«الفزاعة» لا تعني عون…

روزانا رمّال

يتابع اللبنانيون اليوم عن كثب ويترقبون مواقف العماد ميشال عون وما ستؤول اليه الأمور بعد طرحه لفكرة اللجوء الى الشارع لأسباب تحدّث عنها ملياً هو ووزراؤه وممثلو التيار، فموضوع البحث في ملف التعيينات أمر أساسي بالنسبة للعماد عون ورؤيته بالمحافظة على المواقع المسيحية القيادية في البلاد، وقد سبق وعبّر عن سخطه مما يجري مرة بالقول «مراكزنا مش شحادة».

العماد عون الذي يتروّى منذ فترة في اتخاذ قراراته، بعكس ما يُشاع عن انّ سلوكه هذا سيأخذ البلاد نحو المجهول، فهو يدرك جيداً انّ الفرصة أمامه لإثبات وجود تياره وثقله في الشارع المسيحي تتعلق في هذين الملفين الرئيسين دون سواهما، وهما رئاسة الجمهورية والتعيينات الأمنية وبالتحديد قيادة الجيش.

الحقيقة انّ العماد عون الذي ينظر الى تعطيل البحث في بند التعيينات في الحكومة على أنه محاربة للمسيحيين أولاً ولتياره ثانياً، بات عليه أن يرى الأمور بمنظار مختلف، فالعماد عون الذي يحاول إنقاذ البلاد وآخر كرسي مسيحي في المنطقة، ويعرف أنّ الورقة المسيحية في الشرق الأوسط لم تعد مغرية لاجتذاب مرجعية تداري الوضع وتمسكه، يعرف في الوقت نفسه أنّ مجمل مكامن الحياة الدستورية القانونية في البلاد معطلة، فالرئاسة فارغة، والمراكز الأمنية مجهولة المصير، بالإضافة إلى مجلس نيابي ممدّد له بأغرب الطرق القانونية في البلدان الديمقراطية، لا تشريع ولا جلسات ولا حياة سياسية طبيعية في كلّ القطاعات…

وبغضّ النظر عن إمكانية انسحاب وزراء عون من الحكومة وفرط آخر ورقة متماسكة ظاهرياً، فإنّ رئاسة الحكومة أيضاً التي لا تستطيع أن تحلّ مكان رئاسة الجمهورية، وبالتالي فإنّ هذه السياسة العرجاء لا يمكن لها أن تستمرّ.

يعرف العماد عون أنه كان من الممكن التمديد للرئيس السابق ميشال سليمان لو قبل هو وفريقه، ولو لم يكن ليعارض فريق 14 آذار لحسابات سياسية تماماً كما وافق هذا الفريق على التمديد لمجلس النواب من دون ان يرفّ لأحد جفن على مصير الحياة الديمقراطية في لبنان ورغبات المواطنين.

يسأل مصدر وزاري عن جدوى انفعال الجنرال عون في القرارات او النوايا، لأنّ الظروف في رأيه غير مؤاتية لتغيير قائد للجيش أظهر بسالة كبيرة بالتصدّي للإرهاب، وانّ الوضع في المنطقة لا يسمح بالنزول الى الشارع للتصعيد في ظلّ الحروب المستعرة على التنظيمات الإرهابية.

الحياة السياسية شبه المعطلة في لبنان، والتي يشوبها شيئ من الهدوء المدهش في بعض الأحيان، نسبة الى ما تشهده دول أخرى تشتعل فيها الاوضاع. وهذا الهدوء ليس نتيجة وعي اللبنانيين الذين يظهرون يوماً بعد يوم خلافاتهم على طاولة الحكومة، وانْ طغت على الواجهة حوارات مثل حوار التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، أو برز تمسك غير عادي من تيار المستقبل وحزب الله بالحوار بينهما والذي ما يزال صامداً حتى الساعة على الرغم من مرور اكثر من حادث وتوتر أمني حساس على البلاد.

يدرك عون بفطنة أعلى من خصومه انّ الوضع العام الممسوك في البلاد ليس سوى أحد القرارات الدولية والإقليمية للإبقاء على لبنان منطقة تخضع لأقلّ قدر ممكن من التوترات والتجاذبات لغايات تعرفها تلك الدول القادرة اولاً وثانياً انّ قتال حزب الله في سورية وضع الإرهاب امام اعتبار أساسي من ضمن معادلة واقعية تؤكد صعوبة مواجهة حزب الله في لبنان، ايّ في بيئته الشعبية وبالحدّ الأدنى الجغرافيا الكاملة التي يعرفها جيداً، وهو الذي يقاتل في سورية التي لم يقاتل في أحيائها من قبل، او لم يزر بعضها بالتأكيد، فكيف الحال والقتال داخل الحدود؟ وبالتالي فإنّ مواجهة حزب الله في لبنان قرار كبير لا يستطيع اتخاذه أي لاعب محلي…

عون القارئ الجيد لهذه الوقائع لا يخشى اليوم ان يتفجّر الشارع اللبناني، ويعرف انّ النزول إليه ليس سوى شكل من أشكال التعبير الديمقراطي المشروع، وإذا كان خيار اللبنانيين الالتفاف حوله فهو بهذا سيربح موقفه ايضاً ويربح لبنان معه تفويض الشارع لقول كلمته ولو كانت تعبيراً معنوياً بحتاً.

لا يريد عون استخدام فزاعة «داعش» التي تمّ استخدامها قبل التمديد للمجلس النيابي اللبناني الذي جاء تمديده حينها بعد مشاورات جدية بين الأفرقاء، وارتأت وزارة الداخلية يومها التوضيح للبنانيين بانّ الوضع الأمني لا يكن يسمح بذلك، علماً ان الأيام اللاحقة أثبتت تماسك غير مسبوق للأمن في لبنان.

التعدّيات المستمرة على القانون والدستور بحجة «داعش» هي التي تتحكم اليوم بمعظم تصريحات ومواقف السياسيين اللبنانيين الذين اتخذوا منها حجة للهروب من واقع يعرفون انه ليس ما يدّعونه ويسوّقونه في أذهان اللبنانيين، والعماد عون الذي لا يريد ان يعمّم حكم «الفزاعة» على حقوقه ومواقفه بأدنى حال، يعرف تماماً انه لم ولن يكون سبباً لتوتر الأجواء في لبنان الذي لن يتوتر فيه الوضع قيد أنملة جزافاً، خروجا عن ايّ رغبة اقليمية او دولية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى