ببساطة… الوضع في سورية اختلف!!!
جهاد أيوب
ما حدث أمس من تجاوب المغترب السوري في البلاد التي يعمل فيها، مدلياً بصوته لرئيس بلاده، أوجد أكثر من معادلة، أهمها أن الواقع قد تغيّر، وصبّ في صالح بناء الدولة القائمة، وجعل الصورة أكثر وضوحاً، وأربك من لا يزال يؤمن بتدمير سورية ككيان وكشعب، وهذا يتطلّب منّا الإشارة إلى ما هو واقعيّ الآن.
مع بدايات الأحداث «الشوارعية» في سورية، أشرنا إلى أن هذا التحرك لا معارضة فيه، بل ثمة مجموعات معترضة، ومرتزقة يرمون إلى السيطرة والتدمير والقتل، وإلغاء الوجود السوري كدولة موحدة. همّ هذه الزمر كان تحقيق المشروع الصهيو ـ أميركي، تدرك ذلك أم لا، مع أن القسم الأكبر منها كان يعمل بقناعة تامة، وحجّته أن التعامل مع الشيطان يجوز من أجل تحقيق الهدف.
عام 2004 اعترف رجب طيب أردوغان بأنه هو شخصياً صمام أمان إنجاح المشروع في المنطقة، ولا ننسى انبطاح بعض مدّعي «الزعامة» في لبنان وما فعلوه ضد المقاومة قبل عدوان تموز وخلاله وبعده، واستغلالهم اغتيال الرئيس رفيق الحريري في تدعيم حركتهم، وإشعال كل الجبهات ضد المقاومة، وجعل لبنان منصة لتحقيق ذاك المشروع الذي أصبح مطلباً ملحاً بعد سقوط «إسرائيل» في وحل حرب تموز، فـ«إسرائيل» لم تعد قوة حاسمة، وتحتاج إلى من يعينها، ووجدت ضالتها لدى بعض الأنظمة الأعرابية، ناهيك عن عدم رغبتها في شن الحرب على لبنان وسورية بوجود وكلاء.
ما نشير إليه لا يلغي وجود مطالب شعبية إصلاحية محقة، وغالبية الشعب السوري، على ما يبدو ومن خلال الإقبال الكثيف على التصويت، استوعبت ما يطاول وطنها وهويتها، ودور تلك الجماعات الإرهابية المرتزقة، وتنبهت إلى أن المرحلة هي مرحلة التآمر لتفتيت أمة لها تاريخها. سورية ليست كغيرها من دول العالم، هي مهد والحضارات، ومفاتيح الشرق، وعصب حركة شعوب المنطقة. قد تحاسب سورية على تاريخها دائماً، ولكنها اليوم لم تعد تعيش خطورة ما حدث في شوارعها، على رغم ما أصابها من دمار، بل تمكنت من صد فبركات الغزو والحرب الدولية عليها، وهذا بعض من المعطيات التي تدل على نجاح سورية:
سورية التي شُنّت عليها حرب إعلامية عالمية كشفت الجزر الفاعلة والهدامة المزروعة في العرب، وحدّدت صور التحرّك الإعلامي المشبوه بأبعاده كلّها، وتحديداً في بناء فتنة طائفية عنصرية غوغائية، ظهرت بوادرها مع بدايات معارك تدمير حمص وحلب والجولان، إذ حُمل العلم الصهيوني وأُحرق علم المقاومة، وأصيب المجتمع السوري في الصميم، لكنه استطاع احتواء الكثير من مفاصل هذه المؤامرة، قابلها تواصل الرئيس بشار حافظ الأسد مع كل فئات شعبه.
حتى الآن لا قيادة معروفة في المعارضة المعترضة، و على رغم تعدد الوجوه، النتيجة خواء في قيادة مضحكة لا ثقة فيها، وخطاب مشوّه تائه في معارضات مشتتة في غرف الفنادق الفاخرة!
صمود سورية التي سُلط عليها السيف التركي بوقاحة قلب اتجاه السيف، وذلك من خلال وقوع تركيا بأزمات داخلية عنصرية طائفية فئوية لا تحسد عليها، والحديث في الغرب عن تفكّك تركيا والسعودية شبه قائم في ظل غياب حقوق الأقليات فيهما، والتضييق على الحريات الإعلامية.
السعودية في الملف السوري هي خارج الاتفاقات تسلمت المبادرة مباشرة من قطر وتركيا، واليوم تحاول أن تتسلّم نافذة لبنانية لتكون حاضرة في رسم الحلول بين أميركا وروسيا وأحياناً إيران. أما دور قطر الآن، فمحدد بدور قناة «الجزيرة» التي فبركت الأحداث وتاهت مع فبركاتها.
مصر بعد خلع حسني مبارك ومحمد مرسي والإخوان ليست كما كانت في المشروع، ومع الأيام، سيأخذ تحرك شعبها الطريق العروبي والقومي من خلال العودة إلى قضية فلسطين، وفلسطين هي صمام الأمان لوجود العرب.
روسيا والصين لا تفرّطان بسورية وبدورها في هذه المرحلة ومع كل مرحلة دبلوماسية يتأكد ذلك، وإيران شبه تكامل سياسي عسكري اقتصادي جماهيري إعلامي مع سورية، وبغداد تساند تحركات الرئيس السوري بعد مجابهتها الفعالة عسكرياً زمراً إرهابية مسلحة منطلقة من حدودها، ولبنان لم يعد كما ما كان بعد اغتيال الحريري، ومشروع 14 شباط مع الأيام، ومع انتصار وحدة سورية والحسم الميداني خفّ بريقه، وأصبح فعلياً شبه ميت لا حياة فيه إلا إذا وقع الدم، لديهم شطارة في استغلال الدم، ولم تعد هذه الجريمة مؤثرة!!
كل هذه الأمور، وغيرها تدل على فشل المشروع التفتيتي في سورية، وأصبح أيّ تحرك ضدها يشكل أزمة في وجه من خطط ومن تبنّى، وهو يدرك قبل غيره أن نجاح الرئيس بشار الأسد في انتخابات الرئاسة المقبلة يعني نجاح الشعب السوري المعتدل. وتفوّق سورية على التفتيت سيشكل خطراً على كل من تطاول، تجرّأ، تحرك، فتن، قتل، أحرق، وخرّب في الأرض. سورية كانت المعضلة التي أخافت الحملات الصليبية والإفرنج، وسورية ما بعد الأحداث «الشوارعية» ليست كما قبلها، وما يحدث الآن صوغ مشروع المنطقة وتجمّعاتها، وتحالفاتها، وسياستها المقبلة، لكن ذلك يُطبخ على نار هادئة، وتواكبه انتصارات الجيش السوري، وظفر سلطة الدولة!