هل الوضع في ليبيا «باهي» – «باهي» أم خطوة نحو محاربة الإرهاب في أفريقيا واجتثاث مصادر تسليحه؟
ميشيل حنا الحاج
المرجّح أن الوضع في ليبيا ليس «باهي» «باهي»، أي ليس وضعاً رائعاً تحسد عليه ليبيا ويحسد عليه الليبيون. وكلمة «باهي» هي التعبير الليبي الذي نعرفه عن اللهجة العامية الليبية، تماماً مثلما نعرف من لهجات «تونس» وتعبيراتها الخاصة كلمتي «يعيشك» و»برشه».
لكن الوضع في ليبيا الآن، بل منذ انطلاقة الثورة في 18 شباط 2011 ، لم يكن «باهي» أبداً رغم الإنجاز الذي حققته الثورة بالتخلص من ديكتاتور هو «معمر القذافي» الذي لم تكن مرحلة حكمه أيضا «باهي» – «باهي». فنسبة عالية من الفوضى حلت بالبلاد بعد الثورة وأدت الى سلسلة من الاغتيالات كان أبرزها اغتيال السفير الأميركي كريس ستيفانس، إضافة الى سلسلة من عمليات الاختطاف، كان آخرها اختطاف السفير الأردني، لكن أبرزها كان اختطاف زيدان رئيس الوزراء الليبي آنئذ.
نتيجة عمليات الفوضي التي سادت، كان ظهور الحركات الإسلامية المتشددة التي اتسم سلوكها بالإرهاب، وأبرزها حركة «أنصار الشريعة» التي اتسم سلوكها باتجاهين مهمّين مدمرين:
أولهما ممارسة الضغط المستمر على المجلس الوطني الليبي المنتخب، لتغيير رؤساء الوزارات المعينين من قبل المجلس، ما أدى الى تبدل وزاري بين الفينة والأخرى، بدءاً بجبريل وانتهاء بالرئيس الحالي أحمد معيتيق، والذي يبدو أنه فرض فرضاً على المجلس، ما شكل شرارة الانطلاق لحركة «الكرامة» التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والتي شرع يلتحق بها العديد من المؤيدين رغم علامات الاستفهام التي تحوم حول حفتر نفسه. فهل هو أي خليفة حفتر يسعى إلى أن يكون سيسي ليبيا اقتداء بالمشير عبد الفتاح السيسي الذي قاد التغيير في مصر، والذي حاربته أميركا ولم تبد ارتياحاً نحوه، أم أن حفتر هو رجل أميركا، رغم التزامها الصمت نحو حركته؟ وهو رجلها لكونه أمضى السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة ومنح الجنسية الأميركية، بل قيل على لسان باحث استراتيجي أميركي هو عاطف عبد الجواد خلال مناقشة شارك فيها على «بي بي سي عربي»، إن حفتر من رجال الاستخبارات الأميركية.
ثانياً، ما اتسمت به حركة «أنصار الشريعة» ليس مجرد إثارة الفوضى وأعمال الاختطاف والاغتيال في ليبيا، بل امتد إلى تزويد حركات الإرهاب الأفريقي بالسلاح، ما أدى الى نشاط ملحوظ ومفاجىء لتلك الحركات مثل حركتي «بوكو حرام» في نيجيريا، وحركتي «الأزواد والطوارق» في مالي، إضافة الى ما يحصل في أفريقيا الوسطى، وما يجري أيضا في سيناء المصرية. فالكم الهائل من السلاح في ليبيا لذي استورده القذافي من دون أن ينشىء جيشاً حقيقياً ليستخدمه، إضافة الى ما تدفق على القطر الليبي من سلاح لأجل مقاتلة القذافي، وقع جزء كبير منه في أيدي المتطرفين الإسلاميين الذين استخدموه لتأسيس وتنشيط الحركات الإسلامية المتشددة في أفريقيا.
كانت البداية في توريد كميات من ذاك السلاح الى سيناء، إذ ظهرت إلى الوجود من العدم منظمة «أنصار بيت المقدس» التي غض النظر عن نشوئها وتناميها الرئيس السابق محمد مرسي، بغية استخدامها كورقة احتياطية إذا تمرد الجيش عليه. وضبطت قوات الأمن المصرية يومذاك، ولم تكن على ولاء تام لمرسي، عدة شحنات من تلك الأسلحة وصادرتها، بيد أن العديد منها مر ولم يُضبط، ووصل الي أيدي الحركات الإرهابية مثل جماعة «أنصار بيت المقدس» وغيرها من المجموعات، بما فيهم أعضاء في حركة «الإخوان المسلمين».
لكن الأمر لم يتوقف على سيناء فحسب، اذ لوحظ تدفق تلك الأسلحة على دول أفريقية أخرى وأبرزها مالي ونيجيريا. ولوحظ منذ عام ازدياد نشاط «الأزواد» و»الطوارق» في مالي، ما استدعى حملة عسكرية فرنسية على مالي أدت الى تحجيمهم ولو حين، إذ عادوا الى النشاط حديثاً، وبدأوا منذ بضعة أيام في مهاجمة مدن والاستيلاء على بعضها مجدداً في شمال مالي.
لكن التطوّر الأهم كان الظهور الكبير المفاجىء والقوي لحركة «بوكو حرام» في «نيجيريا»، إذ سلطت الأضواء عليهم بكثافة عندما اختطفوا نحو ثلاثمئة فتاة من مدارسهن واعتبروهن سبايا استناداً الى المفهوم السلفي التكفيري المتشدد! وأعقبوا ذلك بسلسلة من الهجمات على مدن أخرى مع تفجيرات عديدة كان أحدها في سوق عامة مزدحمة، ما أدى الى مقتل العشرات من المدنيين الأبرياء. ولوحظ تطور آخر على الحركات الإرهابية في أفريقيا، فبعدما هاجم تجمع من قوات الدول الأفريقية، بالتعاون مع القوات الصومالية، منظمة «شباب الصومال» المنتمية إلى «القاعدة»، وإلحاق هزيمة بها، بل ودحرها بطريقة واضحة أدت الى انسحاب «الشباب» الى مواقع مجهولة، واختفائهم من المدن الصومالية، عاد هؤلاء فجأة الى الظهور حديثاً في العاصمة الصومالية، بل نفذوا أيضاً تفجيرات في بعض المواقع الكينية، مذكّرين بالهجوم الأكبر في نيروبي، العاصمة الكينية، قبل بضعة أشهر، على تجمع لأسواق تجارية مول استمر عدة أيام وأدى إلى وفاة عدد كبير من المدنيين.
التطور الأهم كان حين فرض هؤلاء الليبيون الإسلاميون المتشددون على المجلس الوطني الليبي عزل رئيس الوزراء السابق بطرائق وصفها البعض بالملتوية وغير الديمقراطية، وانتخاب أحمد المعيتيق رئيساً للوزراء بدلا منه، مع اشتباه الكثيرين بكون معيتيق اسلامي الاتجاه، رغم أن البعض القليل رجح كونه معتدل الاتجاه وليس إسلامياًً. وكانت مهمة معيتيق الإشراف على الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهذا ما خشي منه البعض، ومن ظهور برلمان فيه أكثرية إسلامية تحلّ مكان «المجلس الوطني» الحالي الذي كانت فيه نسبة واضحة من العلمانيين والمعتدلين قياساً بالعدد القليل من الأعضاء ذوي الاتجاه الإسلامي المتشدد.
هنا تطلب الأمر ظهوراً مفاجئاً للواء المتقاعد خليفة حفتر للحيلولة دون ذلك ودون سيطرة الإسلاميين على مقادير الأمور محوّلين البلد الى «أفغانستنان» أخرى تتنامى فيها قوة «القاعدة». واذا كانت «القاعدة» في أفغانستان تخيف أميركا والدول الأوروبية رغم بعدها الجغرافي عنهم، فإن ظهور القاعدة وتناميها في ليبيا، كان مدعاة لمخاوف أكبر نظراً إلى قرب الشواطىء الليبية من الشواطىء الأوروبية، خاصة من الشواطىء الإيطالية التي كان يقتضي الأمر في حالتها مجرد رحلة بزورق لا تستغرق إلّا ساعتين من الزمان.
هذه المخاوف قد تفسر الموقف الأميركي من «حركة الكرامة» التي يقودها حفتر، رغم الادعاء الأميركي بأنهم غير معنيين بالتطورات الداخلية في ليبيا، وبأن القوات الأميركية التي حشدت على عجل على الشواطى الإيطالية هي مجرد حركة احترازية هدفها إجلاء الدبلوماسيين والرعايا الأميركيين الموجودين على الأراضي الليبية، اذا ساءت الأوضاع كثيراً في الجمهورية الليبية. لكن ما ينفي ذلك أو يشكك فيه على الأقل تصريحات حفتر ذاتها. إذ أعلن بحسب عدة قنوات تلفزيونية أنه كان يعد لهذه الحركة منذ عامين، أي قبل تنامي قوة الحركة الإسلامية التكفيرية في ليبيا، وما قد يعزز الدور الأميركي في حركة «الكرامة»، كون حفتر إذا صدقت المعلومات عاش لسنوات في أميركا ومنح الجنسية الأميركية، بل جند في خدمة الاستخبارات الأميركية، على ما ذكرت سابقاً، استناداً إلى ما قاله أحد الباحثين الاستراتيجيين المقيمين في الولايات المتحدة، معززاً قوله باستناده الى معلومات مؤكدة.
اذا وجد غموض ما في الموقف الأميركي نحو حركة «الكرامة»، فقد لا يوجد غموض في موقف بعض الدول العربية. ذلك أن قطر التي كانت تجند وتدرب المقاتلين على الأراضي الليبية وترسلهم الى العراق للانضمام الى المقاتلين ضد نظام نور المالكي، وأبرزهم حركة «داعش»، تبدو معادية تماما لتلك الحركة. فاستناداً إلى أقوال وردت على لسان أحد المحاورين السياسيين في برنامج حواري أدارته قناة «فرنسا 24»، فإن «المركز العربي» في لندن والتابع لقطر، اتهم اللواء السابق حفتر بأنه يتعامل مع الاستخبارات الأميركية والاستخبارات المصرية، وربما اتهموه أيضاً بأنه يسير على خطى عبد الفتاح السيسي الذي تحاربه قطر. وهذا يخالف الموقف في كل من السعودية والامارات، الدولتين الكبريين في الخليج، وهو الموقف المعروف بمعاداته لحركة «الإخوان المسلمين»، والمؤيد معنوياً ومالياً لمصر المتوقع أن تنتهي قيادتها لعبد الفتاح السيسي، على ما تدل المؤشرات الأولية للانتخابات التي أجريت للمصريين المقيمين خارج مصر، وظهرت نتائجها حديثاً.
هذا لا يعني مجرد احتمال تجاه الدولتين لتأييد حركة الكرامة بقيادة حفتر من ناحية، اذ قد يشكل أيضاً عودة للخلاف القطري مع السعودية والإمارات من ناحية أخرى، وهو الخلاف الذي توقع البعض انتهاءه بعد الاتفاق الذي وقعته البلدان الثلاثة قبل أسابيع في اجتماع سري عقد في أحد معسكرات الجيش السعودي، وانتهى، على ما قال الاعلامي المخضرم باري عطوان في مقال له نشر قبل بضعة أسابيع، بتعهد قطر التوقف عن دعمها «الإخوان المسلمين» في مصر وفي غيرها من البلدان، مع التوقف عن محاربة المشير عبد الفتاح السيسي الذي تؤيده الدولتان الخليجيتان، إضافة الى تعهدات أخرى كثيرة شكلت خمسة بنود في الاتفاق السري المذكور، أبرزها كم فم الشيخ قرضاوي عن الخطابات المعادية لهاتين الدولتين الخليجيتين.
إذن كيف سينتهي الصراع الراهن في ليبيا؟ هل يمكن وصف نهايته بال «باهي» – «باهي» أم سينتهي الأمر الى حرب أهلية تصرف الإسلاميين عن التفرغ لتقديم مزيد من الدعم إلى الحركات الإرهابية الأفريقية، إن لم تؤد إلى القضاء عليها نهائياً أو نسبياً؟
فهذا الصراع طفا على السطح في حين «كشرت» الولايات المتحدة عن أنيابها في شأن محاربة الارهاب، فهي رفضت من ناحية أن تقدم إلى احمد الجربا رئيس «الائتلاف السوري»، الكثير ما طلبه من السلاح المتطور خوفاً من وقوع تلك الأسلحة في أيدي الاسلاميين التكفيريين الذين كادوا يشكلون القاعدة الجديدة في «سورية» أسوة بـ«قاعدة» أفغانستان، قودموا من ناحية أخرى الدعم الاستخباري والخبرات للقوات النيجيرية لمحاربة «بوكو حرام»، ودعماً مشابهاً لمنصور هادي رئيس اليمن، لمكافحة «القاعدة» في منطقتي أبها وأبين ومناطق الحوثيين، بينما عادت فرنسا أيضاً لتقدم دعماً مشابهاً إلى مالي وأفريقيا وفريقيا الوسطى لمحاربة الارهابيين في هاتين الدولتين. كما شرعت باكستان في الإغارة على المناطق الشمالية من البلاد حيث توجد الحركات الإرهابية المتعاطفة مع «القاعدة» ويسمى أعضاؤها بـ»طالبان باكستان».
هذا كله، مع التزامن الغريب في التوقيت في عدة دول إنما يعني بوضوح أن الولايات المتحدة والدول الغربية ضاقت ذرعاً بالحركات الإرهابية، فقررت أخيراً إعلان الحرب عليها. فهي إن لم تكن قادرة بعد على اجتثاثها على نحو نهائي، فإنها باتت تسعى في أدنى الحالات، إلى الحد من تناميها، مدركة أن هذا التنامي أحد مصادره الرئيسية السلاح الكثيف الموجود في «ليبيا»، وكانت هي مصدره، مثلما أنها جاءت ببعض الإسلاميين الى ليبيا لمحاربة «القذافي، على ما قال أحد المحللين السياسيين خلال حوار سياسي على قناة «فرنسا 24»، فاذا بأولئك الإسلاميين ينقلبون عليها بعد رحيل القذافي، تماماً مثلما انقلب إسلاميو أفغانستان وإسلاميو ايران عليها، من دون أن تتعلم من دروس الماضي التي كان يفترض بها أن تجعلهم يميّزون بين التعامل مع المسلمين باعتبارهم أصحاب دين سمح، بل ورائع أيضاً، من دون التعامل مع المتشددين منهم. فأولئك ينقلبون دائما عليها بمجرد الانتهاء من تحقيق هدفهم المباشر من تحالفهم معها، بل يتحولون عندئذ الى ألد أعدائها بمجرد تحقيقهم النصر أو الاستقرار الأمر لهم.
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية Think Tank ، عضو في مجموعة لا للتدخل الأميركي والغربي في البلاد العربية، عضو في ديوان أصدقاء المغرب، عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية ـ المغربية، عضو في لجنة الشعر في رابطة الكتاب الأردنيين. عضو في جمعية الكتاب الألكترونيين الأردنيين، عضو في اتحاد دول المقاومة: إيران، العراق، سورية ولبنان، عضو في تجمع الأحرار والشرفاء العرب الناصريون ، عضو في مشاهير مصر ـ عضو في منتدى العروبة، عضو في «اتحاد العرب» صفحة عراقية ، عضو في شام بوك – عضو في نصرة المظلوم ص. سورية ، وعضو في مجموعات أخرى عديدة.