علي عزيز العبيدي: سورية المنبت الأخصب للأدب العربيّ
دمشق ـ محمد الخضر
يكتب الشاعر والناقد والروائي العراقي الدكتور علي عزيز العبيدي الشعر الموزون بنوعيه، التفعيلة والشطرين، فضلا عن إنجازه عدداً من الدراسات النقدية وفق منهج تطبيقي يتناول اسس النقد ومستلزماته.
يقول العبيدي تتيح: «قصيدة التفعيلة الموزونة للشاعر استخدام المفردة اللغوية بحرية لترقص في سطور النص ولترسم الصورة الشعرية التي يريد، كما أنها تمنح مساحة أوسع لتوظيف اللغة والاسترسال فتقود الشاعر الى التمادي في السرد، إضافة إلى أنها صالحة جداً للسرد القصصي وضرباتها عند كل تفعيلة تتيح امكانية مضافة بخلق نص قائم على كمال الصورة وجزالة اللفظ وعمق المعنى».
مقابل هذا الحماسة التي يبديها العبيدي للشعر الموزون، إلا أنه ينفي الشعر النثري ويسميه كلاماً نثرياً لا شعراً، بينما يركز على التفعيلة والشطرين، لافتاً الى ضرورة مرور الحداثة بهذين النمطين حيث ترسو سفينة الشعر العربي قديماً وحديثاً. شعراء كثر ينهلون إبداعاتهم من داخلهم يوضح العبيدي أنه يلجأ إلى ذاته المشبعة بالعاطفة والخيال منذ مرحلة الصبا والشباب، عندما شعر بعاطفة ما تشتعل في داخله وهي العاطفة التي تتكئ على الخيال وتشكل تلك الهزة العنيفة المكوّنة للقصيدة.
لدى سؤاله عن تجربته النقدية يوضح العبيدي أن النقد ينجم بعد الانغماس في النص الأدبي وجمالياته وتأثيره، شرط التسلح برصيد وافر من الثقافة التي هي مثل الشعر تخضع لموهبة تصقلها، مواصلة العلم والتعلم فالنقد لا ينفصل عن الثقافة وهو جزء منها ونشاط مساعد للفكر الذي يخدمها.
عرّف العبيدي النقد بأنّه مصفاة النص الأدبي وأن الشعر بوصفه جنساً من الأجناس الأدبية هو أول ما يدخل هذه المصفاة، فوظيفة النقد تحليل المثاقفة والتفاعل الحضاري المتمثلين في المنتج الأدبي، عبر ايضاح دور الخيال الإنساني وطبيعته وتأثيره في الثقافات الإنسانية، مبيناً أن الشعر أقدم من النقد الذي حاول لاحقاً أن يبني معنى الشعر لناحية جمالياته أو ما يلحق به من عيوب.
يتضح الرابط بحسب العبيدي بين الشعر كجنس أدبي والنقد من خلال المعنى الظاهر، لكون الشعر جنساً أدبياً، والنقد بدوره أدبي فصفة الأدبي هي الجسر الرابط بينهما. أما لناحية المضمون فإن الشعر يرتكز على الجمال، سواء في الصورة الشعرية أو في الهندسة التي عرف بها الشعر العربي وهي الوزن والقافية. وبما أن النقد يقف على حالة الجمال وحالة القبح في النص الشعري فقد التصق النقد بالشعر والعكس صحيح. وأوجد التفاعل الحضاري والمثاقفة هذه العلاقة الجدلية بين النقد والشعر، خاصة أن النقد اشتغل على إيضاح دور الخيال الإنساني وطبيعته وتأثيره في الثقافات الإنسانية وتحليل الخطاب الأدبي، شعراً كان أو نثراً، وهذا هو الهدف لوصف المثاقفة كمفاهيم معروفة في النقد الأدبي مثل التناص والمقايسة والمناظرة وغير ذلك. وتلك المفاهيم كانت ولم تزل حاضرة في شعر العديد من شعراء العرب المعاصرين، مثل أدونيس في ديوانيه «المسرح والمرايا» و»أبجدية ثانية».
يخضع النقد لدى العبيدي لحالة التحسس أو التفكير الجديد، فحين يقرأ موضوعاً أدبياً شعراً كان أو نثراً يؤشر له عقله الباطني على أن هناك ما هو في حاجة الى معالجة نقدية، وهذا ينطبق على ما يقرأ في الأمسيات او اللقاءات الأدبية، ويتم ذلك وفق معايير وأسس نقدية يعتمد عليها في معالجة المادة أو النص.
لا يفوت العبيدي التنويه بغنى الحقل السوري الثقافي بالقامات الشعرية العالية مثل نزار قباني ومحمد الماغوط وسليمان العيسى وآخرين، ما جعل سورية المنبت الأخصب للأدب العربي بجميع أجناسه وأنواعه، على صعيد الشعر بصورة خاصة. وعلى يد هؤلاء الرموز، وقبلهم أبو العلاء المعري، تطور الشعر حتى امتلأت سورية راهناً بعدد لا بأس به من الشعراء الشباب الذين يكتبون الشعر بأنواعه وأجناسه.
أما حركة النقد في سورية فيعتبرها العبيدي حركة تتمتع بالديناميكية المفرطة التي تحتاج إليها المرحلة على ضوء تسارع المراحل الثقافية، إذ تكاد المراكز الثقافية ومقرات الاتحاد العام للأدباء العرب تختلط بالشباب الذين يقابلهم النقاد الذين يقتفون أثر الشعراء ويتابعونهم وجها لوجه أوعلى الصفحات الأدبية للصحف والمجلات أو على صفحات التواصل الاجتماعي.
الدكتور علي عزيز يحمل دكتوراه في الأدب العربي الحديث. شغل مناصب إعلامية عديدة بينها رئاسة تحرير وكالة الأنباء العراقية، وهو عضو في نقابة الصحفيين العراقيين وفي اتحاد الكتاب العرب في سورية. له العديد من المؤلفات: في مجال الرواية «شهداء بلا أكفان» و»رجال فوق لهيب الرمال» و»صقيع الجبال»، وفي مجال الشعر والنقد: «حقائب هموم إلى الوطن» و»مخاض القوافي» و»الرواية العربية في البيئة المقلقة» وغيرها.