نظرة فاحصة على تأصّل نزعات العنصرية والفاشية

حادثة اغتيال 9 أفراد من السود اقترفها شاب أبيض البشرة، في مدينة شارلستون، جدّدت التوترات العنصرية الكامنة في المجتمع الأميركي، وأضحت الشغل الشاغل لكافة الوسائل الإعلامية، المقروءة والمرئية ونالت اهتمام أعلى قمة السلطة السياسية بشدّ الرئيس أوباما الرحال على رأس وفد يمثل السلطتين التنفيذية والتشريعية للمشاركة في تشييع الضحايا. وشدّد في خطابه على ضرورة إنزال علم الانفصال الجنوبي من على الدوائر الحكومية المحلية، أسوة بمطالب قيادات سياسية وشعبية أخرى.

سيتناول موضوع التحليل مسألة تجدّد الصراع على خلفية عنصرية في المجتمع الأميركي، الذي بذلت نخبه السياسية جهوداً ملموسة لطمسه تحت عباءة «مساواة الحقوق المدنية» بين كافة أفراد المجتمع. استناداً إلى معطيات الطبيعة العنصرية للمجتمع الأميركي، من غير المرجح أن نشهد انحساراً سريعاً لموجة العنصرية التي يتغذّى عليها قادة سياسيون من الحزبين، لا سيما أولئك الراكضين لتبوّؤ مناصب رسمية.

«داعش»

استعرض معهد أبحاث السياسة الخارجية الأوضاع المالية لتنظيم «الدولة الإسلامية ـ داعش»، معتبراً أنه لا يمكنه الاستمرار على حاله «دون فتوحات جديدة…» عاقداً مقارنة بين أوضاعه الراهنة وبين كبار ملاك الأراضي و«العبيد» في الجنوب الأميركي «قبل الحرب الأهلية». وأوضح «أنّ زراعة التبغ آنذاك كانت تدرّ أرباحاً كبيرة، وبعد انقضاء بضع سنوات متتالية انخفض مستوى خصوبة الأرض وانهارت تجارة التبغ». وأوضح أنه في ظلّ تلك الظروف عمد كبار الملاك إلى نقل «مستمرّ للرقيق والعمل في أراضٍ جديدة»، وهكذا دواليك. وأردف «أنّ مداخيل داعش الكبيرة من المدن والمناطق التي احتلها سرعان ما تشهد تراجعاً… وتشكل نقطة ضعف حرجة للتنظيم».

آفاق الاستراتيجية الأميركية

واصل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حملة انتقاده للإدارة الأميركية في ما يخص سياستها في سورية والعراق، قائلاً إنها «تجد صعوبة كبيرة في توصيف استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في العراق وسورية»، بل فشل كلّ من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان في تحديد معالم الاستراتيجية أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ مشاطراً أعضاء الكونغرس مطالباتهم الإدارة «إصدار وثيقة تحدّد ماهية الاستراتيجية الأميركية، ومبرّراتها، وبعض التدابير الفعّالة».

إصلاح الأجهزة الأمنية

ذكّر معهد كارنيغي بضرورة مواصلة الجهود لإدخال «إصلاحات على أجهزة الأمن في كلّ من اليمن وليبيا… وتعاظم الحاجة إلى ذلك في أعقاب الانتفاضات الشعبية لعام 2011». وأوضح أنّ استبدال الطواقم السابقة في وزارات الداخلية وتوابعها الأخرى «ينطوي على تغيير في مفاهيم خدمة العامة واحترام الحقوق الإنسانية، وإعلاء سلطة القانون» على كلّ ما عداها من اعتبارات. كما لفت النظر الى ضرورة إعادة الاعتبار «لضحايا النظامين… طيلة عقود من اضطهاد أجهزة الدولة»، الأمر الذي يتطلب «إحداث توازن بين آلية حكم مركزية ورديفتها غير المركزية في ما يخص استحقاقات الأمن وتطبيق القانون».

ليبيا

أعرب معهد الدراسات الحربية عن اعتقاده بتراجع سيطرة «الدولة الإسلامية» على أهمّ معقل لها في شرق ليبيا، مدينة درنة، التي «تضمّ أهمّ وأقوى الشبكات الإرهابية، بعضها له ارتباطات بتنظيم داعش». وأوضح انّ محتويات الوثائق التي تمّ الاستيلاء عليها عام 2007، الخاصة بتنظيم «القاعدة» في العراق، «أفادت أنّ درنا وفرت أعلى نسبة من المنتسبين لتنظيم العراق من أي مدينة أخرى… بعض أبناء درنة الذين قاتلوا في سورية عادوا إلى ليبيا عام 2014»، وباشروا بإنشاء «مجلس شورى شباب الإسلام»، الذي سيطر على درنة لاحقاً.

إيران

حذر المجلس الأميركي للسياسة الخارجية الوفد الأميركي المفاوض من «استمرار إيران في جهودها لتطويع الطاقة النووية لأغراض عسكرية»، مطالباً بضرورة التحقق من «كافة الجهود الإيرانية في هذا المضمار» سابقاً وحالياً «كمقدّمة ضرورية للتوقف عند حقيقة المدى الذي لا يزال أمام إيران خوضه للتوصل الى النضوج النووي». وأضاف انّ القادة الايرانيين «استثنوا مطالب الغرب بمنح فرق التفتيش الدولية حق العمل دون عوائق… بدلاً من عرض نموذج تفتيش منظم يتيح للمفتشين الوصول الى منشآت ومواقع محدّدة يتمّ الاتفاق بشأنها».

تركيا

أعاد معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى التذكير بما ينتظر الرئيس رجب أردوغان من عقبات لتشكيل حكومة تحالف تتويجاً لنتائج الانتخابات الأخيرة، مؤكداً التزام «أردوغان بنظرته بعيدة المدى للظفر بمركز رئاسة قوي». وأعرب عن اعتقاده بعدم صدقية أردوغان للدخول في تحالف مع غريمه حزب الشعب الجمهوري، إذ يرمي بتشكيل «تحالف مبكر لأوانه الى انهيار العلاقة وما ستسفر عنه من خسارة شعبية لحزب الشعب، وتعزيز موقع حزب العدالة والتنمية في انتخابات مبكرة، يخرج منها بأغلبية أكبر تخوّله تعديل الدستور» لانتخاب رئيس البلاد مباشرة من الشعب.

«مناطق حرة لإطلاق النار»

ظاهرة الفاشية والعنصرية، قديماً وحديثاً، يربطها حبل القتل الجماعي السرّي. أينما حلت القوات الأميركية، المباشرة وغير المباشرة مجموعات مرتزقة بلاك ووتر ، رافقتها مجازر جماعية: فيتنام، كمبوديا، العراق، ليبيا، سورية، اليمن … والحبل على الجرار. حجر رحى الفاشية نشط مجدداً بإطلاق البيض النار عن سبق إصرار وتصميم ضدّ السود في الداخل الأميركي، بعضها سجلتها الكاميرات لتنقل بشاعة الجرم وانتهاك الحقوق الإنسانية الأساسية.

الفاشية، كعقيدة وممارسة، ليست مقصورة على مجموعة أو جنسية معينة أو أحزاب سياسية بعينها كما يبلغنا طبيب النفس الشهير ويلهلم رايش. ويقول في كتابه «السيكولوجية الجماهيرية للفاشية»، انّ الظاهرة العنصرية هي «امتداد لوعي الحالة النفسية للحضارة ومفهومها الغامض الميكانيكي للحياة»، وكان يقصد الفاشية النازية والاستعمار الاوروبي.

ما يميّز الفاشية الأميركية «الجديدة» هي نظرة الاستعلاء والعظمة وفرادة القيم، والتي عبّر عنها الرئيس أوباما حديثاً بقوله «أنا أؤمن بالسمو والاستثناء الأميركي الفريد بكلّ عرق في جسدي». ناهيك عن ثبات دعم المؤسسة الأميركية للانقلابات الفاشية في اسبانيا، واليونان، وتركيا، والباكستان والبرازيل، ومعظم دول أميركا اللاتينية ودعم انقلاب فاشستي في اوكرانيا باعتماد 5 مليارات دولار ضدّ الحكومة الشرعية عام 2014.

كريستوفر كولومبس، عند وصوله وسفنه الى جزر الباهاما عام 1493، أرسل رسالته الأولى الى ملك اسبانيا فرديناند والملكة إيزابيلا الاولى، يبشرهما «باسم الحضارة والدين الغربيين لنبدأ باستقدام أكبر عدد من العبيد» كما جاء في الأصل مدشناً بذلك تجارة الرقّ واستعباد البشر «غير البيض» لبناء صرح «الحضارة الأميركية» بميزتها الإساسية الإبادة الجماعية للسكان الأصليين.

رئاسة أوباما فاقمت العنصرية

لا يخفى لكلّ من يرصد التغيّرات والتحوّلات في الداخل الأميركي تلمّس انتعاش التعبيرات والممارسات العنصرية المتجذرة أصلاً في المجتمع ضدّ السود من ذوي الأصول الأفريقية. أيضاً، معظم الدراسات الاجتماعية واستطلاعات الرأي تدلّ بوضوح على تنامي الإضرابات الاجتماعية بشكل غير مسبوق منذ حركة المطالبة «بالحقوق المدنية»، خاصة استعادة خطاب المطالبة بالفصل العنصري.

تكرّست سياسة الرقّ القائم على الأصول العرقية في معظم الولايات الجنوبية من الولايات المتحدة، عبر ما عُرف بقوانين «جيم كرو» العنصرية. أطلق عليها ذاك الاسم المشتق من أغنية من أغاني الريف الأميركي عنوانها «اقفز يا جيم كرو». الاغنية تستحضر صورة الأسود من الرقيق بينما يمارس «السادة» البيض إطلاق الأعيرة النارية بين قدميه في ظلّ صيحات يطلقونها «اقفز يا جيم كرو».

يُشار الى انّ «آخر» المعارك العنصرية التي خاضها الأوروبيون ضدّ السكان الأصليين كانت قبيلة «سو»، عام 1890، انتهت بارتكاب مجزرة عُرفت باسم موقعة المعركة «الركبة الجريحة». عقب تلك المجزرة أطلقت المؤسسة الحاكمة لعنان لقوانين عنصرية ضدّ السود التي عرفها العالم بالفصل العنصري بين السود والبيض، كأفضل تعبير عن قوانين «جيم كرو». ننوّه هنا الى البعد الاقتصادي والاجتماعي لعنصرية البيض، الجذر الحقيقي للصراع، وبراعة المؤسسة الحاكمة في تغليفه بجملة تشريعات وقوانين تبرز أولوية الحقوق المدنية على حساب البعد الأساس للتفرقة العنصرية والعبودية الكامنة في صلب النظام الاقتصادي.

ضحايا بالجملة

شاب أبيض في مقتبل العمر يدخل كنيسة يؤمّها السود، في مدينة شارلستون، ويطلق النار على المصلين من السود يقتل 9 منهم جملة واحدة ويلوذ بالفرار. عقب إلقاء القبض عليه أوضح القاتل ديلان روف لرجال الشرطة انه «كان يرمي إلى إشعال حرب عنصرية». لم تشهد المدينة احتجاجات صاخبة ضدّ عنصرية البيض، كما كان متوقعاً، بل بادر أعيان المدينة ورجال الدين الى الدعوة للتظاهر سلمياً شارك فيها البيض والسود معاً وقدّر العدد بعشرات الآلاف. يشار الى انّ النائب في مجلس الشيوخ عن ولاية ساوث كارولينا، تيم سكوت، أسود البشرة.

استبشرت المؤسسة الحاكمة والقوى الليبرالية خيراً لعدم تفاقم تظاهرات من شأنها تأجيج العنصرية والعنصرية المضادّة. الخبير في علم إحصاء السكان، الديموغرافيا، جول كوتكين، افاد بأنّ معظم المدن الرئيسة المفضلة للسود تقع في الجنوب، 13 من مجموع 15 مدينة مرغوبة. العامل الاقتصادي يعدّ الدافع الرئيس وراء «هجرة معاكسة» من الشمال الصناعي والثقافي لولايات الجنوب. واضاف انّ هجرة السود المعاكسة بلغت عدة ملايين خلال العقد الماضي ولا تزال الخريطة السكانية هناك تعاني من اختلال التوازن، اذ تقطن غالبية السكان البيض في ضواحي المدن الكبرى لرحابتها، بينما يميل السود الى داخل المدن وبالقرب من أماكن العبادة.

في المقابل، أخفقت محاولات رجال الدين وأعيان المجتمع في مدينة بلتيمور للحيلولة دون اندلاع تظاهرات صاخبة، الأمر الذي يشير إلى وعي اجتماعي أعمق بين السكان وارتباط ديني متواضع.

رسم الرئيس أوباما الحدود القصوى لردود الفعل على المجزرة وما ينبغي القيام به، عبر التمسك بالشكليات والمرور الأدبي على تجليات العنصرية. وأوضح في خطاب تأبين الضحايا انّ الجهود ينبغي ان تنصبّ على التخلص من عَلَم انفصال الجنوب رمز العنصرية. وقال انّ العلم يعبّر عن «القمع الممنهج والقهر العنصري… إنزال العلم من الدوائر الرسمية يعني التعبير عن نعمة الله».

يشار الى سرعة تجذر مناداة السياسيين من مختلف المشارب والأهواء للمطالبة بِإنزال العلم، نظراً للتقديس الذي يحظى به بين أنصار الفصل العنصري والقوى المتطرفة من البيض، خاصة في الولايات الجنوبية. وانضمّت كبرى المتاجر الى حملة إنهاء التعامل لبيع العلم ورموزه الأخرى.

وندّد أوباما بفعلة القاتل الذي «اعتقَد انه سيحرّض السود على الخوف والبيض على ردّ الاتهامات… وتعميق الانقسامات التي تعود جذورها الى الخطيئة الأصلية لبلادنا». واستطرد بالقول إنّ الخالق عزّ وجل كانت له «افكار مغايرة»، وأحبط الفتنة.

اميركا تجهد لإلغاء سمعة العنصرية

من البديهي القول انّ العنصرية متأصّلة في الولايات المتحدة، منذ وطأ الأوروبيون ارض قبائل السكان الأصليين ومضى النظام السياسي الى مديات بعيدة لإضفاء طابع «بوتقة انصهار» للدلالة على انخراط ومشاركة جميع الأعراق والأصول. بيد انّ الممارسات العنصرية لا تغادر المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية ايضاً، والتي عمّقت الهوة القائمة ولا تزال.

عنصرية البيض تمارس ايضاً ضدّ الاقلية «البيضاء» من أصول اسبانية التي تقطن أعداد كبيرة منها في ولايات الجنوب الغربية المحاذية للحدود مع المكسيك، معلنة صراعاً له أبعاد حضارية: الحضارة الأوروبية مقابل الحضارة والثقافة اللاتينية. أفرزت المواجهات المتعدّدة ولادة حركة منظمة للأقلية اللاتينية عُرفت باسم «لا رازا العرق او الشعب». المصطلح عرفته قديماً اسبانيا خلال الحرب الأهلية، في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، خلال سعي الجنرال الفاشستي فرانسيسكو فرانكو إحياء الهوية الايبيرية. استنبط فرانكو مصطلح «لا رازا» لتعزيز مفهومه بسيادة وتفوّق الشعب الاسباني.

تزايد هجرة الأيدي العاملة من الجنوب اللاتيني الى الأراضي الأميركية، بوتيرة عالية منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، أدّى الى قلق السود خاصة في المدن الرئيسة، لاعتبارات مزاحمتهم الفرص الاقتصادية الشحيحة أصلاً. وأضحت الجالية اللاتينية محط أنظار الساسة والمرشحين لمراكز سياسية مسؤولة طلباً لدعمها، وابتعاد المرشحين في المقابل عن معاملة السود بالمثل.

تسلقت الجالية اللاتينية السلم الاجتماعي بوتيرة سريعة ملحوظة مقابل تواضع صعود السود. تعبيراً عن حالة الإحباط بين السود، أوضح رئيس «أمة الاسلام»، لويس فاراقان، عقب مجزرة شارلستون «نحن مَن أسهم في ازدهار البلاد، وعليه عندما أتيتم إلى أميركا، بلغتم الحلم الأميركي على انقاض كوابيسنا».

التنافس الاجتماعي والاقتصادي أيضاً ينعكس على السود مقابل الجاليات الآسيوية التي تعدّ من أسرع الجاليات لبلوغ الازدهار الاقتصادي. العديد من الآسيويين يمتلك متاجر متواضعة داخل أحياء السود مما يفاقم التوترات واستهداف تلك المصالح عند أول نقطة انعطاف. في المقابل، يعارض الآسيويون نظام الحصص كوتا المخصّص للسود في المراكز التعليمية لاعتقادهم أنهم أجدر من نظرائهم السود بفرص التعليم.

حركات قومية ام انفصالية

عملاً بقانون الطبيعة القائل إنّ كلّ ظاهرة تحمل في طياتها نقيضها، فقد أفرزت سياسة الفصل العنصري تنظيمات وتجمّعات متعدّدة بين السود عنوانها تحقيق المساواة بين الأعراق. المجموعات العنصرية المتطرفة، خاصة في الولايات الجنوبية، حظيت بدعم وحماية من السلطات في معظم الأحيان.

حقبة الستينيات من القرن الماضي شهدت تنامي الوعي لتحقيق مساواة اجتماعية وفرص اقتصادية بين الفئات المهمّشة عبّرت عنه بتنظيمات متعدّدة أنشطها كان ذو طابع قومي لتنمية الهوية السوداء، بعضها نادى بإقامة دولة سوداء خالصة داخل الولايات المتحدة تزعّمها رئيس «أمة الاسلام» لويس فاراقان. وأوضح فاراقان في حديث إلى إحدى شبكات التلفزة «إنْ لم نستطع العيش سوياً بسلام بعد عطائنا أميركا 400 عام من خدمة عرقنا وجهدنا، حينئذ يصبح الانفصال حلاً لمشكلة العرق بالطبع».

وبرزت أيضاً تنظيمات شبابية أشدّ جذرية في رؤيتها وبرامجها، أهمّها «حركة الفهود السود الجديدة»، مطالبة بانفصال السود، والتي شاركت بقوة في الاحتجاجات المتعدّدة التي اندلعت العام الماضي في كبريات المدن الأميركية بدافع التصدّي «لمؤامرة العرق الأبيض إحكام سيطرته على السود».

انتقد عدد من الزعامات السوداء أسلوب التهدئة الذي دعت إليه القيادات الدينية في شارلستون عقب المجزرة. وأوضح المسؤول في منظمة «محامون سود للعدالة»، مالك شبّاز، موبخاً أولئك بالقول: «هناك تعاون بين السلطات المسؤولة وشريحة محدّدة من السود الذين رضوا التعاون من مراكز القوى… لا سيما سيطرة قبضتها الحديدية على رجالات الدين في ولاية ساوث كارولينا والتي ينبغي كسرها». واتهم القيادات السوداء المحلية «الطاعة لقوة البيض… وعقد صفقة خسيسة مع الشيطان».

التنظيمات العنصرية البيضاء لا تزال تنشط وبقوة في الولايات الجنوبية، وبعض ولايات جبال الروكي، لعلّ أبرزها «كو كلاكس كلان»، وفضلت العمل بصمت دون ان تقلع عن ممارساتها العنصرية. مؤخراً ظهر «مجلس المواطنين المحافظين» كراعي وحاضن للقاتل المحتجز في شارلستون، ديلان رووف.

«نخبة» من العنصريين البيض انضووا تحت لواء «المعهد القومي للسياسة» بغية إنشاء وتعزيز «شريحة نخبوية من الانفصاليين البيض»، تشرف على إصدار كتيّبات ونشرات تدّعي التزام الأسس العلمية، أحدها كتاب بعنوان «الفوارق العرقية في الذكاء»، وآخر بعنوان «مخاطر التنوّع». مدير المعهد، ريتشارد سبنسر، كان بالغ الوضوح في مراميه بالقول: «هدفنا هو بلورة مجموعة نخبوية فكرية محورها القومية الاوروبية».

البعد السياسي في العنصرية الأميركية

درج الحزب الجمهوري، ببرامجه ومرشحيه، على تسخير القاعدة الانتخابية السوداء لصالحه منذ نهاية الحرب الأهلية ولغاية عقد الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تنبّهت المؤسّسة الحاكمة مبكراً لخطورة اندلاع احتجاجات واسعة تشكل قاعد لثورة اجتماعية، وسارعت إلى إلهاء الفئات العرقية المهمّشة بسنّ قوانين «الحقوق المدنية». وتحوّلت القاعدة الانتخابية لتأييد الحزب الديمقراطي الذي استغلّ قضايا الفصل العنصري لتعزيز مكانته السياسية. وأشرف الحزب على حملات «تسجيل الناخبين السود» الذين تمّ اقصاؤهم عنوة بفعل قوانين «جيم كرو» وتشعّباتها المتعدّدة.

شهدت الانتخابات الرئاسية عام 2012 أعلى نسبة من الناخبين السود فاقت نسبة البيض، وفق بيانات «هيئة الإحصاء» الفيدرالي لعام 2013، بعضهم صوّت للمرة الأولى في تاريخه لصالح المرشح أوباما مقابل خصمه الجمهوري ميت رومني. وأوضحت بيانات الهيئة انّ نسبة المشاركين السود بلغت 66 في المئة من المسجلين في القوائم الانتخابية، مقابل 64.1 في المئة للناخبين البيض.

يشار الى انّ قائمة مرشحي الحزب الجمهوري للجولة الانتخابية المقبلة تضمّ مرشحيْن من أصول لاتينية، بخلاف تاريخه الذي لا يعير الأقليات اهتماماً كبيراً، ويستند الى قواعده الانتخابية الصرفة من البيض والنخب الاقتصادية.

تدلّ البيانات الرسمية الى ارتفاع ملحوظ في نسبة مشاركة الأقليات العرقية والدينية على امتداد خمس جولات انتخابية رئاسية، منذ عام 1996، بلغ معدّلها 2،5 في المئة مقارنة بنسبة 1،6 في المئة في السابق.

نظرة سريعة الى تلك البيانات كافية للدلالة على فوز الرئيس أوباما بنسبة كبيرة: صوّت السود من أصول افريقية لأوباما بنسبة 93 في المئة و71 في المئة من الجالية اللاتينية و73 في المئة من الجالية الآسيوية.

النمو الاجتماعي للأقليات يمضي بوتيرة أعلى من نمو البيض، وهي ظاهرة ستبقى حاضرة في ذهن قيادات الحزبين لاستنباط إجراءات مبتكرة لجذب أكبر عدد منهم لتأييد مرشحيهم، لا سيما بين الجالية اللاتينية التي بلغ تعداد ناخبيها المسجلين 12،1 مليون ناخب العام الماضي.

العامل العرقي الحاضر دوماً في التجمّعات الانتخابية لن يحيد في الجولة المقبلة عن استغلاله كعنصر استقطاب، مما يؤشر على منافسة حامية للفوز بأصوات الأقليات المختلفة مع الإشارة الى خطأ جسيم ارتكبه مؤخراً المرشح الجمهوري دونالد ترامب بازدرائه المهاجرين من أصول مكسيكية. المكافأة الحقيقية ستتجسّد في نسبة التأييد المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى