مشهدية دموية من الكويت إلى تونس وفرنسا أوقفوا الاستثمار في الإرهاب
معن حمية
في يوم واحد، سجّل الإرهاب ثلاثية إجرام جديدة، باستهدافه مسجداً في الكويت، وفندقاً في تونس، ومصنعاً للغاز في فرنسا.
ثلاثية الإرهاب الدموي بدأت بتفجير انتحاري أوقع عشرات المصلين ضحايا وجرحى في مسجد الإمام الصادق بمنطقة الصوابر الكويتية، ثم هجمات استهدفت فندقين في منطقة سوسة التونسية وأوقع عشرات السياح الأجانب والعرب ضحايا، وبينهما تمّ استهداف مصنع للغاز في مدينة ليون الفرنسية ونتج منه قتيل وجرحى وحالة من الهلع.
ثلاثية الإرهاب الدموي، ضربت أهدافاً متنوّعة، ودولاً متعدّدة، مؤكدة حقيقة واحدة ودامغة هي أنّ الإرهاب خطر داهم على الإنسان والمجتمعات الإنسانية قاطبة.
قبل أيام قليلة من هذه الهجمات الإرهابية بثّ تنظيم «داعش» مشاهد مصوّرة عن عمليات قتل وإجرام نفذها بوسائل جديدة مبتكرة، وهي مشاهد قاسية جداً وموغلة في الوحشية.
أحد لم يرفع الصوت، شاجباً ومستنكراً، ومرّت مشاهد أساليب القتل الوحشي من دون ضوضاء ومن دون ردود أفعال، وأيضاً من دون إصدار حرمة على هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية الوحشية البشعة!
قبل الهجمات الإرهابية الثلاثة في الكويت وتونس وفرنسا، وقبل أن ينشر «داعش» وسائل القتل الثلاث المبتكرة، حصلت مئات المجازر والجرائم الإرهابية في سورية والعراق، وجرى التمثيل بجثث الضحايا من خلال أكل الأكباد وجزّ الرؤوس وبتر الأطراف وفقء الأعين.
الكمّ الكبير من المجازر وعمليات القتل الوحشي حصلت على مدى السنوات الخمس الماضية وبصورة يومية، من دون أن يرفّ جفن لمدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، ذلك أنّ هذه الجرائم الفظيعة مغطاة بقرار اتخذته الولايات المتحدة الأميركية بِاسم الغرب، وعلى نية «إسرائيل»، وتمثل بإطلاق «ربيع عربي» لـ«ترقية» شعوب المنطقة، ونشر الحرية والديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان!
خمس سنوات من الإرهاب والقتل والتدمير في سورية وفي العراق، ولا يزال هذا الإرهاب يتمتع بكلّ أشكال الدعم والرعاية من الولايات المتحدة و«إسرائيل» وتركيا، ومن دول غربية وأخرى مسمّاة عربية. وهذه الدول تستثمر في الإرهاب ما يحول دون التخلص من خطره والقضاء على شروره.
الدول التي تستثمر في الإرهاب، لم تعد قادرة على إخفاء الحقيقة، والتعمية على الخطر الكبير الذي يمثله الإرهاب، وإعلام هذه الدول، من فضائيات وصحف وغيرها، استنفد كلّ مخزونه التضليلي وكلّ فبركاته، وانتهى به المطاف مؤخراً إلى إعلام ناطق بِاسم «داعش» و«النصرة» وأخواتهما.
والدول التي تستثمر في الإرهاب، باتت عاجزة عن إقناع شعوبها، بأنّ ما يحصل في سورية وقبلها في اليمن وليبيا وتونس ومصر، إنما حصل في سياق حراك سلمي يحمل شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فالرأي العام بات يدرك جيداً أنّ ما تسمّيه واشنطن وحلفاؤها حراكاً سلمياً، هو الأعمال الإرهابية عينها التي تنفذها المجموعات الإرهابية المتطرفة.
وبات واضحاً أنّ الاستثمار في الإرهاب ليس مربحاً على الإطلاق وإنْ حقق لأصحابه أهدافاً آنية، فالولايات المتحدة الأميركية وظفت الإرهاب لإنهاك المنطقة وتفتيتها وضرب مكامن قوّتها، من أجل حماية أمن اليهود الذين يغتصبون أرض فلسطين. لكنها أمام فظاعة الجرائم الإرهابية وتمدّدها لتشمل أكثر من مكان ودولة في العالم، لا بدّ أنها بدأت تتحسّس مخاطر الإرهاب الوحشي.
على أية حال، لا يمكن للولايات المتحدة، ومن معها من الدول الراعية والداعمة للإرهاب، أن تنفك بسرعة قياسية عن المجموعات الإرهابية المتطرفة، فمحاذير انفكاك واشنطن وحلفائها عن الإرهاب مكلف جداً، خصوصاً في هذه المرحلة، حيث توضع اللمسات الأخيرة على مشهدية دولية جديدة بتوازنات مغايرة ومختلفة عن السابق.
لكن الأكيد أنّ خطر الإرهاب يدقّ أبواب العواصم كلها من دون استثناء، بما فيها أبواب واشنطن، ولذلك تبدو مواجهة الإرهاب والتطرف أولوية على أجندة جميع الدول، بما فيها الولايات المتحدة. فالهجمات الإرهابية الثلاث التي حصلت في الكويت وتونس وفرنسا، مثيرة للقلق والخوف وهي سترغم دولاً عدة على اتخاذ خطوات جادّة وفاعلة لحماية أمنها واستقرارها، ومع هذه الخطوات ربما يبدأ العدّ العكسي، لمرحلة التماهي والدعم والاحتضان الغربي والإقليمي والعربي للمجموعات الإرهابية، عدّ عكسي تبدأ معه مرحلة وقف الاستثمار في الإرهاب.
وحتى يتبلور موقف دولي واضح بوقف الاستثمار في الإرهاب وضرورة محاربته، المطلوب رفع الصوت عالياً بإدانة الإرهاب والدعوة إلى قتاله واجتثاثه، وقد بدأت ترتفع وتيرة المواقف الدولية المندّدة بالإرهاب الدموي الذي ضرب بالأمس، وهذا يجب أن ينسحب على بعض اللبنانيين لكي لا يتورّطوا في تبرئة الإرهابيين من أفعالهم الإجرامية، ويحتم على بعض العرب وقف دعمهم المعلن والمستتر للمجموعات الإرهابية، إنقاذاً للمنطقة وشعوبها، وكي لا يبقى سكين الإرهاب والتطرف مصلتاً على رقاب شعبنا والإنسانية جمعاء.