الآشوريون… ويتكرّر مشهد التهجير والمذابح
لورا محمود
تعتبر بلاد ما بين النهرين من أقدم المراكز الحضارية في العالم القديم،
وتمتدّ أراضيها بين نهري دجلة والفرات. ومنذ فجر التاريخ، أقام فيها الآشوريون المدن، وانتشرت حضارتهم التي ازدهرت في مناطق واسعة من الهلال الخصيب وبلاد الشرق. فمن هم الآشوريون، ولماذا يضطهدون اليوم ويهجّرون؟ وما هي المجازر التي تعرّضوا لها ولا يعرف عنها كثيرون؟
تاريخ الآشوريين وانتشارهم
ينتسب الآشوريون إلى آشور بانيبال، الذي أسس مملكته بعد تغلّبه على كل الممالك المدن التي كانت منتشرة على ضفاف دجلة والفرات آنذاك، أي أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.
الآشوريون بالسريانية تعني «آشورايي»، وهذه التسمية مأخوذة مباشرةً من الآشوريين القدماء الذين عاشوا شمال ما بين النهرين، وأسّسوا الامبراطورية الآشورية. وقد ورد ذكر الآشوريين في عدة كتب ومخطوطات عربية وإسلامية.
يتكلّم الآشوريون اللغة السريانية الآرامية الممزوجة بكثير من الكلمات والتعابير الكردية والأرمينية والتركية والعربية، بحكم اختلاطهم بشعوب المنطقة. وتتبع غالبيتهم الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. ويعدّون من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية.
ينتشر الآشوريون بشكل أساسي في العراق وسورية، إضافة إلى أعداد أقل في لبنان، وإيران حول مدينة أورميا شمال غرب إيران ، وفي وتركيا منطقة طورعابدين وكذلك في اسطنبول .
أما في سورية، فيتواجدون بشكل ملحوظ في أقصى شمال شرق سورية، وبشكل رئيسي في الحسكة ومدن القامشلي، المالكية، رأس العين، والقحطانية، وكذلك في حلب ودمشق. أكبر تجمع لهم يتركز في مدينة تل تمر الواقعة بين مدينتي رأس العين والحسكة على ضفاف نهر الخابور، إذ تمتد منطقة انتشارهم بين قريتَي أم غركان وتل هرمز، مروراً ببلدة تل تمر إلى قرية تل طويل باتجاه رأس العين في الشمال الغربي. وكانوا قد استقروا على ضفاف نهر الخابور بعدما فرّوا من مذابح الإبادة الجماعية. وتوزّعوا على حوالى 30 قرية منها: تل الطويل، تل باز، تل هرمز، تل نصري، تل غوران، تل ورديات، والبريج وغيرها.
العلم الآشوري
تم تبنّي العلم الأول بطريقة شبه رسمية سنة 1969، وذلك عندما اتفقت الهيئات السياسية المكوّنة للاتحاد العالمي الآشوري على شكل العلم، وهو راية تتوسطتها «نجمة آشور»، تنطلق منها ثلاثة خطوط متموجة وتشير إلى الفرات باللون الأزرق، ويرمز إلى الوفرة، والزاب باللون الأبيض ويرمز إلى السلام، ودجلة بالأحمر ويرمز إلى الافتخار. كما يعلو العلم رمز الإله آشور. وفي أواسط الثمانينات من القرن الماضي، تبنّى السريان علماً آخر، وهو عبارة عن صورة لنقش نسر اكتشف في منطقة تل حلف، واستبدل الرأس بشعلة تمثل الروح القدس. كما تبنّى بعض أبناء الكنيسة الكلدانية علماً يتوسّطه شعار إله الشمس مع خطّين أزرقين على اليمين واليسار، يشيران إلى دجلة والفرات.
الآشوريون في مواجهة «داعش»
الحرب على سورية شملت كل أطياف الشعب السوري، لا سيما الأقليات منهم. ومنذ سنتين تقريباً، دخل مسلّحو ما يسمى «الجيش الحر» مدينة رأس العين التي تبعد عن بلدة تل تمر حوالى 40 كيلومتراً، ثمّ هاجم تنظيم «داعش» قرى آشورية، ووجّه لهم تهديدات بنزع صلبان الكنائس أو حرقها وتهديمها، إذ يوجد في منطقة الخابور 33 كنيسة تعرضت للتخريب والإجرام «الداعشي»، فقد أحرقوا كنيسة تل هرمز التاريخية وكنيسة مار يونان في قرية تل جزيرة، إضافة إلى استهدافهم كنيسة القديس توما في قرية أم الكيف، وفجروا كنيسة السيدة العذراء في تل نصري صبيحة عيد الفصح الماضي، والتي تعدّ من الكنائس الأساسية الثلاث في قرية تل نصري التي بُنيت عام 1934، ثمّ رمّمت وأعيد بناؤها على الطراز العمراني الحديث، وافتُتحت عام 2005.
كما أحرق «داعش» جميع الكتب المقدسة والأناجيل واختطف العشرات من أهالي قريتي تل شاميرام وتل هرمز، وقتل عدداً من الابرياء ودمّر الرموز الدينية والمنازل.
هجرة الآشوريين
مضت سنتان تقريباً منذ بدأ أهالي بلدة تل تمر الواقعة في ريف محافظة الحسكة الغربي، والبالغ عددهم حوالى 30 ألف نسمة أكثر من ثلثيهم من الآشوريين ، بهجرتها تباعاً. واكتمل التهجير مع سيطرة «داعش» على أكثر من عشر بلدات وقرى، يسكنها المسيحيون الآشوريون، الأمر الذي تسبب بهجرة أكثر من خمسمئة عائلة آشورية توجّهت إلى لبنان والسويد وأميركا ودول أوروبية. فيما اختارت قلة منهم المناطق الساحلية السورية مستقراً على أمل العودة إلى بلدتهم.
وعبر التاريخ، بدأت هجرة الآشوريين إلى الأميركيتين منذ ثمانينات القرن التاسع عشر، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية وتوفر فرص العمل. أما الوجود الآشوري الفعلي في أوروبا فيعود إلى فترة السبعينات من القرن الماضي، عندما بدأ سريان طورعابدين بالهجرة الجماعية إلى السويد وألمانيا تحت وطأة المعارك الدائرة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. كما لحق بهم سريان شمال شرق سورية ابتداء من الثمانينات، والآشوريون الكلدان العراقيون منذ التسعينات، وقد فتح العالم الغربي لهم باب الهجرة ولم يغلقه. وكان المرء يرى في ساحة المرجة في دمشق ملصقات باللغة الإنكليزية والفرنسية مكتوب عليها «مطلوب مهاجرون سريان ـ آشوريون». واستمرت هجراتهم في القرن العشرين.
الآشوريون والأتراك والمذبحة
من هنا، مرّ الأتراك أعداء الإنسانية والحضارة. فمن المذابح التي ترتكب اليوم بحق السوريين على يد «داعش» بدعم كبير من تركيا، إلى مذابح الأرمن والآشوريين. فقد بدأت أولى عمليات الإبادة التركية لهم على نطاق واسع سنة 1895 أثناء ما سمّي بمجازر الحميدية، عندما قتل مئات الآلاف من الأرمن والآشوريين في مدن جنوب تركيا، خصوصاً أضنة وآمد، وذلك بعد اتهام الأرمن بمحاولة اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني. غير أن السبب الرئيس من وراء هذه المجازر، خشية العثمانيين من انضمامهم إلى الروس والثوار الأرمن، خصوصاً بعد فشل حملة القوقاز الأولى في شتاء 1914.
لم يكن هناك اهتمام دولي بمذبحة سميل عام 1933 ومذبحة سيفو 1915 بحق الآشوريين على غرار الاهتمام الدولي بالمذابح الأرمينية. كما لم تعترف تركيا رسمياً بحدوث ذلك، إلا أنه في السنوات الأخيرة اعترفت دول ومنظّمات عدّة بالمجازر التي حدثت للآشوريين/السريان علناً، وآخرها في كانون الأول 2007 حيث أصدر المؤتمر الدولي لدارسي الإبادات، وهي المنظمة الأكاديمية الرئيسية دولياً المهتمة بالإبادات العرقية، وثيقة صُوّت عليها بالإجماع، وتدعو إلى الاعتراف بالمجازر الآشورية.
الجدير ذكره أن للآشوريين عيد يدعى عيد «أكيتو»، وهو من أبرز أعيادهم القومية، ويُعدّ إرثاً عريقاً يمتد لآلاف السنين، توارثه الآشوريون من الحضارات السورية الرافدية القديمة في زمن سومر وبابل وآشور، حيث تُلخّص طقوس وشعائر هذا العيد رؤية آشورية أكدية ـ بابلية متكاملة للحياة والكون والإنسان كمحور الكون وغاية الوجود. وقد ألغى الآشوريون السوريون سرياناً وكلدناً هذه السنة، مظاهر الاحتفالات ومراسيم عيد «أكيتو» الذي يصادف في الأول من نيسان بداية العام الآشوري الجديد، تضامنا منهم مع شركائهم السوريين في محنتهم الناجمة عن الحرب على سورية، وكذلك للاحتجاج على الاعتداءات التي لحقت بهم كآشوريين ومسيحيين مؤخراً على أيدي ما يسمى تنظيم «داعش».