بري: مشكلة عون جبران
هتاف دهّام
تجري اتصالات مكثفة لتلافي وقوع جلسة مجلس الوزراء اليوم في الإشكال نفسه الذي وقع في الجلسة السابقة، وعلى الأقل تأجيل الإشكال الى ما بعد الأعياد، لأخذ المزيد من الوقت للتفتيش عن مخارج.
ويعوّل كثيرون على دور لرئيس مجلس النواب نبيه بري في إيجاد المخارج المفترضة، وقد تكون الفكرة الملائمة التي يتمّ العمل عليها والتي تشكل إخراجاً ملائماً هي انعقاد الجلسات من دون الخروج بقرارات أو عدم الدعوة الى عقد جلسات بانتظار أن يحين موعد أقرب التعيينات في آب المقبل المتعلقة بتعيين رئيس الاركان في الجيش، بما يشكل المحطة الملائمة للتفاهم على حلّ ما.
لا يريد الجنرال ميشال عون دوراً لحلفائه في حركة الشارع لأنه يريد أن تأخذ وجهة الاعتراض طابعاً مسيحياً، لذلك فإنّ الحركة ستقتصر على مظاهر اعتراضية في المناطق المسيحية، وربما تكون التحركات العونية بداية العمل للتحرّر من الفيتو السعودي.
لن يوافق عون بعد اليوم على مسار التهميش الذي يمارسه معه تيار المستقبل، وسيذهب حتى النهاية. لقد أعادت مواقفه الأخيرة تكتيل الساحة المسيحية حوله، وأحرج أخصامه الذين باتوا يلتزمون الصمت.
لكن السؤال الذي يطرح هل تثمر هذه الحركة حلولاً ما، هذا ما يبدو غامضاً لغاية اللحظة؟ حيث تعتبر أوساط سياسية مخضرمة أنّ هذه المواقف التصعيدية العونية التي بلغت ذروتها أول من أمس تبدو خارج المألوف ومواقف متمرّدة على البنية التقليدية في النظام، وممارسة السياسة بأدوات غير مألوفة وأحياناً من دون أن يكون الأفق واضحاً ومحدّداً أو بحسب المثل الشائع «إذا ضبطت لحق على لبن».
يعتبر رئيس التيار الوطني الحرّ نفسه ابن الدولة وليس ابن النظام، رسم مساراً عقلانياً لحركته لتحقيق أهدافها، وتبقى نقطة ضعف قاتلة تشوب هذا التحرك، هو الانقسام المسيحي – المسيحي الذي يشكل خاصرة رخوة في أطروحات الرابية، وهذا يناقض واقع الحال على المستويين السنّي والشيعي، حيث يحتكر تيار المستقبل التمثيل السنّي الى حدّ ما، وحزب الله وحركة أمل يحتكران إلى حدّ كبير التمثيل الشيعي، في حين أنّ التيار العوني لا يحتكر الشارع المسيحي، وحتى حلفاءه المسيحيين لا يجارونه في النزول الى الشارع.
يخاصم رئيس مجلس النواب طريقة وأداء التيار الوطني الحر في السياسة، ويدعو إلى ضرورة أن نفتش جميعاً عن مصلحة لبنان واللبنانيين من دون أمر آخر. ويشكو «الأستاذ» دائماً من الذين حول «الجنرال» وعلى الأخصّ وزير الخارجية جبران باسيل، ويعتبر أنهم يسيئون في أدائهم ومواقفهم للتيار الوطني الحر، ويبدو تشدّدهم غير مفهوم وخارجاً عن المألوف. ولفت أمس انزعاج حركة أمل من اللقاء التنسيقي الذي عُقد بين وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله، في وزارة الخارجية، لعدم علمها بلقاء بسترس.
يلعب حزب الله دور المصلح بين الرابية وعين التينة. حاول مراراً وتكراراً تهدئة الأجواء بين بري وعون، لكن سرعان ما كانت تلتهب بينهما، والسبب يعود الى الالتباسات المتراكمة والمصالح المتضاربة، لذلك كانت تسوية حزب الله لأيّ خلاف يقع بين الطرفين لا تعدو أكثر من علاج ظرفي، سرعان ما ينتهي مفعوله. وغالباً ما كان يقع حزب الله محرجاً بين الحليفين، ففي موضوع فتح الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي أمسك حزب الله العصا من النصف، وأكد وزيره في الحكومة محمد فنيش أننا مع فتح الدورة وسنوقع على المرسوم لكنه في الوقت نفسه، اعتبر انّ في إمكان مجلس الوزراء إقرار فتح الدورة بالنصف زائداً واحداً، لكن إحالة المرسوم إلى المجلس النيابي هي من صلاحية رئيس الجمهورية، وبالتالي تحتاج إلى تواقيع 24 وزيراً في غياب رئيس الجمهورية.
لقد وقع الجنرال عون وثيقة مار مخايل مع حزب الله، وجرّب حواراً مع تيار المستقبل الذي كان رأس حربة في تهميش المسيحيين واختزاله رئاستي الجمهورية والحكومة برئيس مجلس الوزراء والتعدّي على صلاحيات رئيس الجمهورية، ويخوض حواراً مع حزب «القوات» على رغم أنّ مسألة عدم الثقة عمرها أكثر من 25 سنة.
والسؤال البديهي الذي يغيب عن ذهن كثيرين لماذا لا يكون حوار بين الرابية وعين التينة ووضع التباينات على طاولة البحث والنقاش؟ ربما لأنّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح يعتبر أنّ تفاهمه مع حزب الله شكل ضماناً لتميّز أدوار القوى السياسية المنضوية في فريق 8 آذار وتقريبه منها، والحؤول دون انفلات الخلاف الى خصومة.