ورقة الاقتراع… «نعم» لسورية و«لا» للمؤامرة
أحمد طيّ
زحمة السير في الشوارع المؤدية إلى اليرزة أمس، لم تكن بسبب الأشغال المهترئة التي احترفت الدولة اللبنانية تطبيقها على مدى العقود الماضية.
ولم يكن سببها أمطار غزيرة هطلت في غير موعدها، فاستحالت سيولاً وينابيع في الشوارع.
ولم يتسبب بهذه الزحمة اعتصامٌ لأساتذةٍ وموظفين ومتعاقدين ومتقاعدين يتجرّعون مرّ الظلم من كأس سلسلة رتب ورواتب لم يعرف جهابذة التشريع والتنفيذ في لبنان سبيلاً لإقرارها عادلةً.
الزحمة في الشوارع المؤدية إلى اليرزة أمس كان سببها أمر وحيد أوحد: تدفّق مئات الآلاف من السوريين، لا ليدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية السورية، المنظّمة في لبنان في السفارة السورية، بل ليقولوا «لا» في وجه المؤامرة، وليقولوا: «نعم، نحن شعب حيّ يمارس الديمقراطية بأبهى حللها».
مشهد التفق الجماهريّ السوريّ إلى اليرزة أمس، ساهم كثيراً في قلب المعادلات رأساً على عقب. وكأني بالمتآمرين على سورية، والمساهمين في هذه المؤامرة، يلطمون وجوههم، ويسترون عري خيبتهم، هم الذين كانوا يراهنون على شعبٍ ينقلب على وطنيته، ينقلب على طينته، أسوةً بحفنةٍ من المتخاذلين المستفيدين من رفاهية الأوتيلات الأوروبية والتركية. لكن الشعب السوريّ خذلهم، وأراد أن يكون ركناً هاماً في معادلةٍ لا يمكن لأيّ مؤامرةٍ في الدنيا أن تكسرها: قيادة حكيمة ـ جيش عقائديّ باسل ـ شعب أصيل.
مشهد الانتخابات في مقر السفارة السورية أمس، الذي كان مضيئاً فيه مشهد الحضور الكثيف والهتافات واللافتات، قابله ما برز في الإعلام، من خلال التصريحات الإذاعية، والتغريدات على «تويتر»، والـ«بوستات» على «فايسبوك»، وحتى إصدار البيانات، وكلّ ذلك يصبّ في انقضاض أشاوس قوى الرابع عشر من آذار على هذا المشهد البهيّ، في محاولةٍ لتشويه الصورة، وعرقلة الاستحقاق، لكنهم ـ الأشاوس ـ لا يدرون ما يقولون، فقد ينقلب كلامهم عليهم، وهل مَنْ يغفر؟!
شرّ البليّة ما يضحك، وأطرف الضحك ما يدل على انقلابٍ في المواقف وتبدّل بين ليلة وضحاها، وهذا ما ينطبق على الأشاوس. فالقاصي والداني ومن بينهما يعرفون جيداً ـ مع بدء المؤامرة على سورية ـ كيف لبس جهابذة الرابع عشر من آذار لبوس الأم الرؤوم والقلب العطوف، وكيف انهمرت دموعهم غزيرة على النازحين السوريين، مدّعين العطف والإنسانية والشفقة، طارقين أبواب السفارات كلّها والهيئات والمنظمات العالمية، من أجل تمويل «مؤازرة الشعب السوري النازح من أرضه». ظنّوا حينذاك أن هؤلاء النازحين معارضون للنظام، لا بل اشترطوا عليهم في ما بعد، أن يظهروا بمظهر المعارضة مقابل «الإعانات الإنسانية».
لكن ما جرى أمس إزاء التدفق الهائل من أجل الاقتراع في الانتخابات، أصاب صقور الرابع عشر من آذار بصدمة، فتنكروا سريعاً لعطفهم ولقلوبهم الرقيقة. وفجأةً، أصبح «النازحون المغتربون قسراً عن ديارهم»، «شبيحة الأسد»، و«بلطجيي الأسد»، و«عناصر الاستخبارات السورية»، ووجب ترحيلهم، لا بل طردهم. وذهبت مي شدياق إلى حدّ مطالبة الأمم المتحدة بـ1559 جديد لطرد النازحين السوريين من لبنان. كأني بها تقول: «فكرناكم ضد بشار، جايين تنتخبوه؟؟»!
أمّا النائب القواتي فادي كرم، فغرّد عبر «تويتر» لا ندري إن كان فعل التغريد هنا يصحّ قائلاً: «فليغادر شبيحة بشار الأسد الأراضي اللبنانية فوراً، وليذهبوا لدعمه على أراضيهم بدل إزعاج اللبنانيين واستفزازهم». نعم، فالمشهد يستفزّ النائب كرم، هو لا يحبّ أن يرى الشعب السوريّ ينتخب رئيساً، أيّاً كان الرئيس، فالمشهد المحبّب لدى ابن حزب أتقن الذبح على الهوية، مشهد العصابات الإرهابية التكفيرية في سورية التي تقطع الرؤوس وتبقر البطون وتنفذ الإعدام الميدانيّ وتأكل الأكباد البشرية وتغتال التاريخ وتغتصب وتشرّد ووو… يا حبّذا لو سمعنا مرّةً واحدةً من الدكتور وحكيمه تعليقاً واحداً على هذه الجماعات الإرهابية.
أما مروان حماده، الذي يحب أن يكون له «قرص» في كل «عرس»، فـ«أسِفَ لانتقال البلطجة الأسدية إلى قلب لبنان»، واصفاً مشهد الانتخابات بـ«المخجل». وكذلك كان رأي أكرم شهيّب، أما حزب الكتائب، فكان قلبه على اللبنانيين العالقين في زحمة السير، وكأن أمس كان اليوم الوحيد الذي تشهد فيه شوارع لبنان زحمات سير!
لم يُغِظ مشهد أمس صقور الرابع عشر من آذار فحسب، بل أوقعهم في مشكلة أخرى، فإذا كان السوريون الذين بلغ عددهم أمس أمام السفارة السورية في اليرزة مئات الآلاف «شبيحة»، فأين هم المعارضون من النازحين وكم هو عددهم؟! وإذا كان هذا الدفق الشعبيّ «النازح» وطنياً ويعشق وطنه، فكم هو عدد الذين لم يغادروا سورية، الذين يستعدّون للاقتراع بأصواتهم في الثالث من حزيران المقبل؟
وغذا كان أركان الرابع عشر من آذار مع الديمقراطية للشعب السوري منذ بداية المؤامرة على سورية، لماذا يقفون ضدها اليوم؟
يبدو أن هؤلاء ليسوا سوى نافذة نطلّ من خلالها على المتآمرين الحقيقيين، نزلاء الأروقة المظلمة في البيت اللاأبيض الأميركي، والمحافظون الجدد، وأصحاب الجاه في اللوبي الصهيوني، الذين يستسيغون الديمقراطية للشعوب متى كانت هذه الديمقراطية مواتية لمصالحهم الاستعمارية، ويحاربونها ويحجبونها ويتنكرون لها عندما لا تتناغم مع مصالحهم ومراميهم.
مشهد أمس، والذي شهد وضع أكثر من ثلاثمئة ألف صوت في صناديق الاقتراع بحسب التقارير الأولية، والذي شهد أيضاًً تمديداً للاقتراع يمتد إلى نهاية اليوم، هذا المشهد كان له دلالات عدّة نذكر منها:
ـ بداية نهاية المؤامرة على سورية من خلال اكتمال بدر معادلة القيادة والجيش والشعب.
ـ بدء اضمحلال المجموعات الإرهابية التي ترى بأمّ العين التفاف الشعب حول قيادته وجيشه ووطنه.
ـ سقوط نظرية «الحراك الشعبي والمعارضة السلمية» التي رافقت مؤامرة «الربيع العربي»، والتي لم تكن سوى فبركة من فبركات الإعلام المتآمر.
ـ استفاقة الشعوب الغربية، لا سيما الأوروبية، ومساءلة الحكام حول الخديعة التي حيكت ضدّ سورية وضدّ الرئيس بشار الأسد، فإذا كان هذا الرئيس دموياً وديكتاتوراً، كيف يُفسَّر هذا التدفّق لانتخابه من قبل شعب سورية؟!
أمس، انتخب من السوريين في لبنان من تيسّرت أمامه المهمة، واليوم يبحث آخرون كثيرون عن فرصة للإدلاء بأصواتهم، هذا الصوت الذي يحمل الـ«نعم» والـ«لا» في آن واحد. نعم لسورية ولا للمتآمرين!
تصوير: تمّوز