ماذا قال بوتين لأوباما عن سورية؟
ناصر قنديل
– يشعر المتابع عن قرب للمتغيّرات التي بدأت تتبلور على مساحة المنطقة أنّ المواقف المتصلة بالملف النووي الإيراني والحرب على الإرهاب للقوى الفاعلة والجدية الدولية والإقليمية، صارت منصة ومناسبة لتمرير الرسائل حول سورية أكثر مما هي متصلة بالملفين اللذين بذلت القوى الكبرى عالمياً، خصوصاً روسيا وأميركا، ما يكفي من المحادثات لرسم رؤية واضحة حول مساراتهما، حيث لعبت القناعة ببلوغ الخط الأحمر لتنامي ظاهرة الإرهاب نقطة الغليان التي لا تحتمل دوراً حاسماً في طيّ صفحة ترف التباينات والتأجيل، بمعزل عن المسؤوليات في إنتاج هذا الإرهاب واستخدامه والرهان عليه وفقاً لحسابات خاطئة، وحيث نقطة البداية في خلق بيئة إقليمية صالحة لبلورة شروط الفوز بهذه الحرب هي الإسراع في إنجاز التفاهم النووي مع إيران، وفتح باب المصالحات والتعاون بين ضفتي المواجهة المتحالفتين مع كلّ من واشنطن وموسكو.
– يلفت المراقب غربة الخطاب الإعلامي العائد إلى معسكر حلفاء واشنطن عن هذا التحوّل الكبير، فتبدو وسائل الإعلام التابعة للسعودية وقطر وتركيا والأردن وحتى مصر وكأنها في ذروة الحرب على سورية، وبذات شعارات الأيام الأولى للحرب، وبحرارة الرهانات ذاتها، ما يوحي بأنّ هؤلاء الحلفاء خارج صورة التحوّلات الواجبة، وهذا ما ينفيه كلام الرئيس الروسي الذي يبدو أنه يتولى إدارة الترتيبات الخاصة بالنقلات الواجبة بهذه التحوّلات، والكلام المقصود هو ما أصرّ الرئيس فلاديمير بوتين على قوله لوزير الخارجية السوري وليد المعلم أمام كاميرات التلفزة، عن فرصة تشكيل حلف إقليمي يجمع سورية بخصومها في الحرب على الإرهاب، مؤكداً وجود مؤشرات كافية لدى روسيا حول إدراك الدول المعنية بهذا الحلف للمدى الذي بلغه خطر الإرهاب ودرجة تهديده لأمنها واستقرارها واستحالة مواجهته من دون التعاون والتنسيق مع سورية، وطي شعار الماضي القائم على الدعوة إلى إسقاط أو تنحية الرئيس السوري بشار الأسد، الذي قال بوتين بوضوح إنه حليف روسيا، وإنها لن تتخلى عنه، وإنه يمثل شعبه وفق المعايير الديمقراطية والشرعية والدستورية.
– الانفصام بين السياسة والإعلام يوحي للمتابع بأنه أمام قطار انفصلت فيه القاطرة عن المقطورة، فانعطف الرأس نحو مسار جديد بينما بقي الجسم بقوة الاندفاع يواصل السير على السكة القديمة، وهذا ينطبق على الانفصام بين الأداء الأميركي العملي والديبلوماسي عن الأداء الإعلامي لأبرز رموزها بمن فيهم الرئيس باراك أوباما والوزير جون كيري، حيث يفيد كلّ شيء بأنّ تصريحات أوباما وكيري لا تشبه أبداً مساعيهما والتزاماتهما الفعلية تجاه الملف النووي الإيراني والحرب على الإرهاب والنظرة نحو سورية ورئيسها، حيث يؤكد المسؤولون الروس الكبار أنّ واشنطن والرياض والدوحة وعمّان، وبنسبة ما أنقرة، قد باتت كلها على ضفة التسليم بالتفاهم النووي مع إيران كعنوان حاكم للمرحلة المقبلة وبكون الرئيس الأسد عنوان سورية المقبل في الحرب على الإرهاب. ويستغرب المسؤولون الروس أن يكون قادة هذه الدول لم يكاشف بعضهم بعضاً بتحوّلات مواقفهم، وقد كاشفوا موسكو، وأن يفسّر كلّ منهم مواصلة مواقفه الإعلامية المعاكسة لما تمّ التفاهم عليه مع موسكو بالسعي لاسترضاء من يفترض أنهم حلفاؤه وما زالوا يتمسكون بالمواقف المتصلبة ولا بدّ من منحهم الوقت لتقبّل التغيير كخيار لا بدّ منه.
– كل الإثارة عن فرضيات فشل المفاوضات النووية خطة إعلامية لمخاطبة الرأي العام الغربي وتهيئته لتقبّل الاتفاق، وكلّ الإثارة عن مخاطر الفشل في وجه «داعش» وعلى رغم ذلك التمسك بالحديث عن معارضة معتدلة غير موجودة، محاولة للتمهيد لقبول التغيير، بالقول لاحقاً إن لا بديل من التعاون مع الرئيس السوري، كما لا بديل من التفاهم النووي، وهذا يعني أنّ إنجاز الإعلان عن التفاهم النووي سيكون صافرة الانطلاق نحو التغيير في السياسات والمواقف تجاه سورية.
– يمكن الحصول على مثال مأخوذ من كلام ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي بعد لقائه بنظيره المسؤول عن ملف الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الأميركي حول القناعة المشتركة بأن لا بديل عن الرئيس الأسد لمن لا يريد أن يرى في سورية ليبيا أخرى وصومالاً آخر، وفي المقابل تخيّل كلام الرئيس أوباما عن التمسك بفانتازيا المعارضة المعتدلة، والوصف مسجل باسم أوباما، كوصفة لتحوّل سورية ليبيا أو صومال آخرين، كمثل قول أوباما اللاحق لبنيامين نتنياهو، لقد حاولنا الحصول من إيران على ضمانات عدم امتلاك قنبلة وتغيير سياستها تجاهكم وفشلنا وبقي أن نختار بين خسارة الأمرين معاً أو كسب أحدهما على الأقلّ، ومواقف «إسرائيل» الداعية إلى رفض الاتفاق مع إيران هي وصفة لتمكينها من امتلاك القنبلة.
– اتصال الرئيس بوتين بالرئيس أوباما ومحوره الحديث عن التفاهم النووي ولكن، وبصورة خاصة عن سورية، له مهمة واحدة وفقاً لمصادر واسعة الإطلاع، وهي أنه حان وقت التغيير، ولم يعد هناك ما يسمح بترف التصريحات المنتمية إلى الماضي، وأنّ الساحة جاهزة للإقدام سياسياً، والميدان سيحمل مفاجآت تجعل تسويق التغيير كتعبير عن قناعة وخيار نوعاً من الترف، المطلوب خطاب جديد يضع الاتفاقات تجاه سورية تحت الضوء ويمهّد الطريق للتغيير، وواشنطن مدعوّة إلى مساعدة حلفائها الجاهزين للانعطاف ليتخذوا منها سبباً للنزول عن الشجرة، لا التذرّع بها سبباً للتصعيد، فهو التوقيت المناسب طالما أنّ ساعة التوقيت في يد موسكو.