على «إسرائيل» منع حرب جديدة في قطاع غزة

كتب يوسي بيلين في صحيفة «إسرائيل اليوم»:

سنة على حملة «الجرف الصامد»، التي كانت في واقع الامر حرباً استمرت 53 يوماً، وجبت ثمناً بـ 73 قتيلاً في جانبنا و2.203 في الجانب الفلسطيني. المرة تلو الأخرى نجد أنفسنا في مثل هذه الحملات، التي لا يمكننا أن ننتصر فيها والتي نحاول أن نمنعها حتى اللحظة الاخيرة، والتي تسمى «حرباً غير متماثلة»، أو بلغة أكثر بساطة «بلا قوات». نحن أزعر الحارة الذي يضبط نفسه ويحاول الا يعلق في مواجهة لأنه يخشى من أن كل حركة له قد تلحق ضرراً «غير متوازن» بخصمه ولكن الخصم بالذات معني بكشف انعدام التماثل هذا.

وعندما يجد الطرفان نفسيهما في الساحة، يكون كل شيء مكتوباً سلفاً. نحن نوافق تقريباً على كل اقتراح لوقف النار، نبذل جهداً للاكتفاء بالاصابات الدقيقة بواسطة سلاح الجو وفي النهاية نجد أنفسنا في الميدان، في المواجهة مع قوات محلية تعرف الميدان بشكل افضل منّا. وهؤلاء قادرون على أن يفاجئونا، فيضربون ويخطفون، وسلاح الجو سيدقق في معظم الحالات، ولكن ليس في كلها، وعندما لا يدقق فإنه يصيب غير المشاركين، من كبار السن ومن أطفال، بأعداد كبيرة.

لا يعرف أزعر الحارة كيف يضع قفازات من حرير، وعندما يصيب، فإنه يصيب بواسطة الطائرات، الدبابات والمدفعية. وهو مقتنع أن هذا ليس ذنبه، ولكن في هذه المعركة، معركة «بلا قوات» المنتصر هو الخاسر، حتى لو كان الخاسر ليس منتصراً. وفي عالم يرى فيه الكل الكل، لن يجدي أي شيء نفعاً: نحن ندمّر بمنهاجية أبراج مدنية في غزة، ونقتل اطفالاً فلسطينيين وعندما تطلق حماس وشركاؤها الصواريخ علينا، فإن لدينا قبة حديدية.

روايتنا مقنعة جدا. ولا سيما لنا. الفلسطينيون اختطفوا ثلاثة شبان إسرائيليين في الضفة الغربية، خرجنا في حملة كي نعثر عليهم من دون أن نعرف أنهم قتلوا في هذه الاثناء. وفي الحملة اعتقل رجال حماس وأصيبوا، وبدأت حماس في غزة تطلق الصواريخ، وحاولنا نحن وقف المواجهة وحماس أرادت، على ما يبدو مواجهتنا بكل ثمن. فقد بدأت تطلق علينا النار من داخل المدارس، من داخل الشقق الخاصة ومن داخل منشآت الامم المتحدة «أونروا».

لقد كانت حماس بحاجة إلى المواجهة كي تتحرر من الوضع الذي علقت فيه. ورأت قيادتها كيف حل الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر بدلاً من مرسي والاخوان المسلمين الذين ولّدوا حماس. ونتيجة لذلك، لم يكن بوسع المنظمة الارهابية دفع الرواتب لموظفي الحكم.

والقصة ستكرر نفسها في المستقبل. نحن لا نبحث عن مواجهة، ولكن عندما يكون الوضع مريحاً لحماس فإنها ستقرر الجولة التالية، من خلال إطلاق الصواريخ أو استخدام الانفاق المؤدية إلى حدودنا، والتي لم تكتشفها أو لم تفجرها حملة «الجرف الصامد». وتعرف حماس أن حتى الحكومة اليمينية الصرفة لن تقود خطوة للإبادة التامة للمنظمات الاسلامية المتطرفة، وذلك لأنه واضح للجميع ما الذي ينطوي عليه ذلك، تماماً مثلما هو واضح أن الابادة التامة ليست عملية، وأن أحداً ما جديداً سينبت دوماً.

تعرف حماس أيضاً أنه إذا قتل 500 طفل فلسطيني في هذه الحملة، فلن يجدي ألف رجل إطفاء ولا السفراء بالانكليزية الطلقة. كما لن ينقذ حتى الجنرالات من أميركا ممن سيفسرون أن الفارق بيينا وبين أعدائنا أنهم يطلقون النار على السكان المدنيين نيّة إصابتهم، أما نحن فيحصل لنا هذا على رغم أننا لا نريد أن نصيب السكان المدنيين بأذى، وبالتأكيد ليس بهذا العدد الكبير من الاطفال. لا لأن هذا غير صحيح، ولا لأن معظم العالم لا يفهم الامر، بل لأنه غير مستعد لأن يقبل الجواب. إذا كنتم لا تريدون ان تصيبوا بأذى هذا القدر الكبير من الناس غير المشاركين، يقول لنا العالم، فلماذا تتخذون خطوات على هذا القدر من الفتك؟ وعندما نجيب أننا وجدنا اختراعاً خاصاً في نوعه، إنساني ويمنع الالم ويسمى «انقر السطح»، يقول لنا العالم ان هذا يتعارض والقانون الدولي وغير كاف.

لقد استغرقنا وقتاً كي نفهم أن «الجرف الصامد» بالذات اصبحت خط الفصل في صورة «إسرائيل»: فالصواريخ من غزة وصلت للمرّة الأولى إلى «تل أبيب». وعلى مدى بضعة أسابيع كان الاقتصاد مشلولاً والسياحة تضرّرت بشكل جسيم. الصواريخ، التي جرى الحديث عنها سنوات طويلة، وصلت بالفعل إلى محيط مطار بن غوريون، وشركات الطيران الاجنبية، معظمها إن لم تكن كلها، أوقفت طيرانها من «إسرائيل» وإليها. عشرات الجنود قتلوا، البلدات في غلاف غزة فرغت، ومن بقي فيها تعرض لإصابات خطيرة. إذن، ماذا حصل، هل علينا أن ندفع ثمناً لأنّ القبة الحديدية منعت ضرراً أكبر؟ سؤال جيد.

وعلى رغم ذلك، نظر العالم في شاشات التلفزيون وفي الشبكات الاجتماعية ورأى 1.8 مليون نسمة مكتظين في قطاع ضيق ـ من دون غرف أمنية، من دون قبب حديدية ومن دون سلاح جو. آلاف، خرّب عليهم عالمهم، شوهدوا بين الخرائب، يبحثون عن جثث أعزائهم أو عن أغراضهم البائسة. لقد رأى العالم عائلات قتلت، اباً يبكي أبناءه، جدة تنوح فوق جثث أحفادها. وفي «تل أبيب» ـ يوم مشمس جميل، صافرة حقيقية، وأناس يجلسون في المقهى يغذون الخطى بشكل مرتب نحو الملجأ، مع علمهم ان القبة الحديدية تجعل الملجأ زينة.

بيننا جدال في ما إذا كان بوسعنا أن نمنع كل الموضوع، إذا كان بوسعنا أن نتوصل، منذ زمن بعيد، إلى تسوية سلمية ودائمة مع الفلسطينيين، إلى سلام كان سيمنع الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، من دون أي التزام من الطرف الآخر، وكان سيسمح لها بأن نعيش إلى جانب الفلسطينيين على الاقل مثلما نعيش إلى جانب الاردنيين والمصريين. ولكن يخيل لي أن لا جدال لأنه لا يمكن لأيّ خطاب في الامم المتحدة ولأيّ موقف فخور أمام لجنة أن يكون الجواب المظفر على الوضع الذي وصلنا اليه حتى الان ثلاث مرات بعد الجولات في غزة. قوتنا الشديدة ليست مناسبة لهذه الجولات. إذا لم نستخدمها على الاطلاق ـ لن نتمكن من الدفاع عن أنفسنا إذا استخدمناها كما استخدمناها في الماضي سندفع ثمناً عالياً جداً من المقاطعات، ابتعاد الاصدقاء والوقوف أمام معارك قانونية دولية.

الجانب الاخلاقي هو الآخر يجب أن نتذكره. وعليه، فإنّ الجولة التالية يجب ان نمنعها. ليس بكل ثمن، إنما بثمن معقول يؤدّي إلى وقف نار طويل المدى. إذا كانت مثل هذه المفاوضات تجري اليوم فمباركة. وإذا لم تكن، فمن المجدي بذل كل جهد كي نجريها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى