في أبعاد ترحيل السفير سليمان من الأردن

د. إبراهيم علوش

يطرح إبعاد سفير الجمهورية العربية السورية في الأردن د. بهجت سليمان سؤالين مترابطين لا يمكن فهم الخطوة التصعيدية حيال سورية إلا في سياقهما:

1-هل أُبعد الدكتور سليمان نتيجة ملاحظات من الخارجية الأردنية عليه شخصياً، كما تزعم الحكومة الأردنية وكتّاب الأعمدة التابعون لها، أم نتيجة موقف مبيّت من سورية الدولة؟

2-إذا كانت خطوة إبعاد د. سليمان نتيجة موقف، فهل يمكن اعتبارها إذن مؤشراً على تغيّر مقبل، تصعيديّ، في الموقف الرسمي الأردنيّ من الأزمة في سورية؟

إذا كانت الكتيبة الإعلامية الرسمية الأردنية ركزت على محدودية الخطوة وربطتها بتصريحات الدكتور بهجت سليمان ونشاطاته وكتاباته، فقد اندفع كتاب الأعمدة المناهضون لسورية خارج تلك الكتيبة أو على حوافها إلى تصوير الخطوة كأنها مؤشرٌ على انقلاب خطير في السياسية السورية للأردن سيقلب الطاولة رأساً على عقب، فربطوها بمناورات الأسد المتأهب أولاً، وبإعلان «الائتلاف الوطني السوري» عن تعيين ممثل له في الأردن ثانياً، وبتوقعات تسخين جبهة درعا والدور الأردني المرتقب في إشعالها ثالثاً، وبموقف القوى الدولية والإقليمية التي تموّل وتغذّي الإرهاب في سورية من الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة ورغبتها في عدم السماح للقيادة السورية بفرض أمر واقع جديد على الأرض رابعاً.

لكن بعيداً عن محاولة توظيف إبعاد د. سليمان دعائياً ومعنوياً ضد سورية، لا بد من الإشارة إلى أن قرار النظام الأردني يصدر في وقتٍ تفتقد فيه القوى الدولية والإقليمية الراعية للإرهاب في سورية إلى أيّ مشروع حقيقي لقلب ميزان القوى الميداني أو العسكري لمصلحتها، وفي وقتٍ تبدو فيه أكثر إفلاساً من أي وقت مضى، فلا خيار أمامها إلاّ القبول بالحل السياسي… وقد أكد الملك عبدالله في لقائه مع البابا فرانسيس الأول الأسبوع الفائت على الحل السياسي في سورية. في الآن عينه، ترافق إفلاس القوى الدولية والإقليمية المناهضة لسورية مع تشديد الأردن لرقابته على الحدود مع سورية، وتزايد عمليات اعتقال السلفيين الأردنيين المتوجهين إلى سورية، واستخدام سلاح الجو الأردني مرتين لضرب قوافل حاولت التسلل من سورية إلى الأردن، وفي ذلك رسالة واضحة بأن الأردن الرسمي اتخذ قراراً بالنأي بنفسه عن أتون الأزمة السورية التي كان يحاول آل سعود جرّه إليها.

لم يُبعد الدكتور بهجت سليمان العام المنصرم عندما كان عنوان مناورات «الأسد المتأهب» الرسمي هو السيطرة على الأسلحة الكيماوية في سورية… أما تصريحات «الائتلاف الوطني السوري» حول تعيين ممثل له في الأردن وافتتاح ممثلية في منطقة أبو نصير في عمان، فقد قللت منها مصادر دبلوماسية أردنية بحسب وسائل إعلام محلية هنا، زاعمةً أنها غير صحيحة. ولو افترضنا جدلاً أن ثمة توجّهاً من هذا النوع، لإغلاق السفارة السورية وافتتاح سفارة للإرهابيين عوضاً عنها، فإن الأردن الرسمي لم يقدم على ترجمته عملياً في بداية الأزمة السورية عندما توهّم البعض بأن القيادة السورية على وشك أن تنهار «خلال شهر أو شهرين»…

جبهة درعا المدعومة لوجستياً من الكيان الصهيوني وغرفة العمليات المقامة في الأردن منذ فترة لا تخرج على عملية الاستنزاف طويل المدى لسورية، لكنها ليست جبهة يمكن أن تقلب المعادلات، كما أن فتحها يُدخِل جميع احتمالات تورط العدو الصهيوني بأوحالها إذا فتحت جبهة الجولان للمقاومة المسلحة ضده. فالتلويح بفتحها، أو فتحها فعلاً، لا يختلف عن التلويح بتزويد الإرهابيين في سورية ب»أسلحة نوعية» لن تقلب ميزان القوى بدورها، إنما تهدف إلى ابتزاز سورية تفاوضياً طالما بات الحل السياسي الخيار المنطقي الوحيد الباقي على الطاولة، وبشروط المنتصر في الميدان، الذي تبقى نقطة ضعفه الوحيدة مشكلة الاستنزاف طويل المدى… وهي النقطة التي أضحى الطرف الآخر، الأميركي-الصهيوني-البترودولاري، يحاول استثمارها سياسياً إلى أقصى حدّ.

لو أضفنا إلى هذا المشهد احتمالات الانفتاح السعودي-الإيراني، وتقهقر الولايات المتحدة دولياً، وتكسر اجنحة المشروع الوهابي-»الإخواني» في الإقليم الواحد تلو الآخر من لبنان إلى مصر إلى العراق، وأزمة «الإخوان» في تركيا، والتقارب التركي-الإيراني، واصطفاف جزء لا بأس به من رموز النظام الأردني ضد التورط في سورية، فإن الصورة لا تنم عن احتمالات تصعيد جدية ضد سورية عبر الأردن في المدى المنظور… ولا يمنع ذلك أن تُفتح جبهة درعا بدعم صهيوني-رسمي أردني، أو أن تقدم «أسلحة نوعية» للمعارضة السورية، ببساطة لأن القوى الدولية والإقليمية الداعمة للإرهاب لم تعد تملك أوراقاً، فإن ذلك لن يكون إلاّ لمحاولة لمنع إظهار الحل السياسي في سورية كنصر تام وناجز للقيادة السورية والجيش السوري، لكن ليس بصورة معركة «كسر عظم» تمثل بحد ذاتها خطوة انتحارية في ظل معطيات هيمنة الجيش العربي السوري على الميدان، حتى من دون أن ينتقل الإرهاب من سورية إلى الأردن.

الأهم أن خطوة إبعاد السفير سليمان تمّت من دون سبب مباشر، بمعنى أن د. بهجت لم يدخل خلال الأيام الماضية في أي مناوشة أو مشكلة من النوع الذي كانت تتذرع به الخارجية الأردنية لتوجيه الإنذارات إليه… هذا يعني أن قرار إبعاده اتخذ بعقل بارد، لا نتيجة انفعال أو فورة دم، وأنه ليس قراراً ضده كشخص، بقدر ما هو ضد الدولة السورية، لا لأن الأردن الرسمي على وشك أن يفتح معركة كبرى مع سورية، بل لأنه يريد أن يسدد فاتورة متأخرة للمانح السعودي والخليجي المستاء من خطوات الأردن في إبعاد نفسه عن الأزمة السورية، والمتردّد في الالتحاق بهستيريا مقاطعة سورية دبلوماسياً… والعبرة ليست بالضرورة في السياسة هنا، بل في تزايد احتياطيات البنك المركزي الأردني من نحو ستة مليارات من الدولارات عام 2012 إلى أكثر من ثلاثة عشر ملياراً اليوم، بفضل المانح الخليجي…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى