النحّات غزوان علاف ورحلة المادة نحو حقيقة دافئة حيث لا قيود ولا حدود

محمد سمير طحّان

يتميّز أسلوب النحّات غزوان علاف بخصوصية من ناحية تعاطيه مع المنحوتة على أنّها فكرة تجسّدت في عمل فنّي جميل. فالفكر والجمال عنصران مترابطان لديه بشكل واضح، إلى جانب حرفيته العالية في الجانب التقني، وقدرته على إخراج الطاقة الكامنة من الخامة التي يتعامل معها لمصلحة صورة المنحوتة.

وعن علاقته بفنّ النحت يقول علاف: إن النحت طريقة تفكير ورؤية مختلفة للمنتج الثقافي، أكثر منه عمل إبداعي ممزوج بحرفية ومهارة عاليتين على الصعيد التقني. مبيناً أن الموهبة دائماً هي الأساس للنحات. أما المهارة والتقنيات فهي تتطوّر مع الوقت بالتعلم والتجارب.

ويتابع إن عالم النحّات الخارجي بكلّ جماله وألمه وتعقيداته وصخبه وحزنه وسكونه، حاضر دائماً في داخله بجميع الأبعاد. لافتاً إلى أنه خلال تعاطي النحّات مع عمله الفني، يصبح هذا العمل بين يديه عجينه ليّنة ومادة مطواعة في فكر النحّات والخيال، ويتحول إلى مادة مصهورة تتقولب بين يديه لتغدو حقيقة دافئة تشعّ وسط صمت الفراغ، حيث لا قيود ولا حدود. معتبراً أنّ المشاهد مدعوّ للمشاركة بالتجربة وهو جزء منها دوماً.

وعمل علاف على مختلف الخامات والمواد وحتى غير الصالحة منها للنحت بالمفهوم العام. ولا يميل لإحداها على الأخرى إلا حسب ضرورة الفكرة والإخراج النهائيّ الذي يريده. إذ يبتعد دائماً عن الاستقراء والاستيحاء والانسياق وراء شكل المادة، خصوصاً خامة الخشب. لكنه يجد في الإنسان المعاصر همّه الأول دائماً من خلال علاقته بنفسه وبالأخر والأشياء من حوله والمكان والزمان.

ويقول: أعيش من خلال عملي حالة بحث دائمة عن الجديد والمبتكر سعياً إلى التفرّد والخصوصية، عبر الإيجاز مع البلاغة، والبساطة مع التركيز، ما يحقّق معادلة خاصة يمتزج فيها السهل مع الصعب، وهي مشروعي المستمر الذي بدأته ولا أعلم أين سيصل في المحطات المقبلة.

وعن أعماله الحديثة يقول علاف إنها تتمحور حول صراع الإنسان بين الانتكاسات و الأزمات التي يمرّ بها، و قوة الحياة وغريزة البقاء عنده، مع إظهاره عدّة حالات كالحزن والوجع مقابل الأمل والحياة والفرح في وجه الموت.

وكان للنحّات علاف نصيب كبير من الخسارة المادية والمعنوية بسبب الأزمة، عبر خسارته مشغله وفقدان مجموعة من الأعمال الحديثة التي لم تعرض مسبقاً، إلى جانب عدد من أعمال أخرى طور التشطيب، إضافة إلى كمية كبيرة من المواد الخام والأدوات والأخشاب والقوالب. وعلى رغم ذلك، يعتبر علاف ما جرى جزءاً من الماضي، ولم يتوقف عنده، لا بل تجاوزه من خلال الاستمرار في العمل.

وحول استفادة الفنّ التشكيلي السوري من وجود عدد من التشكيليين السوريين في الخارج، يجد علاف أن الأحداث الجارية في بلدنا سلّطت الأضواء علينا جميعاً كسوريين. ومن الطبيعي أن ينال الفنّ والفنانون السوريون الاهتمام من قبل مختلف الجهات في العالم. مشيراً إلى أنّ بعض الفنانين استطاعوا أن يستفيدوا من هذه الفرصة على صعيد العرض والإعلام، خصوصاً المغتربين منهم، ولا عيب في هذا برأيه.

ولكن نحّاتنا يرى أن الفن الحقيقي والأصيل لا يحتاج إلى أزمة كهذه حتى يُعرَف أو يُسوَّق له داخل سورية أو في الخارج. ولا يصح في النهاية إلا الصحيح.

وعن حال السوق الفنية داخل سورية حالياً، يشير علاف إلى أنّ هناك ضعفاً كبيراً من ناحية شراء الأعمال الفنية واقتنائها في الداخل، وهذا متوقّع بسبب الأزمة التي ألقت بظلالها بقوّة على كل جوانب الحياة. لافتاً إلى أنّ السوق الفنية في الخارج لم يتغيّر حالها كثيراً بالنسبة إلى اقتناء الأعمال الفنية السورية.

ويرى علاف أن على الفنان دائماً أن يقدّم فنّاً راقياً وأصيلاً، وعليه احترام المُشاهد وعدم الاستخفاف به أو الانقياد وراء ذوق المقتني وإرضائه من أجل التسويق والبيع. فمعادلة الفن تسقط في هذه الحالة، ويقع الفنان في النهاية في فخّ النسخ والتكرار والسطحية.

وحول امتلاك النحت السوري هوية خاصة به يقول علاف، إنّ الفنّ لغة عالمية للتواصل لا تعرف الحدود والمسافات، وهذا ما أثبته كثيرون من التشكيليين السوريين من خلال عرض أعمالهم والمشاركة في أهمّ التظاهرات الفنية العالمية. مشيراً إلى ضرورة أن يتقن الفنان هذه اللغة ليستطيع أن يعبّر عنها ومن خلالها عن أفكاره وهويته الثقافية.

ويؤكد علاف أنّ الفن التشكيلي في تطوّر مستمر وسريع، والعالم ليس بحاجة إلى تجارب فنية مقلّدة أو منسوخة عن تجارب أصيلة. فالتوجه اليوم عالمياً يتمثل في الاهتمام بخصوصية الفنان المكانية والزمانية، وتراثه الثقافي والحضاري والإنساني، إذ يُحترَم ويُقدَّر الفنان عندما يستطيع التقريب والربط بعمله بين إرثه العريق وواقعه المُعاش والمستقبل الذي ترنو إليه الإنسانية.

النحّات علاف الذي يدرّس النحت والرسم للشباب منذ أكثر من 14 سنة، يعبّر عن تفاؤله بمستقبل الفنّ التشكيلي السوري، ويقول: لدينا الكثير من الطاقات والخامات الفنية الشابة الواعدة، وما سيحكم على تجاربهم الفنية الوقت والعمل الجاد وإخلاصهم لإرثهم ولفنهم. فالعمل مفتاح النجاح دائماً، أما الحظ فللفاشلين فقط.

النحات غزوان علاف من مواليد دمشق عام 1973، وخرّيج المعهد التقني للفنون التطبيقية في دمشق ـ اختصاص نحت عام 1993، وعضو في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين منذ عام 1995، مدرّس في مركز «أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية» بين عامي 2000 و2014، ويبلغ عدد معارضه الفردية 16، وشارك في أكثر من ستين معرضاً مشتركاً داخل سورية وخارجها. وأعماله مقتناة ضمن مجموعات خاصة داخل سورية وفي بلدان كثيرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى