الكارثة التي حلت بالولايات المتحدة والسعودية جراء خفض أسعار النفط
حميدي العبدالله
عندما هبطت أسعار النفط في العام الماضي وواصلت هبوطاً في العام الحالي، ذهب كثير من المحللين إلى الاستنتاج بأنّ هبوط الأسعار هو مؤامرة تقف وراءها السعودية والولايات المتحدة، هدفها الضغط على روسيا وإيران اللتين يعتمد اقتصادهما كثيراً على الطاقة.
وتمّ الاستدلال على هذه الخلاصة بالقول إنّ أوبك وقفت موقفاً متفرّجاً ولم تلجأ إلى خفض الإنتاج للحفاظ على الأسعار، علماً أنّ إيران وفنزويلا والجزائر من بين أعضاء أوبك الذين تضرّروا وكان في مقدورهم أن يقودوا حملة معارضة ضدّ سياسة السعودية النفطية، ولكنهم لم يقوموا بذلك ووافقوا على إبقاء مستوى الإنتاج عند حدوده التي كانت قائمة قبل خفض الأسعار.
لكن من المعروف أنّ التحليل الذي يقول إنّ الولايات المتحدة والسعودية، وبدعم من الحكومات الغربية، هما اللتان قادتا حملة خفض أسعار النفط يتجاهل الحقائق الآتية:
أولاً، السعودية هي أكبر منتج للنفط، وتتراوح مساهمتها في تغذية الأسواق بين 8 و10 مليون برميل يومياً، وبديهي أنّ خسارتها لا تقلّ عن خسارة روسيا وتفوق إضعافاً خسارة إيران جراء انخفاض السعر النفط، لأنّ هذا الانخفاض غير محصور بالنفط الإيراني والروسي، بل يشمل كلّ الدول المنتجة.
ثانياً، الدول الغربية الخاسر الثاني، وبقوة تفوق خسارة روسيا وإيران، لأنّ غالبية الشركات العاملة في حقل الطاقة هي شركات غربية على امتداد الكرة الأرضية، وبالتالي انخفاض أسعار النفط أثر كثيراً على أرباحها، كما أثر سلباً على عائدات الخزينة في الدول الغربية جراء تراجع نسبة الضرائب المستوفاة من أرباح هذه الشركات.
ثالثاً، في فترة صعود أسعار النفط اعتمدت الحكومات الغربية وشركات الطاقة سياسات جديدة قائمة على توظيف مليارات الدولارات في الطاقة البديلة، ولا سيما في النفط الصخري، وتحديداً في الولايات المتحدة، ومعروف أنّ خفض أسعار النفط سوف يلحق أذى كبيراً بهذه الاستثمارات، سواء كانت استثمارات حكومية أو استثمارات خاصة.
الآن بعد مرور أكثر من سنة ونصف السنة على تراجع أسعار النفط بدأت تظهر الكوارث الناجمة عنه والتي حلت بالدول التي اتهمت بأنها تقف وراء خفض الأسعار، وتحديداً السعودية والولايات المتحدة، فالدول الخليجية وبينها السعودية سجلت موازناتها عجزاً حادّاً جراء انخفاض أسعار النفط، أما في الولايات المتحدة فقد كشفت المعطيات الرقمية هول الكارثة التي ألمّت بها. فقد كشفت وكالة «بلومبيرغ» الأميركية أزمة الديون التي تواجهها شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة، والتي على أثرها بدأ بعضها في إعلان إفلاسه. وحسب «بلومبيرغ» فإنّ الاقتراض وإصدار السندات، هي الأدوات المالية التي استخدمتها شركات النفط الصخري في التوسّع وزيادة إنتاجها في السنوات الثلاث الماضية، هي نفسها الأدوات التي باتت اليوم تهدّد استقرارها ووجودها. وقدّرت «بلومبيرغ» حجم الديون على شركات النفط الصخري بنحو ربع تريليون دولار بنهاية الربع الأول من العام الجاري.
فهل هذه النتائج الكارثية تبرّر سلوك الإدارة الأميركية والحكومة السعودية لخفض أسعار النفط نكاية بإيران وروسيا؟ أم أنّ الحقيقة في مكان آخر؟