن يعود بعقارب الساعة إلى الوراء!.

وعملية الشدّ والجذب بين دعاة الترويج لأولوية ثقافة المقاومة والمواجهة مع الغرب المستعمر ودعاة الترويج لأولوية ثقافة الحوار والمفاوضات معه، حسمت في شكل لا لبس فيه وفي شكل واضح وجلي لمصلحة دعاة التمسك بخيار المقاومة أولاً والنتائج باتت تلوح في الأفق أياً كانت «مخرجات» جولات الحوار والمفاوضات.

الأمر نفسه سيظهر مترجماً وجلياً في سائر ساحات السجال والمدّ والجزر من دمشق إلى بغداد إلى صنعاء إلى بيروت ولبنان وما بعد لبنان…!

الاعتقاد الراسخ لدى المتابعين عن كثب والمطلعين على كثير من خفايا أروقة المفاوضات في سائر الساحات هو أنّ جبهة المقاومة التي كسبت الحرب استراتيجياً حتى الآن في طريقها لتكسب معاركها المفتوحة الواحدة بعد الأخرى تباعاً والعهدة ستكون من الآن فصاعداً على رواة الميدان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى