«إسرائيل» تدفع ثمن ممارساتها وإجراءاتها

جاك خزمو

لم يغيّر قادة «إسرائيل» سياستهم القائمة على الاحتلال والتوسع، ويظن هؤلاء أن الوقت هو لمصلحتهم، ويمكن أن يؤدي الى فرض أمر واقع جديد.

رفضوا تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الداعي الى انسحاب «إسرائيل» من الأراضي التي احتلت في حرب حزيران 1967، واستغلوا «أل» التعريف، وتهربوا أيضاً من قرارات عديدة إدانتهم للقيام بأعمال استيطانية، لكنهم واصلوا هذه السياسة ولم يأبهوا للقرارات الدولية. وعندما يُطلب من «إسرائيل» الانسحاب من الضفة الغربية، يدعي هؤلاء أن ذلك مستحيل لأن هذه الأرض أرضهم، ولا تنازل عنها. وخلال الأعوام السبعة والأربعين من الاحتلال لأراضينا أقيمت مئات المستوطنات في القدس والضفة، وأصبح هؤلاء المستوطنون أصحاب قرار سواء شئنا أو أبينا في السياسة «الإسرائيلية» إذ أن الائتلاف الحكومي الحالي يميني ويدعم الاستيطان بقوة كبيرة.

عام 1947، في 29 تشرين الثاني تحديداً، صدر القرار الأممي/ الدولي بالتقسيم، ورفضنا نحن الفلسطينيين ذلك، وأصر قادتنا عامذاك على رفض أي تقسيم. وبعد إقامة دولة «إسرائيل» في 15 أيار 1948، وحلول «النكبة» التي أحيا شعبنا قبل أيام الذكرى السادسة والستين لوقوعها، بدأنا نطالب بدولة علمانية في فلسطين، أي دولة واحدة ثنائية القومية، ورفض العالم ذلك، وبعد أربعين عاماً على النكبة، اتخذ الفلسطينيون قراراً بالقبول بحلّ الدولتين على حدود 4 حزيران 1967، وإلغاء البند المتعلق بالدولة العلمانية الذي كان يوصف بأنه يهدد الوجود الكياني لدولة «إسرائيل». وبدأت مسيرة سلمية عام 1991 في مؤتمر مدريد، وتم التوصل الى اتفاق المبادىء في أوسلو الذي وقع يوم 13 أيلول 1993 في ساحة البيت الأبيض. ودخل الفلسطينيون و»الإسرائيليون» في «متاهة» التفاوض التي لم يقدم فيها «الإسرائيليون» شيئاً، وكانوا يعتبرون أي انسحاب من أي مدينة تنازلاً كبيراً. واندلعت الانتفاضة الثانية، وبقيت الحال على ما هي عليه من تعنت «إسرائيل»، وتمسكها بسياسة الاستيطان القائمة على التوسع.

ونحن اليوم، على مسافة 66 سنة على النكبة و47 عاماً على احتلال 5 حزيران 1967، نتساءل، مثلما تساءلنا في السابق: هل حل الدولتين ممكن في ظل الاستيطان والشروط «الإسرائيلية» التعجيزية؟ وهل يمكن أن تكون هناك دولة مقطعة الأوصال؟ وهل يمكن القبول بدولة فلسطينية من دون القدس عاصمة لها، ومن دون الأغوار، ومن دون إزالة المستوطنات، ومن دون حق العودة للاجىء الفلسطيني؟ حتى لو تم التوصل الى أي اتفاق مع «إسرائيل»، من يضمن تنفيذه. فاتفاق المبادئ، الذي وقع في أيلول 1993 بشهادة العالم كلّه له ودعمه، لم تلتزم «إسرائيل» بتطبيقه كاملاً، إذ تهربت من تنفيذ اتفاقات عديدة أخرى تم التوصل إليها معها وبحضور الراعي الأميركي. اتفاق الخليل الذي عقد في واي ريفر لم يطبق كاملاً، وآخر نكث للاتفاقات المبرمة أو التي تم التوصل اليها مع «إسرائيل» هو اتفاق إطلاق سراح الأسرى القدامى، فها هي تتراجع عن الإفراج عن الدفعة الرابعة منهم وتهدد وتنذر باتخاذ اجراءات ضد السلطة الفلسطينية، مع أنها هي التي خالفت الاتفاق مثلما انتهكت اتفاقات سابقة.

قد يظن قادة «إسرائيل» أنهم يستطيعون فرض الأمر الواقع على شعبنا، وقد يظن بعضهم أنه يمكن ترحيل العرب الفلسطينيين عن ديارهم، أي تكرار النكبة. لكن مثل هذه الأحلام ولّت، والوضع الدولي راهناً لن يسمح بذلك، كما أن المعطيات في المنطقة تغيّرت وقوة الردع العسكرية «الإسرائيلية» ضعفت كثيراً.

الواقع الراهن يقول إنه أمام التعنت «الإسرائيلي» المتواصل، وأمام استمرار سياسة الاستيطان، وأمام وضع شروط تعجيزية، فإن حل الدولتين قد «رحل»، وإمكان تطبيقه على أرض الواقع تتلاشى يوماً فآخر، وهذا يعني أننا نتجه نحو حل واحد هو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية، أي حل الدولة العلمانية التي نطالب بها منذ 66 عاماً وتنازلنا عنها، ولكن «إسرائيل» لم تقبل تنازلنا.

على قادة «سرائيل» أن يتفهموا أن السلام والاستيطان أمران متناقضان، فلا يمكن أن يتحقق السلام الشامل ما دامت سياسة التوسع قائمة، وأنّ حل الدولتين كان فرصة ذهبية لـ»الإسرائيليين» واضاعوها وفقدوها، وأنّ محاولة رئيس وزراء «إسرائيل» اتخاذ الاجراءات لمنع خيار الدولة الواحدة ستفشل حتماً إذا استمر قادة «إسرائيل» في اعتبار الأراضي العربية المحتلة في حزيران 1967 أراضيهم ولا يريدون «التنازل» عنها، وفي إفشال جهود التسوية كافة.

كنا في وضع ضعيف عام 1948، وضعفت الحماسة والاندفاع الرسمي العربي لقضيتنا، لكن ها هي الظروف وأخطاء القادة «الإسرائيليين» تعيد الى الواجهة حلّ الدولة الواحدة، وتؤكد المعطيات على أرض الواقع والممارسات «الإسرائيلية» على الأرض الفلسطينية المحتلة أن لا خيار آخر غير خيار الدولة الواحدة.

قد يكون عامل الوقت وقف الى جانب «إسرائيل» في مراحل معينة في ظل معطيات دولية غير مريحة، ووضع عربي ضعيف، لكن هذا العامل يعود ليقف الى جانبنا، وليحيي خيار حل الدولة الواحدة.

هل يدرك قادة «إسرائيل» هذا الوضع الراهن؟ هل يقدمون على انقاذ خيار حل الدولتين باتخاذ قرارات حاسمة وحازمة؟ ثمة شك كبير في ذلك، ولذلك فإن الرياح ستجري بما تشتهيه سفننا الفلسطينية، وهذا ما سيؤكده الزمن الآتي!

ناشر ورئيس تحرير مجلة «البيادر» المقدسية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى