هل يعطل العماد البلاد؟
روزانا رمّال
يواظب وزراء ونواب كتلة المستقبل النيابية وفاعليات التيار السياسية على اتهام العماد ميشال عون رئيس اكبر كتلة برلمانية مسيحية في البلاد بتعطيل آلية عمل الدستور اللبناني واصفين سلوكه بغير المسؤول.
يعتبر نائب من تيار المستقبل كغيره من زملائه انّ البلاد واقعة تحت رحمة انعدام المسؤولية بغطاءات وشعارات وطنية تعكس طمع البعض بالسلطة، في ظلّ ما يتهدّد لبنان من مخاطر كبيرة، وبالنسبة لتيار المستقبل اولاً و14 آذار ثانياً فإنّ الطمع بالسلطة لا يتمثل سوى بالعماد عون الذي يطالب بحلّ مسألة التعيينات الأمنية ورئاسة الجمهورية بما يتناسب مع مواقفه، حيث الثابت عنده أولاً أحقية العميد شامل روكز من حيث الكفاءة والخبرة بتولي قيادة الجيش اللبناني، وثانياً أحقيته هو بتولّي الرئاسة اللبنانية نظراً إلى كونه الزعيم المسيحي الأكثر تمثيلاً سواء في المجلس النيابي أو على الصعيد الشعبي.
يبدو أنّ طموح المسؤولين اللبنانيين تخطى منطق وحجم مقدّراتهم ومواقعهم وقدرتهم على الحسم في استحقاقات لبنان، فأصبح اتهام فريق للآخر بتعطيل البلاد أمراً تطلبه السياسة اليومية خصوصاً بعدما تأكد للشعب اللبناني عجز مسؤوليه عن تقديم ايّ جديد له قادر على ان يحلّ أزمات البلاد ومشاكلهم ويضع لبنان على الطريق الصحيح.
يعرف تيار المستقبل ومعه كتلة 14 آذار اللذان لم يدعما مرشحاً واحداً رئاسياً لآخر الطريق بين من سبق وأعلنوا ترشحهم او تلميحاً بنوايا وصولهم إلى الرئاسة وهم الرئيس امين الجميّل، وسمير جعجع، وهنري حلو، انّ النزول الى مجلس النواب والحضور الكامل عدداً وأوراق اقتراع لن يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية، ففريق 14 آذار الذي بالغ في ادّعاء الجاهزية للاستحقاق وفي تحميل مسؤولية التعطيل لخصومه، لم يؤمّن الأجواء المناسبة لوصول ايّ من المرشحين للرئاسة، وأخصّهم سمير جعجع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الذي لم يتمّ تسويقه بشكل ملائم لدى القيادات اللبنانية السياسية كافة كما يقوم حلفاء عون بتسويقه.
من جهة أخرى بطبيعة الحال حتى ولو تمّ تسويق ايّ من المرشحين الاثنين المعتمدين في 14 و8 آذار فإنّ وصول أحدهما الى سدة الرئاسة في لبنان ليس قراراً محلياً صرفاً مهما حاول الفريقان ادّعاء القدرة والإمكانية على تحديد موعد جدّي للانتخابات، لأنّ الاتفاق لا يحتاج طرفاً واحداً بل اثنين، شرط ان يتمتعا بكامل الحرية في الشروع بوضع اللمسات الأخيرة الايجابية على ملف الرئاسة اللبنانية الفارغة من دون الحذر من اتصال هاتفي من مكان ما يأتي بعد منتصف الليل.
مسؤولية اللبنانيين عن أنفسهم وعن استحقاقاتهم لا توضع سوى في إطار الطموح الذي من المفترض ان لا يتحقق الا بتحقق أعلى قدر من السيادة على النفس والجدية في البحث بمصلحة لبنان «أولاً» وعملياً فإنّ تحميل العماد ميشال عون مسؤولية التعطيل في البلاد بات اتهاماً سياسياً غير موفق لخصومه، خصوصاً بعدما كشفت «ويكيليكس» مدى الارتهان الكبير لمقرّرات فريق 14 آذار بأبرز كوادره للقرار السعودي.
إصرار العماد عون الذي يخشى تعطيل قرار المسيحيين في الشرق ويخشى على كرسي الرئاسة اللبنانية على البحث مع كافة الفرقاء اللبنانيين في موضوع التعيينات الإدارية والمعركة الرئاسية، ليس سوى دليل واضح على جدية توجه تياره نحوالانفتاح من اجل الحلول التي تنبثق عن مشاروات داخلية مع جميع الفرقاء، وكان أبرزها سلسلة الجلسات التي جمعت المسؤولين في تياره بمسؤولين من «القوات»، حتى توّجت بلقاء بينه وبين سمير جعجع، بالإضافة الى جلسات الحوار مع تيار المستقبل، بالتالي يعرف المستقبل وهو رأس الحربة انّ من يسعى إلى التقرّب ويشرح ويوضح ويبادر ويسعى للحلّ فكيف يمكن ان يكون عون معطلاً؟
ربما نسي فريق 14 آذار ان وصول الرئيس ميشال سليمان الى سدة الرئاسة جاء بعد دور مصري أساسي أيام حكم النظام السابق المتمثل بحسني مبارك، حيث كان اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية آنذاك المعني الأساس في كلّ المشاورات المصرية الرئاسية التي جرت، ولعب دوراً أساسياً في ترتيب اتفاق أو صيغة التوافق التي حظيت بمظلة عربية واسعة، وبالتالي فإنّ اتهام العماد عون بتعطيل في البلاد ليس سوى حجة خصومه أمام استشعار بهتان الاهتمام والتوجه نحو حل للأزمة الرئاسية في لبنان، بسبب ما يجري في المنطقة من تخبّط ومعارك ضدّ الإرهاب، والحرب على اليمن تعني الوسيط السعودي المباشر، أما الوسيط المصري فغير موجود هذه المرة، بالاضافة الى الموقف الإيراني الثابت الداعم لما يقرّره حزب الله وحلفاؤه بطبيعة الحال.
وحده القرار الدولي أبرز أسباب التعطيل في البلاد، لأنّ أحد الأطراف غير جاهز لحسم موقفه بإدارة الظهر لمجريات الخارج وأحداثه، وما توقف حوار التيار الوطني الحر و»المستقبل» سوى أحد أوجه التعطيل الإقليمي الجدي للبحث في هذه الملفات الأساسية، وبالتالي إذا كانت المنطقة تنتظر أحداثاً رئيسية وحاسمة كنهاية الملف النووي الإيراني والتوصل الى حلّ سياسي في اليمن ووضوح أفق الأزمة السورية والحلّ فيها، فإن لبنان بلا شك منتظر معها بعلم اللبنانيين من دون تحميل العماد عون مسؤولية بلاد لا يعطلها، إنما يعتبر الوحيد الذي يمارس الحياة السياسية ويؤسّس للقاءات جامعة مع كلّ الأفرقاء.