أميركا… الانقلاب المتباطئ ولا تزال أمتنا تدفع الثمن!

محمد ح. الحاج

خمس سنوات من الصمود الأسطوري للدولة السورية في وجه أعتى هجمة عسكرية دولية تستهدف جذور ووجود هذه الأمة، قد لا تبدو للبعض كافية لمراجعة حساباته والانعطاف باتجاه وقف هذا الجنون الذي يخدم طرفاً وحيداً على ساحة المنطقة، رغم اعتقاد البعض بأنّ النتائج الكارثية قد تخدمهم بشكل ما، سواء كانوا دولاً أو تنظيمات، أو عوائل ومؤسسات، ومن هؤلاء الولايات المتحدة الأميركية وبعض من تحالف معها من العرب أو الغرب الذين تسيطر عليهم وهي المسيطَر عليها بالأصل.

قد تبدو خجولة الآراء والتصريحات لبعض أركان الإدارة الأميركية القائلة بأنّ هذه الحرب لا يمكن الانتصار فيها ووقفها لحلّ القضية إلا بالطرق السياسية، ومع إدراك هذه الإدارة أن حصان طروادة الذي ركبت صهوته انقلب غولاً، فإنها ما زالت تستثمر سلوكه، إن لم يكن لمصالحها العامة، فلمصالح ضيقة لكنها لا تستطيع الخروج من «تابو» العلاقة المتحكمة بمفاصلها، تخريب سورية هدفاً وليس غاية فقط أياً تكن الوسيلة، وهنا يمكن رصد الأفعال والمؤشرات التي تنبئ بأنّ شيئاً ما قد يحدث نتيجة قناعة فعلية باستحالة تحقيق الانتصار، ولهذا لا بدّ من الاستعانة بطرف مقبول لإعادة رسم التحالفات شرط أن لا تكون إملاء أميركياً بل بناء على مقترحات تؤيدها ضمناً، فهل روسيا هي هذا الطرف المقبول، وهل الإدارة الأميركية خارج اللعبة مع أنها بعثت برسائل في كل الاتجاهات؟

هل ينقل «داعش» الرسائل الأميركية بطريقة غير مباشرة؟

تصريحات بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية تواجه اعتراضات واسعة النطاق في الأوساط الرسمية الأميركية مجلسي الشيوخ والنواب، يقابل ذلك شبه صمت في الأوساط العسكرية في ما يخص حكمية بقاء الرئيس الأسد والحوار معه ودفع بعض دول التحالف باتجاه القناعة لإسقاط المطالبة بتنحيته وهذا ضرورة. لكن هذه التصريحات لم تأخذ صفة الرسائل المباشرة في العلن، ربما كانت كذلك عبر القنوات السرية المباشرة، وربما لم تشكل قناعة كافية لدى هذه الأطراف، لهذا وجبت متابعة سلوك تنظيم الدولة لاستقراء الرسائل الأميركية عبر هذا السلوك على أرض الواقع، فهل يمكن فهمها ضمن السياق التالي؟

«داعش» صناعة أميركية باعتراف وزيرة الخارجية السابقة كلينتون، ولهذا التنظيم وظائف متعددة تخدم المصالح الأميركية الكبرى تحت مسمّى الأمن القومي الأميركي أهمّها إيجاد المبرّرات والذرائع للتدخل الأميركي واستمرار حماية الكيان الصهيوني إضافة إلى مصالح الشركات الكبرى، وثانيها استمرار شعور الدول التي تدور في الفلك الأميركي بالحاجة إلى الحماية من خطر هذه الفزاعة، وثالثها قيام هذا التنظيم بتخريب الدول المستهدفة واستثمار الوقيعة بينها وبين جوارها المتمثل في الدولة الإيرانية على قواعد مذهبية، فـ«داعش» في العراق ضدّ الشيعة ويحمل راية العداء لإيران، بينما الحقيقة تفيد بأنه ضدّ أن تقوم دولة عراقية موحدة وقوية تستطيع الوقوف إلى جانب شقيقاتها في مقارعة العدو، عسكرياً أو اقتصادياً، وما فعلته الإدارة الأميركية في العراق من تغيير في عقيدة الجيش العراقي ونمط تسليحه وفرض الوصاية عليه يجب أن يستمرّ، لكن «داعش» في الشمال ضدّ الأكراد، وهذا توظيف يخدم الجار التركي الذي يتخوّف من قيام كيان كردي يشمل أجزاء من سورية والعراق وقد يمتدّ إلى الأراضي السورية المحتلة من قبل دولة أتاتورك، حتى لو لم تعد إلى الوطن الأم سورية – هل لهذا السبب لم تدخل تركيا التحالف ضدّ «داعش» واستمرّت في توفير مقومات استمراريته وتأمين مرور العناصر الرافدة له وتسهيل تمويله عن طريق بيع النفط الذي استولى عليه مع تأمين الملاذ الآمن باعتراف جهات تركية واسعة الاطلاع، لكن «داعش» غيره في دول الخليج، وخاصة السعودية، رغم إعلانه موقف العداء الذي لم يتجاوز الكلام، لكن، عمليات بسيطة هي مجرد رسائل أميركية لإقناع الحلفاء في الخليج بأنه آن الأوان للتخلي عن مشروع فاشل بعد تجربة طويلة، وهو مشروع إسقاط الدولة السورية ووضعها تحت الوصاية وإقامة نظام تابع فيها لا يخرج عن رأي العائلة السعودية التي لا تجرؤ على إشهار علاقاتها بالكيان الصهيوني وتعهّدها بحمايته بوجود أنظمة تعتبرها راديكالية أو قومية وطنية لا تقبل الاستسلام للمطالب الأميركية التي جوهرها الاستسلام للعدو تحت مسمّى السلام الذي لن يكون عادلاً ولا متوازنا، ولا يختلف هدف «داعش» في سورية عنه في العراق، الأردن خارج الحساب!

«داعش» ومتفرّعاته صديق مخلص للكيان العدو، باعتراف قادة العدو ومحلليهم السياسيين كونه لا يشكل خطراً، وعلى هذا الأساس يمدّ يد العون لهم ويساندهم أحياناً بالتدخل المباشر في المعارك، إضافة إلى الإمداد اللوجستي وتقديم الخدمات الطبية، لكن، لماذا «داعش» في سيناء يعبّر عن عدائه لكيان العدو ويقوم بإطلاق قذائف أو صواريخ لم تصب أياً من جنوده أو مواقعه في الوقت الذي أوقعت نيران «داعش» المصري عشرات القتلى في صفوف الجيش المصري ومئات الجرحى! هل عمليات «داعش» ضدّ الكيان الصهيوني موظفة لذرّ الرماد في العيون أم ماذا؟ ويبقى «داعش» اليمني، وهو هنا تنظيم «القاعدة» دون قناع، إنه ضدّ اليمنيّين جميعاً بلا استثناء، لا للسنة ولا لغيرهم، هو ضدّ كلّ الوطنيين، و… حتى لأتباع السعودية، أما السبب فهو الحؤول دون ارتقاء النظام اليمني إلى ذروة وطنيته القومية والانحياز رسمياً وشعبياً إلى جانب المقاومة التي شعارها فلسطين لشعبها من البحر إلى النهر، وحسب اعتبارنا نحن: فلسطين سورية ولن تكون لليهود أبداً… وهذا ما يؤرق النظام السعودي الوهابي الإخواني.

مصر التي لم تحسم أمرها حتى اليوم تجاه القضية السورية، وهي حاولت أن تكون محايدة في المراحل الأخيرة بعد حكم «الإخوان»، دعت إلى حوار مع المعارضة السورية اعتُبر في حينه عملية سحب للبساط من تحت الأقدام الروسية، أو لاستقطاب الأطراف التي لم تقبل بمؤتمر موسكو، وقد أعلنت مصادر الحكومة المصرية حينها أنّ مبادرتها استكمال لمؤتمر موسكو وما قبله جنيف 1 وجنيف 2، فهل نتوقع موقفاً مصرياً مختلفاً يشكل انعطافة حقيقية باتجاه سورية والمساهمة فعلاً في حلّ الأزمة السورية بما يخدم مصالح الأمن القومي والأمن المصري، والمبادرة لفك التحالف مع السعودية ضدّ اليمن، هذه الورطة التي تحاول السعودية الخروج منها ولو بمعونة روسية بعد أن شعرت بأنّ الحليف الأميركي قد نفض يديه منها؟

القيصر الروسي ما كان ليتكلم أو يطرح مشروع تحالف محلي لمحاربة «داعش» مع معرفته الوثيقة بأنّ من يرشحهم لهذا التحالف هم في الأساس من يدعم «داعش» لو لم يكن بين يديه ما يسمح بهذا الطرح، لكن هذه المبادرة لا تعني التخلي عن الدولة السورية بحال من الأحوال هذا ما أكده القيصر، وأوضحه الوزير سيرغي لافروف، وأيضاً السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين أكد ذلك بقوله: ما تعمل له روسيا يهدف إلى حلّ القضية السورية ومحاربة الإرهاب في المنطقة، لكن روسيا لا تتخلى عن سورية والرئيس بشار الأسد وهي تقوم بواجبها على أكمل وجه. الوزير المعلم كان يعلم بخلفيات المبادرة الروسية ومرتكزاتها، فما هي الرسائل التي نقلها المسؤول السعودي رفيع المستوى وما هي رغبات السعودية وخططها لوقف الحرب على سورية والالتفات إلى محاربة «داعش» وأخواتها وما أوقفت التحريض والتمويل ومتى تبدأ هذه الخطوات… وهل تحتاج إلى معجزة كما قال الوزير المعلم؟ أم أنّ المعجزة سيوفرها الجيش السوري البطل؟

ما هو الموقف التركي وهل استوعبت تركيا مضمون الرسالتين الأميركية والروسية؟ وهل تؤيد المبادرة الروسية بعد المتغيّرات على أرض الواقع، حيث يحقق الجيش انتصارات ويدخل إلى مناطق لم يكن له وجود فيها منذ أربع سنوات وأكثر الجيش بدأ مرحلة الهجوم الشامل بعد استكمال تموضعه وتجهيزاته والسيطرة على طرق الإمداد اللوجستي، مرتكزاً على ما تحقق في القطاعين الجنوبي والغربي من طريق دمشق – بيروت إلى مشارف ريف حمص بعد القضاء على تجمّعات «النصرة» و«داعش» فيهما أو طرد مجموعاتهما إلى مناطق ضيقة ومحاصرة يجري العمل على إنهائها بشكل متسارع.

التباطؤ الأميركي مردّه وجود أقطاب فاعلة على ساحة الإدارة تعرقل إظهار وجهة النظر الرسمية أو الإعلان عنها بشكل سافر، وإذا كانت الإدارة الأميركية قادرة على إقناع الدول التابعة في المنطقة بذلك فإنها تقف عاجزة أمام حلفاء الكيان الصهيوني على الساحة الأميركية لأنهم على قناعة تامة بأنّ استمرار الوضع الحالي يخدم مصالح هذا الكيان، وهم ليسوا معنيين بالأثمان الباهظة التي تدفعها شعوب المنطقة لا من وجهة نظر حقوقية ولا إنسانية… ويبقى السؤال إلى متى يستمرّ الموقف الأميركي والغربي رمادياً؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى